شعار قسم مدونات

شرابُ الحُبِ يُعرفُ بالمذاقِ!

blogs الحب

طالب جامعي مغترب، خرج من بلاده خشية السجن. خرج هذا الشاب محطم الآمال، يائس القلب، مغلوبُ على أمره، كان وحيداً في غربته ليس معه أنيسُ غير ربه الذي تعلق به قلبه وخشعت له جوارحه وتابت له نفسه. التحق بالجامعة بعد عدة شهور من سفره قضاها في ظلمة وشتات نفسي وروحي. كان أسعد أيامه هو أول يومٍ له في الجامعة، كان طموحاً جداً وشغوفاً بما سيدرسه، وأصبح لديه أمل في الغد، وحلماً يريد تحقيقه، وأصبح كل همهِ أن يُدخل السرور علي أهله بتفوقه في دراسته.

مع مرور الأيام وبعد انقضاء معظم الفصل الدراسي.. كانت تتردد أمامه فتاة، تظهر وتختفي كالقمر.. عندما يراها يتصلب كالجدار في مكانه ولا يحرك ساكناً. مرّت الأيام وهو على هذا الحال، لا يتجرأ أن يأخذ خطوة للأمام ليُحدثها بما في قلبه.. خوفاً من ردةِ فعلها. كيف لا يخاف وهي لا تعرفه ولا تعرف اسمه حتي؟ لقد دخلت حياته كالنسيم الهادئ جعلت للحياة لوناً آخر بالنسبة له. باتت تأتيه في أحلامه ليقولَ لها ما لا يستطيع قوله في الواقع.

لا يعرف ما الذي جذبه إليها بهذا الشكل، لم يرها إلا عدة مرات ولم يتعامل معها أبداً.. حتى إنه لا يعرف نبرة صوتها. لماذا انجذب إليها إذا؟ لقد أحسس فيها كل ما ينقصه، وجد في عينيها البراءة التي تشبههُ، أصبح متطرفاً في حبها، يكفي أنها من بلدً يعشقها قلبه.

في الماضي لم يكن يُصدق قصص الحب التي يراها في المسلسلات الدرامية.. كان يعتبرها عبارة عن خيال ليس لها صلة بالواقع الذي نعيشه، لم يكن يعترف بمفهوم الحب من الأساس.. كان يعتبرهُ كالبحر الهائج الذي يسحب من يُبحرُ فيه إلى أعماقه المظلمة، الذي يتبعه تحول الإنسان إلى شخص تافه وفارغ اجتماعياً.. ويجعله أسيراً لحبه ولمن يُحب، ولا يشعر ولا يهتم بأي شيء يدور حوله. اتضح أنه كان مُخطئاً بشأن مفهوم الحب، لا يعرف لماذا فكر بهذا الشكل من الأساس، هل لأنه لم يشعر به من قبل ولأنه لم يخض هذه التجربة؟ لم يتوقع يوماً أنه سيكون علي خطاً بشأن هذا الموضوع.

لا يريدُ أن يكون هذا الحب باباً لتقضيه وقتِ فراغه أو وعاءً لتفريغ شهواته، ولكنه يدرك قيمة الحب، ويريد أن يكون حبه حباً حلالاً نقياً

يأتي الحبُ فتضع الحربُ التي بيننا وبين الحياةِ أوزارها، بعد أن نكون علي شفا حفرة من اليأس والاستسلام لهمومنا. يأتي الحبُ فيُظِلُنا بظلاله الهادئة، يأتي فيُليّن القلوب.. ويعيد لنا أرواحنا بعد أن سلبتها الحياة، يزرع فينا الأمل.. ويعيد للحياة الوانها، ينيرُ حياتنا بابتسامة مشرقة كلما تذكرنا من هم بداخل قلوبنا. يأتي الحبُ فيعيد لنا الأمل في المستقبل.. ويكون دافع لنا أن نُكمِل، يأتي بعد أن نكون قد يئسنا من الحياة.. بعد أن نكون كرِهنا كل شيء حولنا، يأتي كالبلسم الشافي لقلوبنا.. كالنور في ظلمات هذه الحياة.

بجانب هذ الإحساس يأتي إحساس آخر يخالطه، وهو الإحساس بالذنب مما يفكر فيه، يظن أنه بتفكيره في هذا الموضوع فإنه بذلك سينجر إلي ما هو أبعد من الإحساس.. وسيصبح عبداً لحبه وشهواته. وخوفه الأكبر أن يغضب ربه إذا استمر بالتفكير في هذا الموضوع، فكلما فكر فيه أحس بأنه قد ارتكب ذنباً كبيراً في حق ربه، مع انه يدرك انه لم يُذنب، ولكنها الرهبة من الله هي ما تجعله كذلك، فكلما قرأ قوله تعالي "ولكِن لا تُواعِدوهُنَ سِراً" خاف وارتجف من أن يكون قد عصي ربه.

لا يريدُ أن يكون هذا الحب باباً لتقضيه وقتِ فراغه أو وعاءً لتفريغ شهواته، ولكنه يدرك قيمة الحب، ويعلم مدي العقاب الذي سيحِلُ به سواءً من ذنوبٍ عقابها عند ربه، أو من تأنيبٍ للضمير سيوجعه، يريد أن يكون حبه حباً حلالاً نقياً.. يريد أن يشهر حبه دون خوف كما فعل النبي حينما قال لامنا عائشة: "يا عائشة إنه ليهون عليّ الموت إن رأيتك زوجتي في الجنة"، أو كحب سيدنا على لفاطمة. يريد أن يتوج هذا الحب بخطبة ثم زواج، لتؤتي ثماره أولاداً صالحين ونافعين لأهلهم ودينهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.