شعار قسم مدونات

العلاقات الإلكترونية.. لا تُسمن ولا تُغني من جوع!

blogs مواقع التواصل، هاتف ، لابتوب
اليوم الأول: "مرحبًا، أنا روميو، هل يمكنك قبول صداقتي، أحببت وبشدةٍ ما تنشرينه".
اليوم الثاني: "مرحبًا مولاتي أنا روميو ذاته الذي ارسلت إليك البارحة، أتمنى أن تكوني بخير، أتشوق لتبادل أطراف الحديث معك".
 
اليوم الثالث: روميو لم يستسلم "مرحبًا مولاتي، أتمنى منك الرد بأقرب وقت، كما تعلمين نحن الرجال لا نكل ولا نمل، نمل أم يعسوب، ههه، أبدو ظريفًا، إلى اللقاء".
اليوم الرابع: على التوالي "مساء الخير ملكتي، أرسلت لك متأخرًا اليوم، أتمنى أن تكون قد استمتعتِ بيومك، وما حصل فيه من مجريات، لم أفقد الأمل ولا زلتُ في الجوار أنتظرك، خذي وقتك، تريثي".
اليوم الخامس: ولم يلقَ ردًّا من حبيبته الإلكترونية "بدا لي للوهلة الأولى أنك مغرورة ومتكبرة، ولا أحبذ هذا النوع من الفتيات، أعتذر عن ازعاجك، وداعًا يا صغيرة".
    
لما لا يرضى بشخصيته وماهيته؟! لمَ يصنع البعض شخصية عميقة لهم وهم في الحقيقة لا شيء؟ ما ضريبة الحب الالكتروني؟

حب من أول رسالة! إعجاب من أول تعليق! أحببتك مما تنشرينه! أحببت الكيفية التي تلتقط بها صورك، لم أرَ أحدا يفعل ذلك من قبل. منذ متى وهذه المهزلة منتشرة؟ كيف أصبح هذا العالم واقعنا، ونسرد قصص حياتنا عليه؟ لمَ تم التخلي عن الواقع؟ هل حقًّا أن هذا العالم الافتراضي يعبر عن دواخل الشخص ويصل للعمق؟ هل هذا يعني أن المرء الذي تختلف آراؤه هنا يعني أنه مزدوج الشخصية؟ هل هو يختلق كل ذلك ليلقى المديح؟ لما؟ بعد أن انهالت تلك الأسئلة علي، حاولت التقصي بقدر الإمكان عن بعض الأجوبة لأكون راضية بها عني بقدر ما تكون منطقيةً بعض الشيء أيضا، والسؤال الأوحد هو "لمَ يلجئ الآخرون لإقامة علاقات وصداقات الكترونية؟ فضلا عن كون الصداقات والعلاقات الواقعية أفضل وأكثر تماسكًا ولا ينتهي بها الأشخاص لإضافة بعضهما البعض لقائمة الحظر أو ما يسمى "Block".

  
تقول إحداهن ذات يوم قابلت مُقدم أطعمة ومشروبات ساخنة في إحدى المقاهي المجاورة لمقرِّ عملي، أصر على إعطائي رقم هاتفه بعد أن أصرَّ أيضًا على اضافتي لحسابه الخاص على "فيسبوك". وافقت، ونهضت لدفع تكاليف وجبة الطعام ورحلت، بحثت عن العنوان الذي أعطاني اياه، وجدته أخيرًا، كان مصورا محترفا، وكاتبا رائعا، عدا عن كونه مقدم مشروبات ساخنة على واقعه. حسنًا دعوني أتساءل إن كان حقا شخصا عميقا، فلمَ يعمل في هذا المجال؟؟ لأنه ينتمي إليه، وما تلك العبارات المنمقة والجذابة إلا لاصطياد النساء وأسرهن وغسل أدمغتهن. ما يعني أنه بإمكان أي شخص ادعاء وخلق شخصيةٍ رائعة لنفسه، تُرضي البعض ويُعجب بها البعض الآخر. وهذا لا يعني أن الجميع متشابهون، لكن معظمهم هكذا، على واقعه شخص عادي، وعلى موقعه الالكتروني شخص عظيم.
 
بحقكم لما لا يرضى بشخصيته وماهيته؟! لمَ يصنع البعض شخصية عميقة لهم وهم في الحقيقة لا شيء؟ ما ضريبة الحب الالكتروني؟ أنا أقول لا شيء، أضف أحدهم إلى لائحة الحظر وها قد انتهينا، لن تشتاق إليه، لن تراه على واقعك، لن يلاحقك من هنا إلى هناك. أرى أن العلاقات الوهمية أقل أثرا في نفس المرء، بل لا تكاد تذكر، وأحيانا يبدو المرء هزيلاً على واقعه ولا يتقن فتح الأحاديث مع الآخرين على واقعه فيتخفى خلف الشاشة ويصنع لنفسه شخصيات تنال إعجاب الآخرين. ويعود ذلك لعدم وجود ثقة بالنفس، ولا يظهر الا عدم حبه لذاته، فلو كان يحب نفسه ويتقبلها لما توارى خلف الشاشات بشخصياتٍ لا تمثله.
  

العلاقات الإلكترونية تفتقر لعنصر تتعمد كليًّا على الحدس والشك، لهذا تنتهي معظم العلاقات الإلكترونية بالحظر
العلاقات الإلكترونية تفتقر لعنصر تتعمد كليًّا على الحدس والشك، لهذا تنتهي معظم العلاقات الإلكترونية بالحظر
  
لكن السؤال الوحيد هُنا لمَ قد يلجئ البعض للعلاقات الالكترونية مع استغنائهم التام عن العلاقات الواقعية؟ هل يرى البعض أنها أسهل؟ هل هي أشد حميمية؟ هل بحث عن شخص يفهمه على الواقع لكنه لم يجد، وها قد لجئ للمواقع الإلكترونية طمعًا في الحصول على صديق أو ربما صديقة تتفهم طباعه يتكلم معها بسلاسة ودون تكلف أو اللجوء للكذب واختلاق الأحداث لينال رضى البعض.
 
من الممكن أن تكون العلاقات هنا متماسكةً إلى حد ما؛ لكنها تفتقر للعنصر الذي سبق وذكرته وعنصر المصداقية، على سبيل المثال لو أخبرتني أنك تعمل في المكان الفلاني وتتقن عملك.. إلخ، لكن في الحقيقة أنت لا تعمل ومستلقٍ في الفراش تحكّ معدتك المستديرة فحسب. لا أعمم لكن ذلك يعود للشخص، وأظن أن المواقع الافتراضية مساحة كبيرة فتحت أمام الأشخاص الدراميين حيث يمكنهم اختلاق الأحداث وتصديقها وتلفيق الأكاذيب ليحصل على رضا الآخرين وقبولهم.
  
في النهاية، العلاقات الوهمية لا تسمن ولا تغني من جوع برأيي المتواضع، فهي تفتقر لعنصر الإحساس الجازم واللمس، وتتعمد كليًّا على الحدس والشك، لهذا تنتهي معظم العلاقات الإلكترونية بالحظر. لذا إذا أردت تقويه حدسك فالجأ للعلاقات الإلكترونية ستفي بالغرض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.