شعار قسم مدونات

الإسلاميات.. من الفكر الشرعي إلى الزي الغربي!

blogs الحجاب

تظل الساحة الفكرية بمختلف أيدولوجياتها هي ظل القضايا الفكرية التي يمكث تحتها الأشخاص مُستمسكين بفروعها وثوابتها لاسيما حاملي منهج الإسلام كرسالة للحياة كلها، الذين يقولون إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. ومن ضمن النقر التي يقع فيها الإسلاميون، مشكلة المبادئ وفهم النص فهمًا صحيحًا والابتعاد عن تأويله فيما يتماشى مع الأهواء والمصالح. أستاذية العالم وخلافة راشدة، كلمات تنادي بها الحركة الإسلامية، ويأتي قبلهم مجتمع مسلم صحيح العقيدة سليم العبادة فماذا عن صحيح الزيّ؟!. فما موضعه من تلك المفاهيم؟ في صراع دائم بين المجتمع والإنسان إما أن يطغى الثاني على الأول أو يعلن استسلامه وتأثره بما فيه من مصالح ومفاسد.

المرأة بين الشرع والموضة

جلباب فضفاض، خمار "ما يغطي الرأس" طويل، أي لا يشف ولا يصف كما اجتمع جمهور العلماء على تفسير الآيات التي تصف زي المرأة في الإسلام. من المفترض على المسلمات اللواتي فَهمن الآيات أن يلتزموا في ارتدائهن الملابس التي لا تصف ولا تشف طبقا للدستور الإسلامي اللواتي آمن به وبالعمل طبقا لأحكامه، وحديث السيدة عائشة عندما نزلت الآيات المختصة بالحجاب والزي في سورة النور، عن صفية بنت شيبة أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: لما نزلت هذه الآية (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ) أخذن أُزُرَهن "نوع من الثياب" فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها. رواه البخاري. 4481.

أصبحت صاحبة النقاب المتعارف عليه قد شَابه قطعة قماش تُزينُ بل تُفتن أكثر مما تعفُ وصاحبة الخمار الذي ضربت به على جيبوها، ليست كما ضربن به السيدة عائشة والمهاجرات الأوائل

ولكن ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وعُلو موجة العري وفساد الأخلاق وانتشار المحرمات في المجتمعات العربية وتبديل نصوص القرآن الصريحة في الحجاب والمواريث وزواج الرجل بالمرأة بنصوص تخالف القرآن مباشرة كما حدث في بعض البلدان العربية. أصبح الصراع بين المجتمع والمفاهيم في تلك النقطة شديد، كان ينقسم المجتمع في أمر الحجاب من وجهة نظري إلى ثلاث:
* امرأة لا ترتدي الحجاب.
* امرأة ترتدي حجاب قصير أي غير شرعي طبقا لتفسير العلماء للقرآن.
* امرأة ترتدي حجاب شرعي يغطي من الرأس حتى ما بعد النحر والصدر فيكون ارتدائه سليم حسب النص القرآني.

وقالت "الغارديان" في تقريرٍ لها لقد بدأ عصر الموضة الإسلامية، التي تخاطب النساء المسلمات اللواتي يرغبن بالجمع بين عَقيدتهن وَأناقتهن". واشتهرت تلك التوكيلات الأجنبية مانغو، ودولتشي آند غابانا، وأوسكار دي لارينتا بتصميم بعض الفساتين والعباءات الفضفاضة الطويلة مؤخرًا، مما يواكب الإسلاميات في ملابسهِن وما يحتاجُهن في مواكبة الأزياء.

ولكن سُرعان ما اتجهت المرأة الثالثة إلى مواكبة الأزياء الغربية الحديثة وتصميماتها وهذا ليس عيبًا بالطبع ما دام ذلك الزيّ لا ينافي تفسير النص القرآني الصريح، ولكن اختل الأمر عند الكثيرات، فصاحبة النقاب المتعارف عليه قد شَابه قطعة قماش تُزينُ بل تُفتن أكثر مما تعفُ وصاحبة الخمار الذي ضربت به على جيبوها، ليست كما ضربن به السيدة عائشة والمهاجرات الأوائل، عندما نزلت الفرض القرآني عليهن. وبذلك قد اختل الشرع وفهم النص عند بعض الإسلاميات في قضية الزي.

هل طغت المادة على الروح؟

أو بالمعنى الأصح هل طغى الزيّ على الفكر أو المظهر عن المضمون، لم نسمع في القرن الواحد والعشرين عن امرأة أو عن ناشطة نسوية تدافع عن الإسلام بشمولية منهجه أو أفكاره كدين للحياة بأكملها، امرأة مُدركة لِآيات القرآن تعرف السنة قديمًا تحاكي الواقع الإسلامي حديثًا، تؤلف الكُتب تسرد التجارب التاريخية تُحلل الوَقائع السياسية وتُصحح المفاهيم عبر منبر إعلامي كَمُتحدثة متفوهة بلسانِ الدين والعقل، مثل الأستاذة زينب الغزالي رحمُها الله، التي أسست جمعية الأخوات المسلمات قبل انشقاقها من الاتحاد النسائي برئاسة السيدة النسوية هدى شعرواي التي طالما نادت بحرية المرأة في أوائل القرن الماضي وقبل انضمام السيدة زينب لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة البنا بعد مبايعتها له، فَكانت تمتلك كاريزمية التحدث ودعوة سيدات مصر نحو مفاهيم إسلامية صحيحة تحفظُ حق المرأة وتحافظ عليها في ظل عنفوان المجتمع القائم مع الاحتفاظ بنصوص الشرع التي تعفُ المرأة وتحافظ على كبريائها وروحها وعقلها ونفسها.

مع كثرة الحركات والأحزاب الإسلامية تنعدم رؤيتنا لِمرأة إسلامية تتحدث بالأفكار وتجادل الأفكار الأخرى التي تتهم الإسلام بالرجعية والتخلف
مع كثرة الحركات والأحزاب الإسلامية تنعدم رؤيتنا لِمرأة إسلامية تتحدث بالأفكار وتجادل الأفكار الأخرى التي تتهم الإسلام بالرجعية والتخلف
 

ولا أستطيع إهمال نماذج من المرأة المسلمة في عدة انشطة بعينها، مثال الناشطة اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام ورائدة حقوق الإنسان في اليمن بعد اندلاع الثورة وقبلها، ولا الفدائيات الفلسطينيات اللواتي ضَحين بأروَاحهن وأنفسهِن مقاومة للاحتلال الإسرائيلي وآخرهُن الفتاة الشقراء ذات الأعوام السبعة عشرِ الأسيرة لمقاومتها الاحتلال، ومن قبلها أحلام المقاومة المجاهدة أحلام التميمي ناهيك عن الأستاذة المُبدعة هبة رؤوف عزت الناقدة للحركة الإسلامية ومفاهيمها في الحاضر صاحبة القلم الذي يجمع بين الثقافة والحضارة معًا، ولكن ذكرت الأستاذة زينب لأنها نموذج حي للمرأة الإسلامية عقلًا وفقهًا للدين.

ومع كثرة الحركات والأحزاب الإسلامية تنعدم رؤيتنا لِمرأة إسلامية تتحدث بالأفكار وتجادل الأفكار الأخرى التي تتهم الإسلام بالرجعية والتخلف، بل رأينا الكثيرات اللواتي تخلوا عن النص في مقابل الموضة والصيحات الحديثة. وبذلك أصبح الحجاب قطعة قماش، أي سلعة استهلاكية ليس لها مضمون عند الكثيرات، كما قال المفكر الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله، كتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" في وصفه للمجتمع المادي بأنه مجتمع استهلاكي بَدل الوسيلة بالغاية فكل شيء عند ذلك الإنسان الاستهلاكي يتحول إلى سلعة تفقد مضمونها وقيمتها، ونُبرهن على تلك الظاهرة بأن سلبيات المجتمع العربي الذي نعيش فيه أثرت على الكثيرات من صحابيات الحجاب الملتزم الشرعي. والحل هنا يكمُن في الرجوع إلى النص وفهمه فهمًا صحيحًا والارتضَاء به والعمل عليه وفق ثوابت لا نتخلى عنها بل نواكب بها واقعنا المعاصر. فلا خير في دين يفقد ثوابته، ولا شر في واقع يلتزم بالثابت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.