شعار قسم مدونات

الأسباب أصبحت أربابا.. نبوءة زوال إسرائيل 2022م (2)

blogs حرق العلم الإسرائيلي

استكمالاً لحديثنا عن الدراسة الجادة التي أجراها الشيخ بسام جرار (نبوءة زوال إسرائيل 2022م، نبوءة أم صدف رقمية)، ومع استمرار مسيرات العودة، واستمرار التضحيات المهولة من الشعب الفلسطيني، تستمر الأصوات التي تقول: وما جدوى ذلك؟ إنَّ كل هذا لن يجدي نفعاً. وكل ما سيحصل أننا نخسر الشهيد تلو الآخر، وكأن الله لم يقل عن الشهداء (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ﴿ آل عمران/١٦٩﴾، فماذا يعني أحياء إن كانوا قد ماتوا بلا ثمن، وكنا قد خسرناهم أو أضعناهم بل ضيعناهم بلا ثمن أيضاً؟ هذا ما يردده الكثيرون من أبناء أمتنا الذين يفكرون -صادقين مخلصين- بطريقة بشرية عقلانية بحتة.

 

ولأن هذا التفكير من حقهم، ومن حقهم أيضا نقد الفكرة من أساسها (بعد افتراض دراستها بجدية طبعاً)، فإن هذه المقالة ليست للدفاع عن الدراسة/ النبوءة، فصاحبها قد أشبعها بحثاً وأدلة وقدَّمها للجادين من أجل الدراسة والتمعن. وإنما هذه المقالة لمناقشة افتراضات وأسباب رسخت كعقبات سيطرت على عقول ونفوس غالبية أبناء أمتنا من دون مناقشة جدية عميقة، وكأنها قوانين كونية لا يجوز المساس بها. وخلاصة هذه الافتراضات والأسباب – التي يتداولها غالبية من يتمنى زوال الكيان الصهيوني واستعادة القدس، ويعتبرونها أسبابا ضرورية يجب الأخذ بها أولاً، وإلا فالفشل حليف من يتمنى فقط- خلاصتها هي:

1- افتراض تحرر وتخلص الشعوب العربية من طغاتها وزوالهم عن عروشهم. ويرافقه فكرة أن الكيان الصهيوني هو الذي يحرس هؤلاء الطغاة ويرعى بقاءهم ويمنع زوالهم. ولأن هذا الافتراض يحمل في طياته تناقضاً واضحاً، وجب إزالة اللبس الذي فيه. فكيف لكيان صهيوني قوي مدعوم بكل قوى الشر العالمية أن يتخلى عن عملائه؟ وكيف سنتخلص منهم دون أن نضرب رأس الأفعى؟ لذا أقول لإخواننا الفلسطينيين ابذلوا جهدكم والله معكم. فإخوانكم العرب، كل مشغول في بلده بتنظيف خبثه أو بدعم هذا الخبث وتثبيته. واعملوا، فأنتم الذين بشَّر بكم خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم "المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

 

إن لم يكن في نبوءة زوال إسرائيل إلا بث الأمل، فقد وجب ألا نفرط بها أبداً. بل يجب نشرها وبثها لتصبح وعياً جمعياً يفعل فعله، كنبوءة ذاتية تحقق ذاتها بذاتها

2- افتراض التقدم العلمي والتكنولوجي أولاً. يعتبر هذا الافتراض سبب الأسباب الذي يتكئ عليه كل المشككين بإمكانية غلبتنا على الكيان الصهيوني. وكأن هذا الطريق مفروش بالورود وما علينا إلا السير عليه. ولم يتنبهوا إلى أن العدو الصهيوني ومَنْ خلفه مِنْ حلفائه متنبهون لهذا الأمر ويعتمدون فيه الحرب الاستباقية. ويدركون جيدا أن الكرة إذا خرجت من ملعبهم، فإن شمس الحضارة ستشرق في الملعب الآخر. ولا يدرك صعوبات البحث العلمي الجاد المثمر إلا من حاول ذلك وعرف العقبات المعرقلة المفشلة، وهذا أبدا ليس بوهم. وأقل هذه العقبات وأشهرها اغتيال العلماء أو المتدربين في طريق العلم، وأقواها وأخفاها وأكثرها فعالية السيطرة على المؤسسات التعليمية بكوادر غبيَّة (عانينا منها الأمرين) أو عميلة وعلى عدة مستويات، يكاد يستحيل اكتشافها، فكيف التخلص منها؟

 

 

3- افتراض وجوب كمال الإيمان في الأمة وخلوها من الذنوب. واكتمال بناء المجتمع روحياً وخُلقياً واستعادة جيل الصحابة بنسخته الأصلية كما بناه الرسول صلى الله عليه وسلم… وهنا أقول: هل تبنى المجتمعات روحياً وخُلقياً إلا بالتجارب المرَّة الساخنة؟ وهل غير التجارب المهيبة والأحداث التاريخية الفاصلة، تُخرج الأفضل في الإنسان وتبنيه وترقيه؟ وهل انتظر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، كمال ذلك في صحابته؟ أم كانت في نفوس أغلبيتهم عيوب يعرفها جيداً، ويتلطف في علاجها بوضعها في أتـون التجربة والممارسة؟ ألم يكتف -صلى الله عليه وسلم- بنخبة صافية راقية خاض بها تجربة الدعوة والجهاد! وبهاتين العمليتين ربَّى صحابته وابتلاهم ورفع قدر إيمانهم وأخلاقهم. أما إن كنا لا نمتلك تلك النخبة الصافية النقية، فلا أمل بالنصر ولو دُججنا بكل أسلحة العصر ووسائله.

 

4- افتراض امتلاكنا لكيان قوي (دولة) ذي جيش متكامل، مسلَّح بما لا يقل عن مستوى تسليح الكيان الصهيوني وداعميه من الغرب. ونسينا ما قاله ربنا في كتابه العظيم (وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ …) ﴿ الأنفال/٦٠﴾. وهذه الفرضية برأيي تضعف إيماننا وعقولنا. فكيف سيسمح عدوك بذلك وهو المتمرّس في الحرب الاستباقية الشاملة، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً؟ وما يحدث لتركيا الآن ولبعض الدول العربية من أشقائها (أشقيائها) العرب غير بعيد عن ذاكرة الأمة التي تعيش التاريخ الآن قبل أن تقرأه. فما تكاد دولة تسعى للبناء والرقي والتنمية، حتى ينبعث أشقاها ويحاول خراب البيت من داخله، وإفشال ذلك السعي، وتبديد كافة الأكلاف البشرية والمادية التي بذلت فيه.

 

إهملنا جيل من الشباب المؤمن المندفع الجاهز للتضحية، ولا يحتاج إلا إلى توجيه من ذوي العقول الخبيرة الجريئة، ودعم من نفوس مخلصة متجردة عن مطامع الدنيا
إهملنا جيل من الشباب المؤمن المندفع الجاهز للتضحية، ولا يحتاج إلا إلى توجيه من ذوي العقول الخبيرة الجريئة، ودعم من نفوس مخلصة متجردة عن مطامع الدنيا
 

خلاصة الكلام.. تَعلُّقنا بأسباب -دعائمها ليست قوية ثابتة كما يعتقد البعض- جعلنا نهمل السبب الأقوى الذي بين أيدينا وهو الإيمان بربنا وبثبات وعده. والإيمان ببشارات قدمها لنا ربنا في كتابه العظيم، وأنبأنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف. (وَإِذ يَعِدُكُمُ اللَّـهُ إِحدَى الطّائِفَتَينِ أَنَّها لَكُم وَتَوَدّونَ أَنَّ غَيرَ ذاتِ الشَّوكَةِ تَكونُ لَكُم وَيُريدُ اللَّـهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقطَعَ دابِرَ الكافِرينَ* لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبطِلَ الباطِلَ وَلَو كَرِهَ المُجرِمونَ* إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ* وَما جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلّا بُشرى وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلوبُكُم وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزيزٌ حَكيمٌ) ﴿الأنفال/7-١٠﴾.

 

وأدى ذلك بنا إلى إهمال جيل من الشباب المؤمن المندفع الجاهز للتضحية، ولا يحتاج إلا إلى توجيه من ذوي العقول الخبيرة الجريئة، ودعم من نفوس مخلصة متجردة عن مطامع الدنيا الآنية العاجلة. فالأسباب -حقاً- أصبحت أربابا. وصرنا نحتكم لها في كل شيء وكأن الكون والتاريخ مسيَّر ذاتياً وفقها فقط.

 

وطبعاً نفس الافتراضات/ الأسباب قيلت في ثورات الربيع العربي التي يعتبرها الكثيرون خريفاً مهلكاً وإزهاقاً للأنفس والأموال بغير جدوى ومآل. وحكم عليها الغالبية بالفشل رغم أن ثمار الثورات آجلة لا عاجلة، وشذاها يفوح عبر أجيال وأجيال وليس في جيل يعيش في شوارع ضيقة وأزقة عطنة. وكفاها فخراً أنها حركت المياه الآسنة العفنة، وحرمت الأنذال من طيب العيش في جحر التآمر والخيانة. فإن لم يكن في نبوءة زوال إسرائيل إلا بث الأمل، فقد وجب ألا نفرط بها أبداً. بل يجب نشرها وبثها لتصبح وعياً جمعياً يفعل فعله، كنبوءة ذاتية تحقق ذاتها بذاتها. ولا تقولوا خاب حلمنا! فلعله استجاب ويهيئ الأسباب. ولا تقولوا انتهى أملنا! فربما هو قاب قوسين أو أدنى من سدرة المنتهى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.