شعار قسم مدونات

هل يستطع الغرب أن يوقف نهضة تركيا؟

blogs أردوغان

أوقفوا تركيا.. شعار يصدح الأن في معظم الدول الغربية التي تسعى جاهدة لطمس أي نهضة إسلامية قد تظهر، إذ أصبح من الجلي الأن، أن هناك مؤامرة كبرى تحاك ضد تركيا، لتدمير تجربتها الناجحة كأول دولة إسلامية تنتج متطلباتها وتصنع سلاحها للدفاع عن نفسها وعن أمتها وبالتالي تستغني عن الوصاية والابتزاز الغربي لها. والأن الغرب يريدون جرها لحرب تُدمر نجاحها، وتُخرب اقتصادها، وتهدد وحدة أرضها، والمشتركون في هذه المؤامرة، كالعادة هم أعداء الإسلام أنفسهم كالكيان الصهيوني وأمريكا وأوروبا والروس وإيران، وحتى العملاء من الحكومات المحسوبة على الإسلام أو العرب، دون أن ننسى الدولة العميقة في تركيا.

إن تركيا اليوم أصبحت تقود سفينة الإسلام المهترئة والتي رغم ضعفها لا زالت تشكل خطرا على الغرب كون الفكر الاسلامي الذي حورب لمدة قرن من الزمن لا زال متجذرا بها وهذا بحد ذاته خطر على الدول الغربية برمتها. ومع أنهم تمكنوا من تنويم الشعوب المسلمة والسيطرة عليهم من خلال التحكم في حكامهم إلا أن تركيا بقيادة أردوغان ظهرت كقوة إسلامية في وجه العمالة والخيانة التي تفشت عند جيرانها، وحتى الأن تتجه تركيا لوضع أقوى ينذر بالخطر للغرب الذي يريد محاربة أي نهضة إسلامية خوفا من انتشارها في شرق أسيا وشمال إفريقيا.

والغرب الأن يراقب في قلق التوجه الكبير للمسلمين نحو تركيا ومساندتها للدولة ورئيسها وهذا ما يخشونه، فكل مسلم يحط الرحال بتركيا يزيد من قوة هاته الأخيرة وبالتالي يزداد خطرها على الدول الغربية، وليس هناك شيء يخشاه الغرب أكثر من الدين الإسلامي وانتشاره. والأن وبعد فشل الغرب في انقلاب 15 يوليو في تركيا ثم فشله في الحصار السياسي الاقتصادي ثم حربها الاقتصادية "حرب الدولار" ثم فشلها في إيقاف تعديل النظام من برلماني إلى رئاسي وهو الذي سينقذ تركيا من مشاكل النظام البرلماني القديم ومن اللوغارشية والتخلص من الوصاية البيروقراطية ويعزز الإرادة المدنية والشعبية، فإن الانتخابات الرئاسية القادمة أصبحت أكبر هاجس للغرب خوفا من وصول دولة إسلامية لمبتغاها لتكون قوة مؤثرة تجابه سياسات وأهداف الدول الغربية الكبرى في العالم.

لا تزال تركيا تحافظ على هويتها الإسلامية، بقيادة أردوغان للدولة الذي بترأسه لها أدى إلى تعزيز مكانتها، والتخلي عن التبعية للغرب، وامتلاكها قرارها بنفسها، ليرفع ثقة التركي بنفسه

وعلى النقيض، فبينما يظهر حكام الخليج على أنهم دول إسلامية أيضا، ويحاولون تقديم صورة حضارية جدا عن الدول الإسلامية، إلا أنهم ابتعدوا عن ذلك الإطار، فلم تعد دول الخليج عن كونها اليوم، سوى دول غنية مسرفة تستنزف أبار النفط لتنفق الملايير على ما لا ينفع الأمة الإسلامية في حين بإمكانها سد مجاعة المسلمين في شتى بقاع الأرض.

فيما تزال تركيا تحافظ على هويتها الإسلامية، بقيادة أردوغان للدولة الذي بترأسه لها أدى إلى تعزيز مكانتها، والتخلي عن التبعية للغرب، وامتلاكها قرارها بنفسها، ليرفع ثقة التركي بنفسه ويرفع شعار مصلحة الأمة ككل، لينجح في توحيد مختلف أطياف وفئات الشعب التركي تحت ظل دولة واحدة يسودها العدل والقانون، وهذا منبع أمل، ليس لتركيا وحدها وإنما للأمة الإسلامية وللمنطقة بأسرها، فأردوغان الذي قالها علانية أمام العالم أجمع بأن العالم أكبر من خمسة دول، وآن الأوان قد حان لفك قيود سيطرتهم على صنع القرارات في عالم سيبقى أمل الشعوب المظلومة، وأمل الأمة الإسلامية.

ولا يعود الفضل لأردوغان فقط، فخلفه يقف حزب العدالة والتنمية، والذي نجح في إظهار "وجه الإسلام المشرق"، ونفذ استراتيجيات أدت إلى نمو اقتصادي قوي، فضلًا عن سياسة خارجية أقوى، تجمع بين الليبرالية الاقتصادية، والأفكار الإسلامية المحافظة. كما أثبت حزب العدالة والتنمية أن تركيا هي القوة القادمة، بمشروعها "أمة كبرى.. قوة عظمى"، والتي في مدة وجيزة نافست الدول الغربيّة "العظمى"، مما زاد استهداف المتآمرين عليها سرًا وعلانية، لتبقى تركيا الحلف الاستراتيجي الأكبر في المنطقة.

كما أن تخوف الغرب بأن تركيا ستكون أكثر قوة واستقلالية، هو ما يأكد أنّ تركيا ستصبح قوة مركزية مؤثرة وحاسمة في المنطقة، خصوصا مع توسيع نطاق ديموقراطيتها، وتحديث قطاعها الاقتصادي والعسكري. وبذلك كله، وبجانب الإنجازات الاقتصادية لحزب أردوغان، فقد قام بعدة إنجازات على المستوى السياسي والدبلوماسي، ولعل أبرزها، حلّه لجزء من المشكلة الكردية، التي كانت تؤرق تركيا منذ عشرات السنين، رغم استمرار الصراع بين الحكومة التركية، وحزب العمال الكردستاني، فضلًا عن إنجازاته السياسية التي حققها في مجال العلاقات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالدول الإسلامية، والعربية، والإفريقية، والأوروبية.

أردوغان كان قد ربح أول ورقة في الاستفتاء الأخير ليحول وفي سنوات قليلة تركيا من دولة وظيفية تخدم أجندات الغرب إلى دولة تبحث على مصالحها
أردوغان كان قد ربح أول ورقة في الاستفتاء الأخير ليحول وفي سنوات قليلة تركيا من دولة وظيفية تخدم أجندات الغرب إلى دولة تبحث على مصالحها
 

وبهذا تكون تركيا قد نجحت في إثبات نفسها كقوة إقليمية واقتصادية صاعدة، غير أن الغرب وبعض الجهات الأخرى الداعمة له، ترفض هذه القوة، وتسعى إلى تدميرها بكافة الوسائل. والأن نحن على بعد أيام من الانتخابات الرئاسية التي كانت آخر أمل لسحب السلطة من أردوغان والتي يسعى فيها أعداء النهضة الإسلامية في تركيا وخارجها أن يسحبوا كرسي الرئاسة من أردوغان بحجة الدكتاتورية وأفكاره المعادية ويعيبون على أردوغان تعديل نظام الحكم في تركيا وفي هذا كان رد الرئيس التركي كافيا إذ انتقد الغرب بأنهم وضعوا الأنظمة التي لا تبني أوطانا قوية.. تركوها وعدلوها لما فيه مصلحتهم، والأن أصبحوا يعيبون على تركيا أردوغان تعديل النظام للوصول لأهداف 2023.

ليصبح الأن النظام الرئاسي في تركيا بداية تمرد على أوروبا والغرب إذ أن أوروبا ترى أن الدستور الجديد هو تمرد تركي على الوصاية الأوروبية والابتزاز الغربي لكن أردوغان كان قد ربح أول ورقة في الاستفتاء الأخير ليحول وفي سنوات قليلة تركيا من دولة وظيفية تخدم أجندات الغرب إلى دولة تبحث على مصالحها وتوسيع نفوذها وتقوية تحالفاتها.

ليبقى الأن بعد ترسيم أردوغان رئيسا للدولة التركية في الأيام القادمة إلا تنفيذ الأجندة المسطرة للوصول إلى رؤية 2023 لنشهد نشأة دولة تركية إسلامية قوية على الإنقاذ العلمانية التي فرضها الغرب عليها، لتكون في الأخير بمثابة شعلة الأمل لكل الدول الإسلامية المهزومة نفسيا واقتصاديا وسياسيا لإعادة أمجاد أمة خفت نورها وآن أوان إيقاده من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.