شعار قسم مدونات

كيف شوهت الحكومات صورة الملتزم في أعين المجتمع؟

blogs صلاة

يعاني الالتزام في هذا العصر مشاكل عدة، فجعلت منه الحكومات العربية والتي تدعي الهوية الإسلامية عائقا بتعلة مواجهة الإرهاب. فزرعوا في القوات الداخلية كره الالتزام من سنة وحتى فرض ولنا في هذا الكلام أمثلة عديدة ومنها ما يعانيه الشعب المصري والتونسي اليوم حتى صارت اللحية رمزا لما يسمونه بالإرهاب والصلاة تمهيدا لتبني فكرا متشددا حسب ما يدعون وما يفترون على ملتزمي هذا العصر. ولم يكفهم مضايقتهم المباشرة للملتزمين بل جعلوا بينهم وبين من يدور حولهم ويتعايشون معهم كرها وعدوانية حتى صار أيضا الالتزام عند العامة من الشعب أمرا مريبا وحتى الأصحاب والأقارب بات الأمر عندهم مخيف ليجد الملتزم نفسه مختلفا عمّن حوله ويشكك في مصداقية ما هو فيه حتى يحيد عن الابتعاد عن المنكرات واتباع الشهوات ليرضي من حوله وينتكس.

وحتى الثورات التي ظنّ الكثير أنها ستُرجع لنا الحرية التي انعدم وجودها لدهور بل قرون انقلبت كانقلاب السحر على الساحر فأصبحت عذابا أكثر من ذي قبل كمصر التي شهدت مجازر رهيبة وتونس التي أصبح فيها الملتزم مشتبها به ليجد نفسه وسط مراكز الأبحاث بين إرشادات وتلفيقات من تلك العامة التي يعيش حولها والتي دمجها الإعلام ليشوه صورة الالتزام. وما نراه في المجتمعات العربية هو العكس تماما في المجتمعات الغربية التي تعطي الحرية الكاملة للأديان ومنها الإسلام المضطهد تعطيه كامل الحرية في اللباس وممارسة الشعائر بل تجد احتراما كاملا من أفراد الشعوب الغربية، وسيرى الكثير أن في كلامي مبالغة بعد أن أتّخذ من تونس نموذجا في قمع الحريات الدينية وخاصّة حرية اللباس وممارسة الشعائر.

حقوق الإنسان هي فقط حبر على ورق واسم أكبر من جسد لا تسمن ولا تغني من جوع ولم نرى منهم إلا تقاريرا تُقدّم ضد انتهاكات الحكومات في حق هذه الفئة

قديماً وما قبل الثورة كانت كل الأعين على من يصلّي الصبح في جماعة ومن يُعفي لحيته تُسلّط عليه كل أبراج المراقبة ليصبح محلّ تتبع ليجد نفسه وسط دوّامة من المشاكل مع منهم مروّضون إلا على اختراق القانون وهذا الأمر لا ينكره إلا من تسير فيه دماء مسيلمة الكذّاب. وعندما طلعت علينا شمس الثورة التي ظنّ الجميع أن موعد غروبها لن يأتي أبدا وسيضل نورها المفعم بالحرية التي لم نراها منذ انتصاب الاستعمار، لكن سرعان ما خابت ظنوننا في غضون سنوات قليلة وغربت تلك الشمس ولم نعد نرى نورها إلى حد الآن، وعادت أصابع الاتّهام ترمي افتراءاتها إلى تلك الفئة الملتزمة ليضيقوا عليهم الخناق من جديد ليجدوا أنفسهم وسط متاهة من الحياة التي يملأها اليأس عن مواصلة طريق التزامهم فمنهم من ينتكس وتلك غاية أكابر القوم من مسؤولين وسياسيين ومنهم يكمل طريقه مرضاة لله إيمانا منه أن الفرج آت ولابد من تمحيص يختبر صدقه مع الله.

أين حقوق الإنسان من كل هذه التجاوزات؟ حقوق الإنسان هي فقط حبر على ورق واسم أكبر من جسد لا تسمن ولا تغني من جوع ولم نرى منهم إلا تقاريرا تُقدّم ضد انتهاكات الحكومات في حق هذه الفئة ولا أُنكر ظهورهم إعلاميا على مواقع التواصل الاجتماعي دفاعا عليهم لكن دون جدوى لإيجاد حل يوقف هذه التجاوزات، فصار الأمر عاديا بالنسبة للحكومات ولا نتيجة تُغيّر مجرى ما يحدث الآن.

لماذا لم تنشغل الحكومات بمكافحة الإرهاب المباشر واهتمّوا بمن لا صلة لهم بما يدّعون ويفترون؟ هذا السؤال يكفي لإدانتهم وإرهابهم الذي يمارسونه ضد الملتزم البريء الذي ملؤوا به تقاريرهم الأمنية ويغلقوا ملفّات محتواها يخلو تماما من الصحة والصدق وليرتقوا درجات بتلك الافتراءات التي يرمونها على الأوراق والسجلاّت، وسأتغاضى عن الحديث عن الانتهاكات التي يقومون بها ضد الملتزم في هذا المقال لأدقّق تفاصيلهُ في مقالٍ آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.