شعار قسم مدونات

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ

blog - والدين1

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)" سورة لقمان. تتلخصُ حياة الإنسان وتتشكل معالمها في صغره بينٙ رجلٍ وامرأة، أمٌ وأب؛ ينعم بعطائهما آخذاً عمرهما في طريق نموه فيكونا له حاويةً بل درعٙ أمان. هما الأسرة، هما الحب، هما ينبوع الحنان.

 

يا لعظمته ذلك الأب بدأبه الجاد لا يكل ولا يمل جهداً لإسعاد أبنائه. يعملُ طيلة النهار لتأمين قوت العيال. يعود في المساء تعِباً عبوساً، ما أن يرى زوجته وأبنائه حتى ينسى كبد المشقة وعناء العمل لتتبدد تفاصيل وجه مديره الشاحبة من أمامه وتنطوي تلك الكآبة فرحاً وسروراً لرؤيتهم. هل تذكرُ وقوفك يومياً ببابه في انتظار مصروفك الصباحي، أم هل تذكرُ تلك اليد الدافئة، يدُ والدك الحنون تسيرانِ معاً للمدرسةِ يوميا. هل تذكرت هديتك الأولى منه وهل تذكرُ كيف قلدته ذات مرة، يوم لبستٙ حذائه لتتشبه به، هل تذكر فرحته العجيبة حين رؤيتك تفعلُ ذلك، هل تذكرُ كيف كان رفيقك حين صغرك فهل كنت رفيقه.

 

وما أغرب الأم وجبروتها في حماية أبنائها، تلك السيدة الحنون من وصى الله تَعالى ورسوله الكريم مُحمد صلى الله عليه وسلم بها. تغنى بها الشعراء وتغزل فيها الكتاب؛ تدهشني دائماً بصبرها وقدرة تحملها وجلدُها وراء أبنائها سنداً ليكونوا عظماء. الأمهات حققن المعجزات وخضنّٙ غمار المستحيل؛ قد أمدهنّٙ الله بحوله سبحانه، فتلك أمٌ رفعت سيارة في حالة ذعر على ولدها وأخريات ضحيّن بحياتهن ثمناً ليعيشٙ أبنائهن، قد تسرح بفكرك لصورة السيدة الخارقة في القصص المصورة، لكن صدقني إن قلتُ لك أن أمهاتنا أعظم.

هل تساءلت يوماً ما يميزهن، هنّٙ فتيات عاديات، بل سيدات طبيعيات، هنّٙ بناتنا وأخواتنا، خالاتنا وعماتنا وجداتنا، هنّٙ وحدهن حتى تأتي أنت فتملئ حياتهنّٙ بطاقة حيوية عجيبة فتغيرهن أيها الأبن من سيدات عاديات لأمهات قادرات بحول الله من حدسِ المستقبل. كم من المرات نهرتك أمك عن فعل ذاك وأوصتك بأولاك، كم من المرات حذرتك من صحبة سوءٍ ترافقهم، هل أخبرتك أن قلبها لم يطمئن لتلك الصفقة، هل أخبرتك أن تلك الفتاة لم تدخل قلبها. كم من المرات صدقتها وكم من المرات طلبت عفوها من تلك الخرافات. كم من المرات ندمت لعدم إنصاتك، كم من المرات ركضت تحبو عند قدميها صغيراً، كم من المرات داوت جراحك ورسمت بسمة في قلبك قبل وجهك كم وكم كنت رفيقها.

كنت صغيرا فربوك لتكبر فتنساهما بعد أن ضعُفٙ عظمهما وشابٙ شعرُهما وأحدودب ظهرهما، يا لك من عاق إن نكرتهما
كنت صغيرا فربوك لتكبر فتنساهما بعد أن ضعُفٙ عظمهما وشابٙ شعرُهما وأحدودب ظهرهما، يا لك من عاق إن نكرتهما
 

هل بدأت رحلة بحثك عن سيدة، تذكر، أنك ببحثك عنها قد اتخذت قرار ولادة أُمٍ لأبنائك، أم كأمك سيكبرُ أبنائها أيضاً فهل ترضى قطيعتهم لها حين ذاك، هل ترضى العقوق منهم كأب، ستفاجئ من إجابتك. هل تعلم، إنها تعلمُ ذلك مسبقاً. هي تعلم أن عملك كبيراً سيأخذك منها لكنها تابعت تعليمك، هي تعلم أن تلك الفتاة التي خطبت لك ستأخذ حصةً كبيرة من قلبك عنها لكنها صبرت. هي تعلم فقد علمها الله. إنها استشعرت ذلك لكنها تحبك، تحبُ رؤية مُحياك الباسم، يُزهرُ قلبها كلما رأتك بقربها ترنو تبغي رضاها، يسعدها حديثك وإن كان عادياً، تبكي لألمك وتسعد لفرحك بل يرضيها أن تصبر حزنا في قلبها إن كان ذلك يسعدك.

 

يا لك من عاق إن نكرتهما حين كِبرك، هل تشغلك زوجتك وأبنائك عنهما يا ابنهما الحنون، هل ضاق صدرك بهما فحرمتهما رؤية أحفادهما يتحرقون شوقاً لهم بين العيدين، إن كنت مسلما فهل هذا صلاح. كنت صغيرا فربوك لتكبر فتنساهما بعد أن ضعُفٙ عظمهما وشابٙ شعرُهما وأحدودب ظهرهما، يا لك من عاق إن نكرتهما؛ نكرت تعبهما معك حين صِغرك، جحدت حبهما لك حين رأيت زوجك، ألم يذكرك أبناؤك المشاغبون بعبثك الطفولي معهما، هل أنكرتهما؟ إنك لا تستحقهما فهما قطعة من الجنة، هما من المستقبل ماذا فعلت حقاً لتستحقهما؟! "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)" سورة الإسراء

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.