أتفكر في خيانة إرث والدك الذي عاش حياة طبيعية، يحرث الأرض ويرعى الغنم، ولم يسبق له الدراسة، لم يكن يزعج نفسه بالقراءة، اتبع والدك، من شابه أباه فما ظلم، ومن سار على خطاه فقد حفظ تاريخه، ألا تتذكر أنه لطالما كان يحاول جعلك سعيدا، إنه فعلا يستحق السير على دربه، بلا زيادة الأحمق ولا نقصان المتخاذل.
لا داع للدراسة صغيري، أنت في الجبال وبين الأغنام، وحياتك طبيعية، والإنسان لا يطمئن إلا بين الأشجار، هنا راحتك، لن تحتاج مدرسة، إنها ترهات فقط ينطقها القادمون من المدن، لا تنصت إليهم، فقد صاروا متكبرين، ابق مع زهرات الوادي واكبر بينها، ازرع واحصد وعش على مجهود يديك، حافظ على هوية المنطقة ولا تلوثها بكثرة المدارس، لا يوجد أي داع لذلك، اتركوا المكان كما هو، لكي نبقي على جبال الريف عذراء كما خلقت!
صديقتي، أنت لست بحاجة للاستمرار في دراستك الجامعية، لا تنسي بأن الجامعات تبعدك عن أهلك، وتزيد المصاريف على عائلتك، وربما توقعك في المشاكل، يكفيك نيل الباكالوريا، أو حتى الشهادة الإعدادية، ولا مشكل في الابتدائية، بل أتقني الحروف فقط، فلن تحتاجي غيرها في حياتك اليومية، أنصحك بألا تشغلي بالك بالتفاهات، اهتمي بما هو أهم، تعلمي إمساك المكنسة بطريقة صحيحة، وتقشير البطاطس وإعداد الحساء!
| كيف تريد مصانع وشركات، أنسيت أن الصناعة تأتي بمزيد من الأمراض وتلوث هواء الريف العليل، إنها مليئة بالمواد الكيماوية، وستضاعف الأمراض |
لماذا ستفكر في مستشفى لعلاج السرطان، ألا تعلم بأن الموت رحمة للمرضى، وأن العلاج يعذب السقماء، اترك والدك يموت في راحته، فإن "الله يطهره بذلك من الذنوب"، ويأخذه إليه كما ولد، ولا تقلق، ستراه في الجنة. وما سبب حزنك أنت على أمك، ما زلت صغيرا، ووالدتك تحب أن تكبر، فلا تشغل بالك، إن حياتها في حياتك وسعادتها في سعادتك، لذا لا تبكي على موتها بدون علاج فستحزن لذلك، كن بارا بوالدتك.. واتركها تموت وأنت ضاحك!
لم أفهمك بعد، كيف تريد مصانع وشركات، أنسيت أن الصناعة تأتي بمزيد من الأمراض وتلوث هواء الريف العليل، إنها مليئة بالمواد الكيماوية، وستضاعف الأمراض، يكفي أن لدينا صديقا اسمه "السرطان"، لا نود المزيد، أتريد أن يموت كل الناس، كل شيئ جميل، إن أردت العمل فهناك الكثر منه، بيع المناديل والسجائر في المقاهي أو توزيع الماء في الشواطئ، أو فقط باستقلال قارب، والإبحار قليلا، وإن لم يكتب لك العبور فأنت مع الشهداء في السماء، أما إن أردت البقاء فلا تعقد الأمور كثيرا يا صاحبي، الزواج سهل، الريفيات يتفهمن وضعك، ويمكن أن تقبل بك إحداهن، وستنجب أطفالا وتأكل من عرق جبينك وتنام وتقضي حوائجك ولله الحمد!
يا صديقي إن شراءك للأسماك بأسعار غالية، هو قمة السخاء والتكافل الاجتماعي، أنسيت بأن "السماك" المسكين، يعيل عائلة مكونة من عدة أفراد، إنك بذلك تساهم معه وتأخذ الأجر على ذلك، ونفس الأمر بالنسبة للخضار الفقير، فكن سخيا ولا تحرم جارك من حقه في مالك، فإن كل شيء زائل، ولا يبقى إلا الخير!
عن أي عسكر تتحدث، ألا تعلم يا صديقي بأن وجود الجيش والأمن هو لحماية المواطنين من الخطر الداهم، أنسيت أن صخرة "النكور" القريبة محتلة من إسبانيا، والاحتلال لا يؤتمن، إن الجيش هنا لتوفير الأمن، لكي لا يسمحوا بتحول الريف إلى "حلب" ثانية، إن استفزازاتهم وكلامهم لا يعني أنهم يستفزوننا، لا أبدا، إنهم يقصدون الإسبان، إن فهمك لعبارة "اولاد سبنيول"، خاطئة، إن وجودهم هنا بفضل إرادة المسؤولين الذين يريدوننا أن نعيش بشكل آمن ولا نخاف إلا من خلفاء الله في الأرض!
إن أفضل ما يمكن أن تفعله، هو الجلوس في منزلك، وليست هناك أي مشكلة إن لم يكن لديك واحد، اقعد في أي مكان، افترش الأرض والتحف السماء، واحمد الله على أنك أفضل من كثير مما خلق، فقد وهبك عقلا ل"تتبع" العلماء، فهم ورثة الأنبياء.. تعلم فرائض الوضوء ونواقضه، وصلي واسجد لله وادعه يستجب لك، لا تكن جاحدا تنسى قوله عز وجل، "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ"، وتمضي في معاصيك.. إن المال فتنة، دعه للمسؤولين!
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.