شعار قسم مدونات

إلى متى ينجرف المجتمع نحو القضايا التافهة؟

blogs مجتمع

في زحمة الأحداث وفي خضم هذه الأزمات، في زمن الحروب اليوم ومع كثرة المتغيرات، تَدخلُ صدفة لإحدى المجموعات الدينية على الفيس بوك، بعد أن تمت إضافتك من قبل صديق قديم لم تره منذ سنين.. الاسم مميز بعض الشيء، ناهيكم عن تواجد آلاف الأعضاء في هذه المجموعة وعشرات من الشباب المتفاعلين. تَسألُ نفسك تُرى أيّ نوع من الأسئلة يطغى على غيرها هنا؟ وما هو الشيء المشترك الذي يبحث عن إجابته معظم الشباب ويفكّر فيه..

تُخمّنُ لوحدكَ قبل أن تبدأ بقراءة أي منشور، ربما ستجد أسئلة فكرية صعبة تناقش مفهوم الحركات الإسلامية وشكل الدولة السياسية من منظور ديني، أو ربما ترى أسئلة اجتماعية تتطلب من الشباب المتحاورين نظرة شمولية خارج نطاق المجموعة نفسها، أو ربما يطرح أحدهم أسباب نهضة الغرب وما دور حرية الأفراد في ذلك.. أو ربما شيء آخر يتعلق بالعواطف وبحر المشاعر في سن الشباب، وكيفية التحكم بها وتهذيبها لبناء أسرة سليمة دون انتهاج طرق غير شرعية للوصول إلى ذلك، ما هي هوامش الحب في ديننا وإلى أين يُسمح للعلاقات العاطفية أن تصل..

 

 أو ربما تجد شيئا مختلفا وأكثر أهمية من الذي خمَّنتَه كله.. أي أنك وباختصار.. تجهّز نفسكَ لأن تغوصَ في منشورات جدّية وثقيلة المحتوى، أسئلة خطيرة توازي متطلبات عصرنا الحالي وما يجري اليوم.. تبدأ من أحدث المنشورات متوجها إلى الأقدم.. الأول يسأل عن وجه المرأة إن كان عورة أم لا، وهل يجب عليها أن تغطي رأسها بخمار أو مجرد شال أو هل يكفي الحجاب الطبيعي لذلك.. تأسفُ لأجل هذا، تتخطى المنشور ممتعضا آملا بقضية أشمل وأكبر من ذلك.. يظهر المنشور الذي يليه وإذ به يدور في نفس الفلك أيضا، حيث أنه يستفسر عن دور المرأة في المجتمع، وهل الأفضل لها أن تبقى في المنزل مربية لأولادها أو أن تدخل الحياة الاجتماعية وتتسلم مهاما أكثر من ذلك.

إن لم يدفع المجتمع الأخبار خلال كل هذه السنوات وإن لم يدفعهم واقع مخزيٌ عصيب كالذي نحن نعيش فيه.. للتفكير بقضايا أساسية تستحق الاهتمام.. فمتى يفعلون ذلك؟

يزداد الامتعاض.. ما هذا الذي كنتَ تأملُ رؤيتَه، تتخطى المنشور متجاهلا وقاصدا الذي يليه، فترى منشورا آخر مميزا بكثرة التعليقات وكمية التفاعل، والخلاصة فيه.. أن هناك رجلا يفكر في الزواج وعلى بُعد خطوات من اتخاذ القرار فيه، لكنه متخوف من فشل العلاقة مستقبلا، ضاربا مثالا يتمحور حول أن يقول لزوجته أمرا معينا في إحدى الأيام وتعصيه.. وهو الرجل الذي لا يطيق أن تُعصى أوامره في أي وقت، ما الذي يجب عليه فعله إن تعرض لهذا الموقف، وهل يجوز ضرب الزوجة حينها لتبقى هيبة الرجل قائمة عليها أم أن هناك حل آخر؟

يزداد الامتعاض.. تحدّث نفسك متعجبا هل نعيش الآن في زمن ما قبل الميلاد أو بعده.. خيبة كبرى من رؤية مواضيع لا يفترض أن تكون هي الغالبة هنا، ولا يفترض أن تكون محور أسئلة الشباب، حيث أنك كنت تخمّن أسئلة أرقى وأوعى من ذلك بكثير.. تُكملُ التصفح للأسفل بحثا عن قضية جادة تحتاج التفاعل الجيد والنقاش فعلا، لترى قليلا من القضايا التي تختلف عما تم ذكره أعلاه.. قضايا مهمة بعض الشيء وضرورية للحديث فيها، لكنها لا تتجاوز نسبتها الربع ولا حتى الثُمن، تكمل مجددا.. حاملا بداخلك القليل من اليأس.. والكثير من الدهشة والخيبة.. لتعود قضايا المرأة وتتصدر دائرة الاهتمام لدى الشباب عامة في منشوراتهم هنا، كيف تبقى ساكنة لا تشوش عقولهم وكيف يمكنهم التعامل معها، وكيف يمكن السيطرة على جلسات الاختلاط وإلى ما هنالك.

طفح الكيل.. أغلقت الهاتف لدقائق، كنت بحاجة إلى نفس عميق يعينني على الخروج دون إزعاج أي أحد منهم بأي تعليق، انتقلتُ إلى مربع الكتابة هنا، وأخذت أكتب خيبتي.. أن لماذا ما زال البعض يرى المرأة قضية شائكة رغم أنها ليست كذلك، ولماذا يصرون على تعقيد أنفسهم وتغليف ذلك بالدين مستظلين بتفسير خاطئ لبعض نصوصه، وهم أصلا لم يفهموا شيئا في الذي يدعون فهمه. أتساءل الآن، تُرى إن لم تدفعهم ملايين الأخبار المحزنة خلال كل هذه السنوات وإن لم يدفعهم واقع مخزيٌ عصيب كالذي نحن نعيش فيه.. إلى التفكير في قضايا أساسية تستحق الاهتمام، وتساهم في بناء ما تم هدمه من مفاهيم ضرورية في هذه الحياة.. فمتى يفعلون ذلك؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.