شعار قسم مدونات

أطفال تايلاند.. مأساة أظهرت أسمى المشاعر الإنسانية!

blogs أطفال تايلاند

الأطفال أحباب الله، جملة خاطفة تتردد في مسامع الكثيرين ولكنها تُعبر عن شعور إنساني عميق يدل على وجوب حسن مُعاملة الأطفال وتوفير الأمن والأمان لهم لأنهم الجيل القادم الذى سيحمل على عاتقه خدمة البشرية، قصتنا اليوم قد بدأت في أقصى شرق أسيا حيث تقع تايلاند، 12 صبى في مقتبل زهور الطفولة يفعلون ما هو شائع على الذين في أعمارهم ويلعبون الكرة بصحبة مدربهم وقامت بينهم علاقة صداقة وترابط أسستها كرة القدم، شاءت الأقدار أن تجتمع هذه البراعم مع مدربهم للقيام برحلة استكشافية داخل كهوف ثام ليونج شمال تايلاند، ومع طبيعة تايلاند الخلابة وتجلى جمال المناظر الطبيعية، ترك الأطفال أحذيتهم ودراجتهم في الخارج وبدأوا في الدخول إلى عمق الكهف وقطعوا مسافة ثلاثة كيلومترات بداخله.

 

ومع حلول توقيت موسم سقوط الأمطار في تايلاند، شاءت الاقدار أن تهطل المياة بغزارة في ذلك الحين وانتبه المدرب لخطورة الوضع ودعا الأطفال لسرعة الخروج ولكنها كانت لحظة إلهية عندما بدأ الكهف أن يفيض بالمياه ووقعت انهيارات جبلية أدت إلى قطع الطريق أمامهم للعودة للخارج، لذا قرروا الصعود لمكان مرتفع في الكهف حتى لا يغرقوا.

شعر أهالي الأطفال بالقلق بعد تأخرهم عن وقت الرحلة المُجدول وقاموا بإبلاغ الشرطة التي بحثت عنهم ووجدت مًتعلقاتهم على مدخل الكهف، وعلى الفور أعلنت السلطات التايلاندية حالة الطوارئ لإنقاذ الأطفال من الخطر المميت في ظل هطول الأمطار بغزارة وارتفاع منسوب المياه داخل الكهف.

 

رغم مرورهم بأحلك الظروف ومواجهتهم لشبح الموت، لم يخلو الأطفال من حس الكوميديا، حيث أنه أثناء احتجازهم قاموا بإرسال رسالة طمأنينة عن طريق أحد الغواصين يقولون فيها لا تقلقوا

بداية الملحمة الإنسانية كانت مع انتشار الخبر عالميا لترسل كلا من بريطانيا والصين وفرنسا وأستراليا وأمريكا واليابان فرق متخصصة للمشاركة مع الحكومة التايلاندية في عملية إجلاء الأطفال من الكهف، وبالفعل تمكن بعض الغواصين من تحديد مكان الأطفال داخل الكهف وعثروا عليهم في حالة إعياء بسبب قلة الطعام والأكسجين وقاموا بالتقاط بعض الصور ومقاطع الفيديو لطمأنه الأهالي والرأي العام.

بدأ المنقذون صراع مع الزمن لإنقاذ الأطفال في ظل استحالة رفع المياه وسحبها خارج الكهف وضيق ممرات الكهف مما يؤدى إلى صعوبة دخول الغواصين لجلب الأطفال بالإضافة إلى الوحل وانعدام الرؤية، كان احتمال إنقاذ الأطفال في ذلك الوقت درباً من دروب الخيال. وفى قلب الشدائد تظهر معادن الرجال، لم يأبه الغواص التايلاندى بتحذيرات مسئولين الإنقاذ بصعوبة الدخول إلى ممرات الكهف وأصّر على الدخول وتوزيع أسطوانات الأكسجين في الكهف لعله يكون السبيل لإنقاذ حيوات الاطفال، ولكنه عند عودته غوصاً فقد وعيه ليفارق الحياة وليضحي بحياته في سبيل إنقاذ أحباب الله، لتتوقف على الفور خطة الإنقاذ وقررت السلطات توصيل كابل هواء بداخل النفق لتزويدهم بالأكسجين.

ومع زيادة عدد المتطوعين في عملية البحث وانضمام خبراء أمريكيين من جزر هاواى ليصل عدد المتطوعين إلى ما يقارب الألف شخص بجانب 132 شرطياً، ليأتي العمل الدؤوب بثماره ويتم تحرير 4 أطفال، وتمكنت السلطات في التاسع من تموز من إنقاذ 3 أطفال آخرين ولم يتبق سوى 4 من زملائهم بالإضافة إلى مدربهم، ليصبح ما كان في دروب المحال أملاً واقعاً وملموساً.

ثم ظهر رجل الأعمال المتخصص بالتكنولوجيا إيلون موسك ليعرض المساعدة في إنقاذ الأطفال باستخدام غواصة بحجم طفل لاستخدامها في تحرير الأطفال وإخراجهم داخل أنابيب مزودة بالأكسجين تم إعدادها خصيصاً لتناسب مقاسات المحاصرين داخل الكهف، لتمر باقي عملية الإنقاذ بسلاسة وليتم الإعلان يوم الثلاثاء عن إنقاذ باقي أعضاء فريق كرة القدم بالإضافة إلى مدربهم ليصبح جميع الأطفال بأمان بعد أسبوعين من التآزر الدولي وتوحيد جهود الإنقاذ.

أزمة الأطفال التايلانديين تعد لوحة إنسانية شاركت فيها جميع بقاع وشعوب العالم واتحد الجميع لأجل هدف واحد وهو إنقاذ الاطفال وتأمين مستقبلهم
أزمة الأطفال التايلانديين تعد لوحة إنسانية شاركت فيها جميع بقاع وشعوب العالم واتحد الجميع لأجل هدف واحد وهو إنقاذ الاطفال وتأمين مستقبلهم
 

ورغم مرورهم بأحلك الظروف ومواجهتهم لشبح الموت، لم يخلو الأطفال من حس الكوميديا، حيث أنه أثناء احتجازهم قاموا بإرسال رسالة طمأنينة عن طريق أحد الغواصين يقولون فيها لا تقلقوا.. الجميع أقوياء ولديهم قائمة طويلة من الطعام الذين يرغبون في أكله عندما يخرجون وطلبوا من معلميهم عدم تكليفهم بفروض منزلية كثيرة عند خروجهم، كما قدم الأطفال درسا في الإيثار وعدم تفضيل النفس عندما لم يتسابقوا في تحديد هوية من سيخرج أولا وتركوا حرية الاختيار لفريق الإنقاذ رغم علمهم بأنهم سيخرجوا على مراحل وليس سوياً، وعند خروج المدرب اعتذر فوراً لأهالي الأطفال رغم عدم تحمله الذنب فيما حدث ووعدهم بالمحافظة على أبنائهم مهما كلفه الثمن إيمانا منه بواجبات ومسؤوليات المعلم تجاه أبنائه.

ولتكتمل مسيرة تجلى المشاعر الإنسانية ولتقوم جميع أطياف العالم من رؤساء وشعوب بتهنئة تايلاند على سلامة الأطفال والإشادة بعملية الإنقاذ، وليأتي دور محبي الساحرة المستديرة التي كانت القاسم المشترك بين الأطفال، ولتصلهم دعوة رسمية من الفيفا لحضور مباراة نهائي كأس العالم في روسيا، كما قام ناديي ريال مدريد ومانشيستر يونايتد بدعوتهم لحضور إحدى مبارياتهم في الموسم القادم.

أزمة الأطفال التايلانديين تعد لوحة إنسانية شاركت فيها جميع بقاع وشعوب العالم واتحد الجميع لأجل هدف واحد وهو إنقاذ الاطفال وتأمين مستقبلهم والتأكيد على أهمية تحمل الدول والحُكام مسئولية الحفاظ على الأطفال وتوفير سبل الراحة والرعاية لهم من أجل إعداد جيل جيد قادر على النهوض بالبشرية وبناء مستقبل أفضل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.