شعار قسم مدونات

أحمد معاذ الخطيب.. احتضار التيار التغريبي وأفول العلمنة الجبرية

blogs أحمد معاذ الخطيب

أحمد معاذ الخطيب الدمشقي المنشأ العالمي الفكرة يعد أول من دين السياسة ورشد الفقه الشرعي السوري الذي تجاوز فكرة المنابر والمباخر والمكبرات الصوتية إلى دين يقف في مواجهة العلل المجتمعية بدء من الفرد ووصولاَ إلى الرأس السياسي، وكان أستاذنا معاذ من أول من نازل وواجه الزحف غير المقدس الذي يشنه النظام السوري على وعي وعقائد ومقدسات الناس بعد سقوط التيار السياسي الإسلامي في سوريا وإحكام القبضة على المؤسسات الدينية.

بعد المعارك الطاحنة التي دارت بين الإخوان المسلمين والنظام السوري والتي انتهت بمصادرة المجتمع بأكمله وتحويل البلد إلى مزرعة تخص عائلة الأسد، حاول النظام السوري تأميم الدين ليكون جزء من ملاك الدولة فبعد أن احتل النظام ظاهر الناس لابد أن يستعمر مشاعرهم أيضاً من خلال توظيف الدين وتطويع الوعي العام لمهادنة الظلال السيئة التي فرضت على الشعب السوري.

كان المهندس معاذ الخطيب صوت الإنسان السوري الذي يسعى للخلاص من نير الاستبداد في ثنائية ملفتة: الوطنية والانتماء إلى قسمات الهوية العريضة السورية. فالمواطنة لا تكون تامة إلا إذا تساوى الحاكم والمحكوم في الحقوق والواجبات لقد جاهر الخطيب بموقفه علناً حسب الدوائر المتاحة له آنذاك، وكثيراً ما كان يردد بين طلابه (ليكن عشق الحرية في كلّ كلمة نقولها وفي كلّ سلوك نتحرّك به ولنهزّ صمت الناس بشجاعتنا ولنكسر قيود جبنهم بعدم خوفنا من الظالمين مهما كانوا..) فارق الخطيب ضغط الراهن بوعيه بضرورة استعادة المجتمع من قبضة الدولة السلطوية وهذا يقتضي تعويد الناس على الحرية ولذلك صح مراراَ (مهما تكن ضريبة الحرية فادحة، فإن ضريبة الذل أفدح بكثير).

وقد سعى الخطيب ورغم التضييق الأمني إلى الارتفاع بالذائقة الفكرية والنفسية لأبناء دمشق وما حولها، ولكن لم يكن الأمر يسيراَ عليه، فقد كلفه الاستقلال عن المؤسسة الدينية وعن الركب الخاضع للسلطة إلى تجريده من حقوقه الإنسانية وكذلك محاصرته واعتقاله. لم يكن مستغرباً أن يعاديه النظام، لكن الشيء الغريب حقاً هو تلاقي الأضداد على مخاصمته (الإسلاميون المسيسون والعلمانيون المتزمتون). حيث انبرى الأخوان واليسار والعلمانيون لتشويه سمعته بل ولتبسيط جهوده، وتفننوا في صور ذلك فتارة يتم تعييره بالمتدين وتارة بالمستبد وتارة أخرى بأن لا يعرف في السياسية!

على الرغم من ممارسة الخطيب دور القائد السياسي المستقل والذي لم تتعود المعارضة عليه والذي يؤمن بسورية بكل مكوناتها بقي الرجل عرضة لاتهامات جائرة وخصومات غير شريفة

لقد كانت البنية التنظيمية والاتجاهات الايديلوجية للمكونات السورية ترى في غالبها معاذ الخطيب رجلاء استعصى على الاحتواء فلا بد من محاصرته كان الرجل سابقاَ لهذه الأصناف والزعامات التاريخية الموهومة بالعصمة والتي لم تترك نافذة غير شرعية إلا وفتحها عليهـ واجه الرجل عبثيتهم بوضوح: "ليتفضل السادة السياسيون والمختصون وبعيدو النظر والمنظرون والمفكرون الثوريون، ومن لهم سنوات ينصحوننا ولم ينقلوا معلومة صحيحة، ومن عندهم آراء بعض الدول أشبه بوحي منزل.. ولا ننسى قادة الأحزاب التي حتى على الفيسبوك لا يتجاوز عدد أفرادها ركاب حافلة، والمتعجلون الذين يهاجمون كل شيء قبل أن يفهموه".

"ليتفضلوا جميعاً بتقديم أي مقترح لإيقاف نزيف الدم في بلادنا، وسواء أكان هذا المقترح عملياً أم نظرياً، فسأشكرهم واحداً واحداً، وسأعتذر منهم فرداً فرداً، رغم أن الكثيرين منهم، حتى عندما يتبين لهم خطأهم لا شجاعة عندهم ولا يعتذرون". "ليتفضلوا باقتراحاتهم وسأكسر مغزلي.. يا من لا تتقنون إلا النقد القاتل والسخرية والاستهزاء: كفاكم، فوطنكم هو الذي يضيع.. إن كنتم تعقلون".

وعلى الرغم من ممارسة الخطيب دور القائد السياسي المستقل والذي لم تتعود المعارضة عليه والذي يؤمن بسورية بكل مكوناتها (ليس أمامنا غير البحث عن المشتركات، بعيداً عن الاستراتيجيات الغربية، إذ إن الجانبين الروسي والأميركي لديهما رؤية لتقسيم سوريا، وأعتقد أنه لا النظام ولا المعارضة يرغبون في رؤية بلادهم مجزأة") بقي الرجل عرضة لاتهامات جائرة وخصومات غير شريفة. تجاوز الخطيب البرتوكول السياسي وصرح بشكل خطير (قادة ومفكرون غير سوريين يطالبون عملياً باستمرار الدماء حتى آخر طفل في سوريا، والتصدي فوقها (لإيران والعدو الروسي).. وقسم آخر منهم يغازل النظام مغازلة عاشق ولهان".

هل تعرفون أحداً يريد أن يقف مع ثورتنا كما تقف إيران وروسيا وراء النظام.. بالمناسبة.. أقترح تحرير بلادكم أولاً، ولا تمتصوا ثانية دماءنا التي صبغت الأرض).. الخطر واللحظات الاستثنائية، تلك تهيمن على نقاشاتنا في الثورة السورية والتي لم تنتج إلا بدايات موتوره أو ردات فاشية كان قد تجاوزها الخطيب فأعلن من غير مواربة "من يسمون أنفسهم أصدقاء سوريا، نصفهم كذابون ودجالون ومنافقون، وهم من أوصلوا الأوضاع إلى ما نحن عليه، وعلينا الآن الرجوع إلى الحاضنة العربية، لأنها الأساس.. هناك جهات لا تريد للأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام أن تحل". "الشيء الذي ننادي به هو مفاوضات مباشرة مع النظام لإيقاف سيل الدماء، وحل العديد من الإشكالات بعيداً عن ركود المجتمع الدولي".

التزم المهندس بـ:
* إننا لن نكون مطيةً لأية دولة، وفي نفس الوقت سنتواصل مع الجميع، ونعتقد أن التفاوض السياسي هو الأنجح والأقل خسائر.

* إننا لا نبحث عن مواقع سياسية، ونرفض الأدوار التجميلية، وليس الحل بمشاركة صورية في حكومة انتقالية وهْمية كما تُشيع بعض الجهات الإعلامية كل فترة، بل بحل توافقي حقيقي.

* لستُ أمانع من لقاء أي مسؤولٍ من النظام..

* التفاوض هو خير الطرق، ولست أشترط أي شرط سياسي.

دراسة الخبرة السياسية والمجتمعية لهذا الرجل لم يقم السوريون بها نتيجة الاحتقان العام والاصطفافات الحدية حيث تتواتر الأحداث السياسية والأمنية الكبيرة في سوريا، والتي أفضت إلى شعب منكسر وسلطة مجرمة وصمت دولي رهيب. في مقايسات ومقاربات الخطيب التي طرحها حتى بعد خروجه من الائتلاف كان الرجل واضحاً أنه من الصعب الحديث عن تحقيق تقدم في الشأن السوري حيث الوضع يسيطر عليه العجز في الداخل سلطة ومعارضة وفي المقابل هناك جبهة دولية متماسكة تعمل على وجود معالجات واحتواء سياسي عسكري للجميع.

لقد بقي الخطيب وفياً لقيم الثورة الأولى والتزم أيضاً بشرف الخصومة مع من اختلف معهم وظل إلى هذه اللحظة وفياً لفكرة حقن الدم السوري
لقد بقي الخطيب وفياً لقيم الثورة الأولى والتزم أيضاً بشرف الخصومة مع من اختلف معهم وظل إلى هذه اللحظة وفياً لفكرة حقن الدم السوري
 

لا يملك المهندس الخطيب ترفاً فيما يطرحه فقد أصر على قضايا عملية كالمواطنة والبحث عن حل سياسي والاستقلال السوري السياسي ولم يخطط لذلك في مجالس مغلقة بل كان صريحا فنحن في سوريا نحتاج إلى صياغة توازن توافقي بين حتمية تغيير النظام من تعسفه وبين ضرورة التميز الخلقي لمن يعارضه فلن ينتصر شعب وهو يمارس أخلاق القصر الرئاسي الذي ثار عليه.. لا أكون مبالغاً إذا قلت إن الرجل كان نبيلاً في مواجهة خصومة غير شريفة بل وفاجرة ولعله كان يؤمن بقول غوستاف لوبون :خلق كل أمة هو علة تطورها في حياتها وهو الذي يقرر مستقبلها وهو موجود على الدوام خلف العوامل التي فرضها الناس سبباً لأعمالهم فقالوا بالاتفاق وهو لا حول له ولا قوة وبالرحمة وهي أمر خيالي وبالمقدور المحقق وهكذا مما اتخذته الأمم ناموساً في حياتها على حسب اختلاف المعتقدات.

تأثير الخلق في حياة الأمم عظيم. وأما تأثير العقل فضعيف على تفاوت فيه، ولقد كان الزمان أيام سقوطهم ذوي عقول أرقى من عقول أجدادهم القاهرين ولكنهم سقطوا لأنهم فقدوا صفاتهم الأخلاقية فأضاعوا المثابرة والعزيمة والجلد الذي لا يعرف الوهن وفقدوا القدرة على التفاني في نصب المطالب واحترام القوانين إلى حد التقديس. وتلك الصفات هي التي كانت السبب في عظمة آبائهم الأولين.

الخلق هو الذي يمكن ستين ألف انجليزي من إخضاع مائتين وخمسين مليوناً من الهند وكثير من هؤلاء في مستوى واحد معهم من حيث العقل وبعضهم يفوقونهم جداً في الفنون الراقية وغور المباحث الفلسفية والخلق هو الذي جعلهم على رأس مملكة استعمارية هائلة لا يعرف التاريخ نظيراً لها حتى الآن. الخلق لا العقل هو الذي تقوم عليه الجمعيات البشرية وتؤسس الديانات وتبني الممالك وهو الذي يجعل الأمم تحس وتعمل وما كان كسب الأمم كثيراً من شحذ الأذهان والتعمق في التفكير.

دافع الخطيب عن سوريا بأخلاق والتزم أيضاً في معاركه بأخلاق الثائر الأصيل.. لقد بقي الخطيب وفياً لقيم الثورة الأولى والتزم أيضاً بشرف الخصومة مع من اختلف معهم وظل إلى هذه اللحظة وفياً لفكرة حقن الدم السوري وكان بحق أحمد معاذ الخطيب شارة على احتضار التيار التغريبي وأفول العلمنة الجبرية التي خاصمها الشعب السوري عندما رفع الله سوريا حرية وفقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.