شعار قسم مدونات

تجربتي التدريسيّة في جامعة خضوري

مدونات - جامعة خضوري

قبل سنة وأشهر كثيرة، وفي آخر ساعة كنتُ قد أنهيت تقديم آخر دورة في الإعلام لمجموعة من طلبة جامعة فلسطين التقنية – خضوري في مدينة طولكرم في فلسطين المحتلة، آنذاك كانت مرحلة تقييمي مدربة في الإعلام، فحدّثني أحد مستشاري الإعلام والمشرف على تدريبي: "بعد سنوات قليلة ستكونين في مكان ما يليق بإبداعك هذا، لم تلتزمي بتدريباتي، لكنّك خلقت الأفضل منها، رائعة"، كنتُ أشعر بالفخر من رأي شخص له باع طويل في الإعلام يصل لثلاثين سنة، وأنا لا زلت أخطّ أول طريقي بعد إنهائي مرحلة البكالوريوس في الإعلام، لكن لحسن الحظ عدتُ بعد سنة لجامعة "خضوري" أصغر أستاذة في قسم تكنولوجيا الإعلام.

 
أربعة أشهر مرّت بلمح البصر، مليئة بالشغف والطاقة الإيجابية التي ردّدتها كثيرًا ولحظت كيف بات طلابي يكررونها في أحاديثهم، أن تكون صغيرًا في العمر ليس معناه أنّ خبرتك ليس كبيرة، لكنها ستضعك في تجربةٍ "التحدّي" عنوانها، فإما أن تنجح بشكل كبير أو تفشل بشكل لا مثيل له، وأنت فقط من يحدّد ذلك. لا زلت أذكر تقاسيم وجه موظف الأمن حين طلب بطاقتي الجامعية لإثبات أني طالبة، وعندما قلت له: "أنا أستاذة في الجامعة"، بدت الغربة والصدمة على وجهه، وأكملت طريقي متوجهة نحو أول محاضرة ثم تذكرت في أوّل مرة جئت بها إلى الجامعة، قبل بدء الدوام الفعليّ، وكان بحوزتي "كتبي الجامعية في مرحلة البكالوريوس"، كنت أسمع عددًا من الطلبة يتهامسون: "نيردة وسنفورة، لم نبدأ بعدُ فصلنا الدراسيّ وقد جلبَت الكتب جميعها قبل أن تبدأ المحاضرات"، فأيقنت أنّني في مرحلة أريد إقناع من حولي أنّ عمري البالغ أربعة وعشرين عامًا ليس صغيرًا، ومن الطبيعيّ جدًا أن تكون أستاذًاً في هذا العمر.

  

كان لحسن حظّي، أنّني تعرفتُ في الجامعة على مختصّ العلاقات العامة فيها، أو تحديداً مساعد رئيس الجامعة للعلاقات العامة والمجتمعية الأستاذ أحمد عمار وهو صاحب الابتسامة التي لا تغيب

بدءًا من محاضرة التحرير الصحفي والتي كانت متخصّصة في إنتاج التقارير الصحفية والقصص والتحقيقات، التي أشغفها كثيرًا وكنت قد وضعت طريقًا لتدريسها وحظيتُ بذلك خارج إطار المحاضرات، ومع أنّني كنتُ أغادر الجامعة الساعة الخامسة عصرًا ولم أرى عائلتي غير لحظات قليلة إلا أنّني كنت سعيدة جداً بمخرجات طلّابي خاصة عندما شهدتهم يخرجون للميدان الصحفيّ بقوة، يسألون ذاك ويجرون مقابلة مع ذاك، ويعودون أحيانًا وملامحهم كئيبة عند رفض المسؤول إجراء مقابلة معهم، ثمّ ينشرون موادهم الصحفية عبر المواقع الإلكترونية، ويشعرون بالفخر حين كتابتهم: "هذا أوّل تقرير صحفي لي".

  
أن تكون محاضرًا جامعيًا يعني أن تمزج أسلوبك في التدريس ليكون موائمًا لطبيعة الطلبة، أن تشجّعهم على حبّ العمل ليكونوا كما كنتَ في عمرهم، أن يشغفوا ما ينجزوه كي يكون مخرجهم النهائي إبداعيّ، أن لا يشعروا بالملل أو التعب في قضاء ساعات طويلة في الإنجاز حتى وإن فشلوا لأن خطوة أخرى أكبر ستكون ناجحة فوق التصوّر، أن تقدّم من خبرتك المتواضعة لهم ليستفيدوا منها وهم في طريقهم ليكونوا صحفيّين منافسين لمن أكبر منهم في الإنتاج.

  
صغر السنّ في التدريس وضعني في طريقٍ مغاير تمامًا، وكان أصعب لو كنت في عداد الثلاثينيات أو الأربعينيات، أن تحاضِر في طلبة فارقُ العمر بينك وبينهم خمس سنوات فقط أو أقل يعني أن تقبّلهم لك ومدى سماعهم للنصيحة والنقد أفضل وأسرع بكثير. كنتُ سعيدة جدًا عندما أسمع لشكاويهم أو حتى ما يظنّون أنه صعبٌ من منظورهم، تذكرتُ عندما كنتُ في عمرهم، كيف كنتُ أشكو من أمورٍ أضحك عليها الآن، وكيف باستطاعتي اليوم إقناعهم أنّ ما يعانون منه شيءٌ لا يستحق الحديث عنه أبدًا أو حتى التفكير به بتاتًا.

   undefined

 

كان لحسن حظّي، أنّني تعرفتُ في الجامعة على مختصّ العلاقات العامة فيها، أو تحديداً مساعد رئيس الجامعة للعلاقات العامة والمجتمعية الأستاذ أحمد عمار وهو صاحب الابتسامة التي لا تغيب، ومع أنّه مزج الأسلوب الأكاديمي ليكون محاضرًا في القضية الفلسطينية والحركة الأسيرة، إلا أنّه تمتع بصفات قيادية تلمحها بشدّة من أول حديث لك معه، ورغم سفري لسبع دول إلا أنّني لأوّل مرة ألتقي بشخص يعي بدقة ماذا تعني "العلاقات العامة" بحذافيرها، ثم يدلي من نصائحه بشكل غير مباشر ليوصل فكرة قيّمة من خلالها.

 
أن تسمع لنصائح تجربة الأكبر منك يعني أن تطبّقها لأنها قُدّمت لك لتغيّر من نفسك بشكل إيجابيّ وتكون أفضل بكثير عمّا كنت عليه سابقًا، ثمّ لربّما تطوي صفحة جديدةٍ من تجربة أخرى مليئة بالشغف مجدّدًا وبعيدة كلّ البعد عن أيّ خطأ صغير.
   

في رحاب جامعة فلسطين التقنية – خضوري كانت لي تجربة مليئة بالخبرة سواءً في المجال الأكاديميّ أو حتى الحياتيّ، أن تصادف الكثير ممّن يختلفون عنك في مجال تفكيرك أو حتى في طريقة تعاملك مع الغير، فتكون في طريقٍ مليء بالتحدّي لكنّه التحدي الذي يبقى بصمةً متجذرة في كلّ خطوة لتبقى مقولة: "تفوق لنفسك، للذين يحبونك، وأولئك الذين ينتظرونك أن تفشل" الشعار الذي لم يغب عن بالي حتى اللحظة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.