شعار قسم مدونات

وسام أبوزيد ..الرجل الصامد…

مدونات - وسام أبو زيد

إذا كنت تبحث عن الشجاعة والبطولة والرجولة في آن واحد لن تبحث عنها في أي مكان من بقاع العالم، فأغمض عينيك واتجه نحو الأرض الطاهرة، نحو فلسطين الجريحة وغزة المظلومة، رغم عمق الجراح وكثرة المصائب إلاّ أن الرجال هناك يخرجون من رحم المعاناة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني ..كل المهن هناك تتطلب الشجاعة والصبر من طرف أربابها، فبائع الخضر شجاعاً والخباز شجاعاً، والبناء شجاعاً، وهكذا يجب أن تكون وإلا ستموت خوفا ً دون شهادة..
 
فمهنة الصحافة متعبة في أصلها، حيث سُميّت بمهنة المتاعب، ففي أمريكا وبريطانيا والدول التي تعيش رفاهية كبيرة صحفيّوها مرهقين دوما، رغم الحريّة والرفاهية التي يعيشونها.. لكن صحفي في فلسطين ومراسل!؟؟ كيف لك أن تتصور ذلك المشهد الذي يكون فيه المراسل في حصار تام، كيف لك أن تتصور تحركاته ومراوغة الرصاص كل يوم!! وكيف لك أن تتخيل مدى الشجاعة التي يكسبها …نعم إنه وسام أبوزيد.
 

يا إعلامي المستقبل، لا تغرنكم الشاشات العملاقة التي ستظهرون فيها دون أن تؤدوا الأمانة على أكمل وجه، سيروا على درب هذا الرجل المجاهد وستنجحون

وسام أبو زيد غني عن التعريف، لكن لمن لا يعرفه هو صحفي ومراسل للتلفزيون الجزائري العمومي من الأراضي المحتلة، من أُصول فلسطينية، خريج جامعة الجزائر وبالتحديد كلية الإعلام والاتصال، التحق بالعمل كمراسل صحفي سنة 2006 ..أنفق اثنتا عشرة سنة تحت التهديد والقصف والدمار الذي يحاصر فلسطين من كل جهة وجنب، وسام مثال للصحفي الوفي الذي يدافع عن أرضه بكل الوسائل، اختار هذه المهنة ليس لكي يظهر على الشاشة بلباسه النظيف الأنيق أمام الجمهور، لكن اختارها لكي يقف في وجه الاحتلال الإسرائيلي، مدافعا عن بلده بترجمة المعاناة و توضيحها للعالم النائم حول القضية الفلسطينية، مضحيّا بنفسه أمام طلقات النحاس التي أصابته في أكثر من مرة، ونجى بأعجوبة من القصف..
 
وسام مثال للصحفي الجدير النزيه الذي اقتحم أرض المعركة بسلاحه البسيط المتمثل في ميكرفون وكاميرا، سلاح لا يدافع عنه شخصياً بل يدافع عن أمة بأكملها، أليس هذا هو الصحفي الذي يجب أن نسير على دربه؟ أليس هذا هو الرجل الذي يتبعه الرجال في المعركة؟.. مهنته النبيلة جعلت منه إنسانا ناجحا بكل المقاييس قبل أن يكون صحفيا ناجحا في ساحة الوغى، رجلٌ حمل على ظهره همّ أمة وهمّ شعب، لكي تعيش فلسطين وأبنائها، شيوخها، ونسائها، رجلٌ حمل رسالة دُوّن عليها كن صادقا، كن قويا، كن مجاهداً ..عاش كل لحظات القهر والحرمان، العطش والجوع، يحمل معداته التي تكاد لا تفارقه، كان شاهدا على إستشهاد العشرات بل الآلاف من أبناء بلده، صحفي تقمص شخصية المجاهد الصنديد، حاملا شعار الحرية تؤخذ ولا تعطى..

 

وسام أبو زيد (مواقع التواصل)
وسام أبو زيد (مواقع التواصل)

 

في يوم ما أجرت جريدة جزائرية معه حوارا وفي أحد الأسئلة أبكاني هذا البطل وذكرني بأجدادي المجاهدين.. "يعني أنّك ستبقى وفيا لرسالتك ولبلدك ولن تهجره كما فعل الأخرون؟ أبدا لن أتخل عن رسالتي ولن أهجر بلدي، ولن أترك فلسطين حتى تفارق روحي بدني مهما كانت المغريات والبدائل فليس لي عن بلدي بديلا".. أليس هذا كلام الأبطال والشجعان الذي ضحوا من أجل أن تُرفع كلمة الحق، وتبقى فلسطين منارة الإسلام والمسلمين..

 

يا إعلامي المستقبل بداية بنفسي، لا تغرنكم الشاشات العملاقة التي ستظهرون فيها دون أن تؤدوا الأمانة على أكمل وجه، سيروا على درب هذا الرجل المجاهد وستنجحون وترفعون كلمة الحق بعيدا على الرداءة التي اجتاحت الإعلام العربي عموما.. بربكم لو سِرْنا على طريق هذا البطل، ووقفنا ضد كل المعيقات والمشاكل التي يتعرض لها الإعلاميون من احتقار وظلم وإبادة، لكنا الأفضل، لكن الغرور لعب بعقول الإعلاميين وجرّهم إلى الطريق الخطأ..
   

الصحفي من حقه أن يعيش سلطاناً في بلده أو خارجه، أن يعيش بكل حرية وراحة تامة، أن لا يُظلم ولا يُقذف، لكن للضرورة أحكام، الضرورة تطلبت أن يعيش وسام بين القصف والظلم والترصّد لكن بقوة شخصيته أثبت للعالم بأسره أنه واقف ولن يسقط أبدا مهما كانت النتيجة، ومهما كان ردّ الاحتلال الصهيوني، هكذا هي فلسطين تصنع الرجال، وهكذا هم رجال فلسطين..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.