شعار قسم مدونات

كن صديقاً لطفلك

blogs - الطفل

قرأت مرة أو شاهدت شيئاً، يقول بأن "ملخص الوجود الإنساني، أو الشيء الذي يعطيك معنى الوجود كإنسان، هو أن يعترف بك أحدهم" حقيقة، يبدأ الاعتراف بالفرد الواحد من عائلته، الأبوين تحديداً، حين تعترف بابنك شخصاً ونفساً بشريةً تستحق كل الحب والتضحية، تتمسك بها حين تخطئ لا تتخلى عنها أو تثقب روحها بخيبة، وقتها فقط ينشأ الطفل سوياً. أغلب الأطفال العدوانيين في العالم، هم في الحقيقة أشخاص عانوا منذ صغرهم التهميش والدفع بعيداً كلما أخطأوا حتى وصلوا هُوة العدم، بعدها يوقنون أنه لا فائدة ترجى من وجودهم كبشريين على سطح الكرة الأرضية.

 

إن أقسى ما يمكن أن يقدمه الوالدان لطفلهما بقصد منهم أو دونه هو أن يدفعوه ليتساءل ما جدوى وجوده، أن يورثوه نظرة فارغة للعالم، لا هدف فيها وكل ما يحيط بها هو الفوضى واللاوجود. أن يدعوه يجلس في زاوية الحياة لا أحد يأبه به ولا يأبه هو بمرور الأحداث، أن يجعلوه لا يميز بين الأيام وبين ما يحفظ له كرامته وبين ما يدنس كيانه. كل شيء يبدأ من المنزل، من طريقة التربية نفسها، للوالدين، فهما حين يعنفان الطفل لأنه سكب كأس ماء فقط، فإنهما في الحقيقة يورثانه الخوف منهم في أصغر التفاصيل، ويتحولان في عينيه من الجناح الذي يختبئ تحته، للسيف الأول الذي سيوضع على رقبته حين يتعثر.

 

كن صديق طفلك، حين تعصف به المراسٍ وتنبذه سبل الحياة ويمسي وحيداً، كن اليد التي تصفق معه حين لا تصفق يده الواحدة

حين يتركان كل الأوقات الفارغة، وينتقصان منه حين يكون محاطاً بمن هم في عمره أو بين العامة، فإنهما يكسران في روحه كبرياءه وكرامته الهشة، فيكبر الطفل، متمرداً أحياناً، هادئاً خائفاً عرضة للتنمر من قبل من هم حوله أحياناً أخر. يأتيهما الطفل سعيداً لنجاحه وتقدمه في الصف، وحين يسألانه عن ابن الجيران الذي يشاركه الفصل والصف، ويدريان بأنه جلب علامة أعلى منه، فإنهما يرميان بوجهه هذه الفرحة ويصفعانه بنظرات من استهزاء وسخرية، يكسران بها قطعة أخرى من روحه الغضة.

 

وفي الوقت الذي يود الخروج من قوقعته وينوي مشاركتهما قصة حدثت معه، فيصدّان عن الاستماع له بحجة تعبهما أو أعمالهما الكثيرة، ينسحب ويجر ورائه أذيال الخيبة، وتمر السنوات به فيختنق بكلماته التي تكثر مع الأيام. يشب الطفل، وفي كل مشكلة تحدث يتم التخلي عنه ووضعه أمام عتبة المنزل، يتأرجح بين رغبات الوالدين ومزاجهما معاً. يولد بعدها شخص ناقم على البشرية جمعاء، ينتقم من كل من يملك ما ينقصه، ويحاول الفتك بسعادة وهناء من هم حوله، لا اتزان في شخصيته، لا منطق سوي للتعامل معه.

 

لكن، لكل قاعدة شواذ، فهناك من همشوا في صغرهم، تراهم اليوم يسعون نحو أكبر النجاحات لأنفسهم ولمن هم حولهم، والمقولة القائلة بأن "فاقد الشيء لا يعطيه" كاذبة بشأنهم، فترى الحب يزهر من أفواههم والخير من ثنايا جلود أيديهم، يزهرون ويستخرجون الزهر والعبق ممن يمرون بهم. لذلك، كن صديق طفلك، ما ضر أحد طفلاً يشجعه والداه ويثنيان على نجاحه، ويدافعان عنه حين يتهجم أحد عليه، ما انتقص أحد من طفل كملّه والداه بالمحبة والاحتواء والتفهم.

 

كن صديق طفلك، المستمع الأول له، من ينصت جيداً لكل أطراف الحكاية والمشكلة والحبكة، من يقدر له جهده الغض الصغير، ويسمح له بأن ينمو ليصبح غصن شجرة تستظل بظلها. اصنع له التقدير، وعلمه أن يقدر ذاته حقها الصحيح لا نقصان فيه ولا علو وتكبر، فتمنع روحه من الميل نحو سوء يؤذيها أو تعجرف يكسر قلوب الخلق حوله. كن صديق طفلك، حين تعصف به المراسٍ وتنبذه سبل الحياة ويمسي وحيداً، كن اليد التي تصفق معه حين لا تصفق يده الواحدة، كن أنت من يبني داخله العظمة والأب الأفضل للمستقبل. صادق ابنك، طفلاً، شاباً ومراهقاً في مقتبل العمر، مقبلاً على الحياة، وكما يقول ابن خلدون العظيم: "إن الانسان إذا طال به التهميش يصبح كالبهيمة، لا يهمه سوى الأكل والشرب والغريزة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.