شعار قسم مدونات

كوريا.. النظافة أم الإنسانية أولى؟

blogs لاجئي يمينين في كوريا

في صورة لمجموعة من الآسيويين المسلمين المعممين والملتحين على صفحة أحد المواطنين الكوريين يعلق عليها "أنا أكره مظهرهم". ذلك أحد التعليقات على منشور يحرض لإخراج اللاجئين اليمنيين من كوريا ويستنكر وإنشائها لتكتل صغير لهم عبر صفحة موحدة على الفيسبوك.

في كوريا الجنوبية يصل مستوى النظافة حد رفيع على مستوى العالم بل وينافس الكثير من الدول الأوروبية، كما تصل الموضة وعمليات التجميل ذروتها، عند نزولك إلى مترو الأنفاق إلى المحطة تشعر وكأنك تشاهد عرضاً أزياء المارة المهرولين كل إلى وجهته بسرعة ونظام مدهش تستمتع برؤيته. كوريا التي عرفتها خلال عام وشهر هي من أكثر الدول في العالم اهتماماً "بالمظهر والنظافة" وهي بقعة صغيرة يزدحم عليها أكثر من 51 مليون كوري يتعايشون فيما بينهم بانسجام تام على قواعد الآداب العامة الصارمة والنظافة على المستوى الشخصي والعام، يساعدهم في هذا الانسجام خلوهم تقريبا من العرقيات الأخرى حيث يشكل الأجانب في كوريا نسبة لا تتجاوز 3.4 في المائة من نسبة السكان.

كما أنهم قد توقفوا منذ زمن بعيد من النقاش في أمور كالنظافة والموضة.. أمور كهذه يسابقون الزمن فيها وأصبحت لديهم من البديهيات لألف باء المدنية والحداثة التي يحبون أن يعيشوها بكل ما أوتوا من عزم وقوة، لينسوا ماضياً أليماً ألم بهم بل ويفزعون (حد الهلع) من أي عامل قد يردهم للماضي وسنوات القحط والفقر التي حكمتهم لقرون. فالفقر والبطالة في نظر مجتمعهم عيب، ولذلك لا تفتأ ترى نساء ثمانينيات وتسعينيات قد تقوس ظهرهن ومازلن يكسبن عيشهن بأيديهن، إما ببيع الزهور أو الطبخ أو حتى تنظيف الشوارع، وشعارهن شعار كوريا الأساسي (Fighting).

ربما هذا ما يفسر ولا يبرر كثير من مواقف العنصرية تجاه الجنسيات الأخرى، ولا يبرر موقف الحكومة الكورية في ايقاف دخول اللاجئين اليمنيين ولا موقف البعض ممن يسوقون اليمنيين والمسلمين على أنهم إرهابيين، أو "غير نظيفين وتفوح منهم رائحة كريهة"! (١). هذا يعود بذاكرتي إلى موقف حصل عندما كنت طالبة في كوريا وكانت الفصول الدراسية ماعدا صفنا تعج بالطلبة الصينيين وكانت المعلمة الكورية تقول بأننا محظوظون لأنه لا يوجد بصفنا صينيين فهم غير نظيفين وتفوح فصولهم "برائحة كريهة"!

 

على كوريا وغيرها من الدول التي أغلقت الباب على اليمنيين الفارين لأجل البقاء أن يعلموا أن اليمن قبل أزمتها كانت من أكثر الدول ترحيباً بالأجانب من كل الجنسيات وقد احتضنت من قبل اللاجئين

هذا ولم يخل حديث معلمات أخريات أيضاً عن رأي مماثل وعن ازدراء للأخر المختلف، وتلميحات سلبية عن المظهر بما في ذلك لباسي كمسلمة للحجاب الذي لا يعتبر بالنسبة لديهم لباس مناسب خلال الصيف مثلا لأنه ليس "فاشن" ويتسبب بالحر والتعرق، وغير ذلك الكثير من السخرية الجارحة التي تجعل التعايش وقبول الاختلاف بالنسبة إليهم أمر صعب للغاية. إلا أن معلمات أخريات انتقدن هذه التصرفات العنصرية ولكن لم يكن بوسعهن القدرة على تغيير الوضع وإنهاء المشكلة.

وفي ذات المعهد الذي درست فيه رفضت طالبة يمنية معلمها الذي تقدم لخطبتها بسبب عدم جرأته على إشهار إسلامه، خوفا من عدم قدرته على التعايش مع الواقع الجديد وخوفه من المجتمع الكوري "الخفي" الذي يزدري الالتزام بالدين ويعتبره نوعاً من الرجعية، وبسبب عدم جرأته على التكيف مع تعاليم الإسلام كالصلاة والامتناع عن أكل الخنزير ومنتجاته، وعندما سأَلَته لماذا اختارها بالذات، أجاب أنه "بسبب نظافتها وجمال وجهها"، نعم! فالمظهر والنظافة شيئان أساسيان في كوريا، ولكن هل يعد هذا أهم من الإنسانية؟

حسنا اعترف أن اليمنيين لديهم مشكلة في عدم تطبيق النظافة والذوق العام، ويجب عليهم الانتباه لها، وهي مشكلة سريعا ما تتخذ كذريعة لتضييق باب اللجوء أمامهم من قبل مناهضي اللجوء في هذه الدول، ولكنه لا يعد مبرراً للتعميم والسخرية وعدم الوقوف الإنساني معهم كلاجئين وعدم تغليب قضيتهم الإنسانية على مسألتي النظافة والرفاهية. والغريب أن تستجيب الحكومات لمثل هذه المطالب. أليس إنقاذ الناس من الحرب وحمايتهم أولى من السخرية من قلة نظافتهم بسبب سوء ظروف معيشتهم؟ بل المفاجأة أن 700 ألف شخص عريضة على الموقع الإلكتروني للرئاسة تدعو لتشديد قوانين اللجوء (والتي هي أصلاً الأشد في العالم) في دولة تعترف بمعاهدات الأمم المتحدة وبحق اللجوء! إن كان موقف الحكومة الكورية مشرفا في سحب هذه العريضة غير المنصفة، فإنه بالمقابل غير كاف وغير متناسب مع القليل الممكن فعله. بل قد أشار الصحفي الكوري جونغ يونغ ايل وهو مراسل بأنه قد دخل اللاجئون اليمنيون بشكل قانوني إلى كوريا من خلال نظام الهجرة إلى جزيرة جيجو.

 

لم يرد أي تقرير بأن اليمنيين ارتكبوا أي جريمة في جزيرة جيجو. تنتقد وزارة العدل اللاجئين اليمنيين الذين لم يرتكبوا أي خطأ بالقول إنهم إما "مجرمون عديمو الضمير" أو "مجرمون محتملون". وانتقد مركز حقوق الإنسان للاجئين الوزارة قائلاً: "هذه الخطوة، التي تتسق مع الوضع في جيجو، قد أدت إلى انتشار سوء التفاهم والتحيز ضد اللاجئين وزيادة القلق". وأشار كيم يون جو، محامي مركز حقوق الإنسان للاجئين، إلى أن "الحكومة المسؤولة عن حماية اللاجئين تنتج إطارًا مثل إساءة استخدام النظام واللاجئ المزيف". كما أشار السيد بارك جيونج هيونغ، رئيس الفريق الاستشاري لمركز حقوق الإنسان الكوري للهجرة، عن خيبة أمله: "لقد كان هناك بالفعل حالة تم فيها تعريض اللاجئين اليمنيين الذين جاءوا إلى جزيرة جيجو منذ مايو إلى المجتمع"(٢). 

وأخيرا لقد انضمت كوريا إلى الدول التي أغلقت باب الدخول بفيزا زائر اليمنيين ولم يتبق اي دولة تقبل دخولهم بفيزا زائر سوى لاوس وماليزيا. طبعا هذا لا يعفي حكومة اليمن من تحمل مسؤولية رعاياها في الداخل والخارج، بل هي المسؤول الأول عما يحصل لكل فرد منهم، وقد تتعجب أنه طوال سنين من قبل أزمة اليمن لم يكن هناك سفارة يمنية في كوريا وإلى الأن ليس هناك سفارة لسبب غير معلوم، وأياً كان السبب فهو يساهم في أزمتهم والتطاول عليهم.

 

العجيب أيضا أنه للأن ليس هناك حتى اتصالات أو تنسيقات من الحكومة اليمنية للاطمئنان على اللاجئين أو الطلاب هناك أو وجود أي كيان معتبر للنقاش وحل مثل هذه المواضيع (بدون الحاجة لكل هذا الضجيج)، ولكنه ديدن الحكومات المتوالية في اليمن. الأمر أيضا هادئ بالنسبة للاتحادات النقابية والطلابية اليمنية في الداخل والخارج ما عدا بعض التغطيات الإعلامية على صفحات التواصل الاجتماعي.

إن كان كثير من الكوريين ومناهضي اللجوء قد كرهوا مظهر اليمنيين وهم فقراء وفارون من الحرب، فعليهم أن يتذكروا أنه حين كان الشعب اليمني يعاني استنزفت شركة الغاز الكورية الغاز الطبيعي اليمني بسعر بخس لمدة عقود باتفاقية فاسدة مع النظام الذي ثار عليه الشعب، الغاز الذي يشكل ثلثي الحياة في كوريا من تدفئة تحت البلاط إلى غاز الطبخ، ومع ذلك لم ينعتهم اليمنيين بالفاسدين الاستغلاليين. عليهم ألا يغفلوا عن أن شعب اليمن من أكثر الجنسيات رغبة بالالتزام بالنظام في أي دولة تحكم بالنظام والقانون، لأن ذلك يذكرهم بالدولة التي طالما حلموا بها، وعليهم أن يخجلوا من أنفسهم لعدم مساعدتهم للوصول في حلمهم المشروع كأي شعب يطمح للكرامة والحرية.

عليهم أن يدركوا أنهم يوما مروا بنفس الظروف التي مر بها اليمنيين ولم يسخر منهم أحد واستقبلتهم دول أخرى بكل رحابة صدر ولم تسخر منهم وقت شدتهم أو قامت بإغلاق باب الحياة أمامهم. على كوريا وغيرها من الدول التي أغلقت الباب على اليمنيين الفارين لأجل البقاء أن يعلموا أن اليمن قبل أزمتها كانت من أكثر الدول ترحيباً بالأجانب من كل الجنسيات وقد احتضنت من قبل اللاجئين من كل بقاع الأرض بكل رحابة صدر خصوصاً الأفارقة والصوماليين، وسهلت جميع الإجراءات لجميع الأجانب والمقيمين.

 

فمن العار عندما يحين وقت رد الجميل لا أحد يذكر محاسن هذا الشعب المسكين والمضطهد في الداخل والخارج أو يرغب بمساعدته، ومن العار عليهم أن يتقدم عليهم هذا الشعب إنسانياً وجوهرياً وهو المنهك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وأخيراً غير مطلوب من كوريا الكثير، فقط عليهم أن معاملة اليمنيين بالإنسانية أو على الأقل بالمثل وكفى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.