شعار قسم مدونات

"سلام يا جدع"!

blogs المستشفيات المصرية

أثار قرار وزيرة الصحة المصرية، الدكتورة هالة زايد، الكثير من اللغط وشغل الرأي العام. اهتدت الوزيرة إلى حيلة جهنمية لإيقاظ الضمائر في أركان مستشفيات الوزارة في بر مصر، وبعد دراسة علمية متأنية تفتقت الحيلة عن إلزام المستشفيات بإذاعة السلام الجمهوري ثم قسم الأطباء يوميًا! قبل أربع سنوات فقط كانت مها الرباط تشغل المنصب نفسه، وطالبت الأطباء بمهمة فذة للارتقاء بمستوى الطب في مصر؛ استراتيجية "هش القطط" من عنابر المرضى وغرف العمليات. لم نفهم ما مراد الوزيرة يومها من هش القطط، ولا أتوقع أنها كانت تقصد قطط عدنان أوكتار، لكن الغريب أن القرار الأخير سخيف، وكان من باب أولى التركيز على تطوير المنظومة الطبية.

هل تشغيل السلام الجمهوري وقسم الأطباء في مستشفيات سيقضي على عدوى المستشفيات؟ هل سيطور الإدارة الطبية ويقضي على آلام المرضى؟ هل سيساعد الأطباء على أداء مهامهم بفعالية وإخلاص؟ نحن نعاني حالة من اللت والعجن والهري في كلام لا يجب أن يصدر عن مدير وحدة صحية، فضلًا عن أن يصدر من وزيرة الصحة. التشخيص الصحيح لحالة المريض نصف العلاج، وتأسيسًا عليه فإن تشخيص أوجه قصور وزارة الصحة يجب أن يكون دقيقًا، ويستقصي المسؤولون الأبعاد الفعلية ويعلموا جاهدين لحلها. وقد رأينا أناسًا استماتوا في التهليل والتطبيل لقرارات خاطئة، ولم يفعلوا ذلك اعتباطًا أو سذاجة، بل لأن مصلحتهم تقتضي ذلك، ولم يضعوا في حسبانهم أنهم يتحدثون باسم الشعب؛ فعند المصلحة الشخصية يظهر شعار: "أنا ومن بعدي الطوفان، وسلام يا جدع!".

أطباء مصر ليسوا بحاجة لإعادة القسم، الأطباء بحاجة لمراعاة الوزارة احتياجاتهم الفعلية، وتوفير الوزارة لبيئة تساعد الأطباء بشكل جوهري وليس شكليات فارغة. وكأن الحكومة ترمي للشارع بطرفٍ من دعابة، وتضج وسائل التواصل الاجتماعي سخرية بهذا القرار العبثي! لكن المدهش أن التملق لا يكاد يختفي حتى يطل برأسه مرة أخرى؛ فأثناء مداخلة هاتفية للفنان عادل إمام مع وائل الإبراشي في برنامج العاشرة مساءً، انتقد الزعيم القرار وقال إنه يناسب الأطفال في المدارس، وإن أطباء مصر يؤدون واجبهم بإخلاص. لم يرق هذا الطرح أحد أعضاء مجلس الشعب؛ فسجل اعتراضه فوريًا وببالغ الحماس، ورأى أن القرار حكيمًا ويهدف للصالح العام!

لو أن الطبيب المصري وجد في قرارة نفسه أنه بحاجة ماسة للسلام الجمهوري وقسم الطبيب، وأيقن أنهما سيرفعان من كفاءته؛ لن يتردد في تحميل السلام والقسم على هاتفه الشخصي

هذا المتحمس للقرار ربما دخل بعض مستشفيات مصر قبل القرار، ورأى الأطباء يؤدون عملهم على أكمل وجه، كان ذلك قبل قرار إذاعة السلام الجمهوري وقسم الأطباء، ولم يبصر نزيفًا حادًا في انتماء بعض الأطباء أو إهمالًا متعمدًا منهم؛ فما جدوى العنترية في قبول قرار عاطفي لا يعكس أي ملمح علمي في معاناة المريض المصري؟! مبدأ الحكومة لا تعرف الخطأ أضر بنا بما فيه الكفاية، وأن نتعامل مع الأمور بمنطق المصلحة العامة وليس الحفاظ على المنصب بتملق المسؤولين.

لو أن الطبيب المصري وجد في قرارة نفسه أنه بحاجة ماسة للسلام الجمهوري وقسم الطبيب، وأيقن في حشاشته أنهما سيرفعان من كفاءته؛ لم يتردد فيمتو ثانية في تحميل السلام والقسم على هاتفه الشخصي، ولأدمن سماعهما وحفظهما عن ظهر قلب. ولو أن المريض المصري رأى من الطبيب إهمالا ولمس أن السبب في ذلك تدني هرمون السلام الجمهوري وقسم الأطباء؛ لعمد إلى تشغيلهما على جواله لإنعاش روح الطبيب وإيقاظ مشاعره الوطنية، وعلى فرض أن المريض كان "بيفرفر ومش قادر"؛ فإنه سيهمس لمن حوله: "سلام يا جدع!" وعندها يدوي السلام الجمهوري، وتشيع ملامح الهمة والعزيمة في أوصال الطبيب، وينجز عمله على أفضل وجه ممكن.

هناك سؤال رفيع يزن على أذني، ومفاده باختصار: من أي المدارس الطبية العالمية استنبطت وزيرة الصحة تقنية السلام الجمهوري؟ لم نسمع عن تقنية مماثلة حتى في بلاد هبدستان! وعلى ذكر السلام الجمهوري؛ فإن منتخب مصر استمع إلى السلام الجمهوري ثلاث مرات في روسيا، ولم يتحمس للفوز في أي مباراة وعاد بخفي حنين! فالمسألة ليست قاصرة على تشغيل السلام الجمهوري، بل تتعدى ذلك إلى فكر وإدارة وتخطيط علمي. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.