شعار قسم مدونات

ليست لدينا مشكلة سياسية!

مدونات - الفقر مصر أسى هم رجل حزين فقراء
في كل يوم جديد وعلى مدى عقود ونرى بُلداننا الإسلامية والعربية على حالها من التخلف الحضاري والسياسي والاقتصادي والصناعي والعلمي وغياب أبسط حقوق المواطن الحر فيها. وترى الناس في هذه البلاد منقسمة إلى تيارات وأيدولوجيات شتّى فهذا تيار إسلامي يرى الحل في الحكم الإسلامي وذاك تيار علماني يرى الحل في العلمانية وعلى نفس المنوال التيار الشيوعي والاشتراكي والليبرالي والعجيب أنه تَمّت تَبَنّي كل هذه الأيدولوجيات من قبل دولة واحدة على الأقل في عالمنا العربي ولكن كالعادة لم يتغير شيء فمزيد من السلب والنهب وخدمة الغرب وفشل القضاء والتعليم وتعاسة المواطن. ولكن في المقابل هناك دول تَبَنَّت هذه الأيدولوجيات وتَقَدَّمت فمثلا أمريكا تَبَنَّت العلمانية والديمقراطية، وكندا تَبَنَّت الليبرالية، والصين وروسيا تَبَنَّتا الشيوعية والاشتراكية، وتركيا وماليزيا تَبَنَّتا الحكم الإسلامي وكل هذه الدول تقدمت على الصعيد الحضاري والسياسي والاقتصادي والصناعي والعلمي ورفاهية المواطن إذاً فأين مشكلتنا؟

 

لو قمنا بالقراءة والبحث وطلب الحقيقة وإخلاص النية وطلبا للموضوعية والتفكير خارج الإطار الذي تَشَكَّل في عقولنا نتيجة تأثير البيئة والمجتمع والأهل وبحثنا عن التقارب بين الأيدولوجيات لوجدنا نقاط مشتركة ولعلمنا أن مشكلتنا الأساسية ليست في الأيدولوجيات بحد ذاتها وإنما مشكلتنا إنسانية. فمثلا أكثر السياسيِّين الإسلاميين لا يعرفون مفهوم وحدود السياسة في الإسلام ولا يقرأون شيئا عنه وحتى لو قرأوا فسيكون في داخل إطارهم الفكري المُقَلَّد وأيضا هم يَرَوْن الأيدولوجيات الأخرى كافرة وحتى بدون أي قراءة عنهم، والعكس أيضا صحيح في المذاهب العلمانية والشيوعية فأكثرهم لا يعلمون معناه الحقيقي ولا حتى يقرأون كيف تَشَكَّلت وما هو سياقيها التاريخي والسياسي، وحتى لو قرأوا أيضا سيكون داخل إطارهم الفكري المصلحي الشخصي، ويَرَوْن أنَّ أي شيء إسلامي فهو تخلف ورجعية وبدون أي قراءة عن الإسلام.. وهنا يُطْرَح سؤالين: الأول لو قمنا بعملية بحث وبموضوعية وخارج أطرنا الفكرية فهل هناك نقاط مشتركة بين الأيدولوجيات التي ذكرناها؟ والسؤال الثاني: لو فعلاً وجدنا نقاط مشتركة فما هو سبب تخلفنا؟

 

الحكومة أو رئيس الدولة في بلادنا أصلا هو جاء إلى السلطة من أجل نفسه وعائلته فقط ويريد الحفاظ على الكرسي وسرقة أكبر قدر ممكن من المال والألقاب والأمجاد

جواب السؤال الأول هو أنه لا يوجد في الإسلام نظام سياسي محدد وإنما هناك مبادئ وقيم إلهية يجب أن نتبعها مثل العدل والمساواة واحترام المواطن وحرمة الدم والمال العام وإعمار الأرض وتحكيم شرع الله، وأما شكل الحكم ونظام السياسة وكيفية قيادة الشعب فالإسلام أكبر من أن يقيدها والله يعلم أنه في كل زمان هناك واقع خاص، والله ذكر العرف في كتابه الكريم عدة مرات فالحكم الإسلامي هو حكم أن نطبق المبادئ الإسلامية فيه وأن نتبع الإسلام في حلاله وحرامه فقط، ولكن نحن البشر من سيختار شكل الحكم ونظام الحكم وكيف نعمل في صالح راحة المواطن وكيف ننظر إلى الدول والعالم من حولنا هذا كله خاص بالواقع، والذي يقرأ التاريخ الإسلامي جيدا سيرى ذلك بوضوح وأكبر دليل على تأثير الواقع هو إيقاف حد السرقة لمدة معينة من قبل عمر بن الخطاب.

 

فيجب أن نعيد قراءتنا للسياسة والحكم في الإسلام ونعلم حقيقتها وليس مجرد قراءة نصوص. وأما العلمانية والشيوعية وغيرها فليست كلها مذاهب عقدية كما رُوِّج لها في بلداننا بل بعضها اقتصادية بحتة وبعضها سياسية، ولكن كل شخص في بلداننا قام بتفسيرها وفقا لأهوائه وشهواته وحتى يصل إلى مبتغاه، فمثلا بعضهم فسر العلمانية بأنها ضد الدين لأنه هو شخصيا ضد الدين وبعضهم فسر الديمقراطية بالتعري ونشر الخمور لأنه هو يريد ذلك، ولكن حقيقة هذه الأيدولوجيات ومن أوجدها ليست كذلك أو على الأقل ليست هدفها الرئيسي ذلك. فمثلا الشيوعية قامت لتكون ضد الرأسمالية وشيوع الأموال بين الشعب وحماية طبقة العمال والفقراء وبهذا المعنى للشيوعية، فإن الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز هم من أوائل الشيوعين لأنهم قاموا بتقسيم الأموال على الشعب والتوازن، والديمقراطية جاءت لأخذ رأي الشعب في الحكم واختيار من يمثلهم وليس خداع الشعب بانتخابات كاذبة والدعوة إلى التعري ولكن كل جماعة فسرته ووضعت فيه أمور بما يناسبها سواء عندنا أو عند الآخر وقس على هذا كل الأيدولوجيات الأخرى.

  

وجواب السؤال الثاني في سبب تخلفنا هو أن الحكومة أو رئيس الدولة في بلادنا أصلا هو جاء إلى السلطة من أجل نفسه وعائلته فقط ويريد الحفاظ على الكرسي وسرقة أكبر قدر ممكن من المال والألقاب والأمجاد فهو لا يهمه الأيدولوجية الإسلامية ولا العلمانية ولا الشيوعية ولا أيَّة خطة للتنمية والتطور وسيتنازل عن كل شيء للغرب من أجل بقائه وسيعمل على بقاء القضاء والتعليم فاشلا من أجل سلامته، وهو ليس مؤمنا بالله وليس ملحدا ولا يعبد إلا نفسه وعائلته فقط فهو عندما يدَّعي الإسلامية أو العلمانية فهي مجرد شعار وللضحك على الشعب عامة والمثقفين خاصة، والعجيب أنَّ له انصار وشعبية وإن لم يأت هو فهناك الكثير من أفراد الشعب مستعد أن يأتي محله، وأن يتبرع بالخيانة كما عبر عنها أديب البيان شكيب أرسلان. فالمواطن في بلادنا يستيقظ صباحا وليس همُّه إلا نفسه وعائلته فقط حتى لو مات جميع ابناء البلد لكن أهم شيء أن يكون هو وعائلته بخير وهذا هو "الاستحمار" بعينه.

 

وعليه إن أردنا التقدم والنهوض يجب أولا أن تأتي حكومة أو رئيس يكون همُّه النهضة للأمة ويهمه مصلحة الوطن أولا وآخرا، وأن يعطي أهله كما يعطي الشعب عامة وأن يكون هم كل مواطن هو المجتمع والوطن ومن ثم عائلته ومن ثم نستطيع أن نجلس ونبحث عن خطط وأيدولوجيات وإيجاد نقاط مشتركة وتعزيز الأخوة بين جميع أبناء الشعب، وأن نبدأ بالقراءة والتفكير الحر أي خارج أطرنا الفكرية فسنجد كلنا نعمل من أجل الوطن. فمشكلتنا إذا إنسانية وليست سياسية وما يطرح من نقاشات وأيدولوجيات فهي ظاهرة صوتية وكلامية فقط ليست غرضها إلا التشويش والمزيد من إلهاء الناس والسلب والنهب. والخلاصة مشكلتنا في النيَّة والغاية من السلطة قبل أن يكون في الأيدولوجيات وأنظمة الحكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.