شعار قسم مدونات

مونديال روسيا 2018.. الواقعية أقصر طريق للفوز بكأس العالم

blogs كأس العالم

انتظرت فرنسا مرور عقدين كاملين من الزمن لتتذوق حلاوة الفوز بأكبر تظاهرة كروية على الإطلاق للمرة الثانية وهذه المرة في الملاعب الروسية، باصمةً على مشوار سليم دون خطأ طيلة هذه الكأس العالمية التي شهدت عدة أحداث من بينها استعمال تقنية VAR التي أسالت الكثير من المداد، ومفاجآت عديدة تمثلت في إقصاء المنتخبات الكبرى منذ أدوار مبكرة، ويُقصد بالمنتخبات الكبرى هنا تلك البلدان التي سبق لها نيل اللقب العالمي والبلدان التي دأبت على بلوغ الأدوار النهائية كما هو الحال بالنسبة إلى منتخب هولندا البطل غير المُتوج. وابتسمت هذه النسخة في وجه المنتخبات الأوروبية التي بسطت سيطرتها محققة لقبا جديدا ينضاف إلى الألقاب الأحد عشر التي جعلت القارة العجوز توسع الفارق بينها وبين أمريكا الجنوبية، وكرست قاعدة أن المدرب المحلي هو الوحيد الذي يعرف كيف تُربح الكأس.

قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل أربع سنوات وبالضبط خلال مونديال البرازيل مواكبة التكنولوجيا واستعمال تقنية خط المرمى لقطع الشك فيما إذا كان الهدف صحيحا، وتجنب ما حصل في المباراة النهائية لكأس العالم 1966 بإنجلترا والجدل حول صحة الهدف الذي أهدى إنجلترا اللقب العالمي. واختارت الهيئة الوصية على كرة القدم مواصلة سلك طريق التطور بإدخال تقنية جديدة جيء بها من أجل مساعدة الحكام في اتخاذ القرار الصائب ويتعلق الأمر بتقنية VAR (التحكيم بالفيديو)، غير أن هذه التقنية أثارت لغطا كبيرا بسبب استعمالها في حالات معينة وتجاهلها في حالات أخرى من قبل الحكم مما أضر بالمنتخبات الصغيرة خصوصا، زيادة عن الوقت الكبير الذي يُهدر كلما قرر الحكم اللجوء إلى هذه التقنية مما يكسر وتيرة اللعب ويقتل الفرجة.

لم يكن أكبر المتشائمين من الجمهور الألماني يتوقع أن يرى منتخبه يغادر كأس العالم من الباب الصغير منذ دور المجموعات، علما أن هذا المنتخب سبق له أن تربع على عرش الكرة العالمية في أربع مناسبات آخرها في دورة البرازيل 2014، كما كان طرفا في المباراة النهائية في أربع مناسبات كذلك. دخل منتخب المانشافت هذه الكأس كمرشح فوق العادة ليس للعب الأدوار الطلائعية فيها فحسب، بل للتتويج بها مرة أخرى بالنظر إلى قيمة اللاعبين الذين يؤثثون هذا المنتخب والذين سبق لأغلبهم تذوق حلاوة التتويج بالكأس العالمية وتحت إشراف مدرب يقود سفينة المنتخب منذ أزيد من عقد من الزمن، يواخيم لوف، لكن مفاجأة الإقصاء كانت مدوية إذا علمنا أن ألمانيا وقعت في مجموعة كان المفترض أن تتأهل فيها بسهولة إلا أن واقع الميدان خالف التوقعات.

زفت هذه الكأس العالمية انضمام منتخبين جديدين إلى مصاف المنتخبات الكبرى والتي عُرِّفت أعلاه ويتعلق الأمر بمنتخبي كرواتيا وبلجيكا

كما خيبت العديد من المنتخبات الكبيرة الآمال في هذه البطولة على غرار الأرجنتين، المنتخب الذي فشل في إثبات ذاته في هذه الكأس وكاد أن يحدو حدو ألمانيا لولا هدف جاء في الدقائق الأخيرة أمام نيجيريا ذهب بأصدقاء ميسي إلى ثاني الأدوار، وبذلك تجنبت الأرجنتين إقصاء كان سيأتي عاجلا أم آجلا نظرا للمستوى الباهت الذي ظهر به على جميع الأصعدة خلال هذه البطولة، وهو ما حصل أمام فرنسا التي قضت على أحلام منتخب التانغو. ولم يكن منتخب إسبانيا أفصل حالا، إذ غادر المنافسات من الدور الثاني شأنه شأن الأرجنتين، ولعل إقالة المدرب قبل ثمان وأربعين ساعة عن أول مباراة وتراجع مستوى كثير من اللاعبين الذي يشكلون العمود الفقري للمنتخب ساهما بشكل كبير في أن يظهر منتخب لاروخا بهذا الوجه الشاحب.

ومن جهة أخرى، زفت هذه الكأس العالمية انضمام منتخبين جديدين إلى مصاف المنتخبات الكبرى والتي عُرِّفت أعلاه ويتعلق الأمر بمنتخبي كرواتيا وبلجيكا. تمكن منتخب الكرواتي من تحقيق أفضل نتيجة في تاريخ مشاركاته القصير في كأس العالم، علما أن أول مشاركة لهذا البلد في المونديال تعود لسنة 1998 بعد أن نال استقلاله عن جمهورية يوغوسلافيا في منتصف التسعينات، عقب بلوغه المباراة النهائية بفضل جيل ذهبي يتقدمه قائد المنتخب وضابط إيقاعه لوكا مودريتش. أما بلجيكا فكانت على بعد مباراة واحدة من بلوغ نهاية كأس العالم لأول مرة، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن البلجيكية عقب الهزيمة أمام فرنسا، إلا أن الانتصار على إنجلترا في مباراة الترتيب واحتلال المركز الثالث بوأت هذا الجيل مرتبة أفضل جيل في تاريخ بلجيكا متقدما على جيل 1986 الذي احتل المركز الرابع.

وواصلت الكرة الأوروبية هيمنتها على كأس العالم للمرة الرابعة على التوالي، وتجلت هذه السيطرة في حضور ملفت للمنتخبات الأوروبية في المربع الذهبي مشكلة أضلاعه الأربعة، في ظل غياب تام ومفاجئ خصوصا لقارة أمريكا الجنوبية التي دأب ممثلوها على بلوغ مراحل متقدمة والمنافسة على اللقب والدليل على ذلك الألقاب التسعة التي نالتها هذه القارة بفضل منتخبات البرازيل والأرجنتين والأوروغواي، ناهيك عن توقيع منتخباتها عن حضورها في خمس نهائيات آلت لخصومها من القارة العجوز؛ ومن أوجه تلك السيطرة أيضا حضور الدوري الإنجليزي الملفت الذي أثبت قوته بتمثيلية فاقت بقية الدوريات الكبرى. في حين سجلت إفريقيا رقما سلبيا خلال هذه البطولة بعد فشل ممثليها الخمسة في تجاوز دور المجموعات، وهو الأمر الذي لم يحصل منذ دورة المكسيك 1986 حينما فتح المغرب باب التأهل إلى الدور الثاني في وجه منتخبات القارة السمراء.

أن تلعب جيدا وتسيطر على الكرة لا يعني أن تنتصر، فإسبانيا استحوذت على الكرة بنسبة قياسية خلال مباراتها ضد روسيا في دور الثمن من هذه الكأس لكنها انهزمت وعجزت عن الوصول إلى مرمى الخصم
أن تلعب جيدا وتسيطر على الكرة لا يعني أن تنتصر، فإسبانيا استحوذت على الكرة بنسبة قياسية خلال مباراتها ضد روسيا في دور الثمن من هذه الكأس لكنها انهزمت وعجزت عن الوصول إلى مرمى الخصم
 

أثبت المدرب المحلي مرة أخرى تفوقه الكاسح على حساب نظيره الأجنبي بعد نجاح الفرنسي، ديديي ديشامب الذي جمع المجد من أطرافه حيث توج باللقب العالمي لاعبا في الماضي ومدربا في الحاضر، في قيادة منتخب بلاده لإحراز كأس العالم روسيا 2018، ليكون بالتالي المدرب العشرين الذي يُتوَّج بطلا للعالم مع منتخب بلاده من أصل إحداً وعشرين نسخة من كأس العالم. ودوَّن الأوروغوياني، ألبرتو سويتشي، اسمه كأول مدرب في التاريخ يُحرز لقب كأس العالم مع بلده سنة 1930 بالأوروغواي، في حين يبقى المدرب الوحيد الذي نال شرف التتويج باللقب العالمي مرتين متتاليتين سنتي 1934 بإيطاليا و1938 بفرنسا هو الإيطالي، فيتوريو بوزو، الإنجاز الذي لم يستطع أي مدرب أن يعادله.

لم تشهد هذه الدورة بزوغ نجوم جدد كما جرت العادة في الدورات السابقة، باستثناء نجم منتخب فرنسا، كيليان مبابي، الحائز على جائزة أحسن لاعب شاب والذي لا يمكن اعتباره في واقع الأمر اكتشاف الدورة، لأن الجمهور العالمي سبق وأن تعرف على مؤهلاته قبل سنتين حين تُنُبئ له بمستقبل مشرق حينما كان يمارس في صفوف موناكو قبل أن يضمه باريس سان جيرمان الموسم الماضي. وواصل النجوم الكبار خلال هذه البطولة خطف الأضواء على غرار لوكا مودريتش، أحسن لاعب في مونديال روسيا، وإيدين هازارد وأنطوان غريسمان ونغولو كانتي واللائحة لا تقف عند هذا الحد، في حين أفل نجم البعض الآخر مثل ليونيل ميسي وروبيرت لفاندوفسكي وتوماس مولر وغيرهم من اللاعبين الكبار.

أن تلعب جيدا وتسيطر على الكرة لا يعني أن تنتصر، فإسبانيا استحوذت على الكرة بنسبة قياسية خلال مباراتها ضد روسيا في دور الثمن من هذه الكأس لكنها انهزمت وعجزت عن الوصول إلى مرمى الخصم، وهذا هو الدرس الذي لقنتنا إياه فرنسا التي عرفت من أين تؤكل الكتف وتفوز بعيدا عن الفرجة واللعب الجميل. ولكل مدرب الحق في أن يختار الوسيلة الأنجع التي بإمكانها أن توصل فريقه للنصر وتُدخل البهجة في قلوب الجماهير، فالنتيجة هي الأهم في نهاية الأمر وفرنسا هي بطلة العالم اليوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.