شعار قسم مدونات

كيف تساهم مواقع التواصل في انتشار الأفكار الفارغة؟

blogs مواقع التواصل الاجتماعي
هناك حيث رمق الشفق وإذ بكوبٍ من الشاي يجالسه شخصٌ ذو نظرة ثاقبة تعكس مدي الريبة والتساؤل بداخله إذ يعبث بعقله بحثا عن أفكار محاولاً التقاط إحداهم ويعتصر مراراً وتكراراً محاولاً خلق فكره لأن ما يدور في عقله الان لن يلفت انتباه العامة بالقدر الذي يريده فيراود فكره محاولاً استدعاء فلسفه ما لربما تكون هي سبب في تحصيل أكبر عدد ممكن من الإعجاب والمشاركة بين الاصدقاء ولكن هل هذا هو المعني الحقيقي للفلسفة؟ وهل هذه هي الفحوى من تلك الافكار المتناثرة على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل كثرة الأقاويل والعبارات الرنانة والمقاطع المرئية المختلفة هي التي قد تغير من الواقع؟ 

علي الرغم أنه لم يكن هناك وفاق في تعريف الفلسفة إلى أنه لطالما كان مفهوم الفلسفة الغالب هو محاوله لفهم ودراسة المشاكل المحيطة والعمل علي التساؤل والتدقيق في السلوكيات والقيم والعقل، ولكن ما هو المردود النهائي للفلسفة اختلف الفلاسفة في ذلك الأمر ولكن انقسم أغلبهم إلى امرين وهما ان الفلسفة هي التفكير في التفكير سعيا للتأمل والتدبر أو التفكير بحثا عن الحقيقة ما نخلص إليه هنا هو ان اساس التفكير هنا قائم علي الامور الموضوعية أو الغير موضوعية من أجل الذات إذا كان للتأمل والتدبر ومن اجل المجتمع والذات إذا كان بحثا عن الحقيقة، وبالتالي يمكن القول انه محاوله للسير نحو المنطق والتحليل المتدرج نحو الفهم والانتقال من الشك إلى اليقين وهنا تكمن الفكرة هل الفلسفة بكل هذه المضامين تعني سطحية الفكرة أو مجرد بعثرة ونفض غبار الأفكار علي العامة؟

في واقع الأمر إذا نظرنا إلى هذا الكم الهائل من الأطروحات على الساحة الإلكترونية من وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف أو غيرها فلن نتمكن من تصنيف هذا العدد في اطر محدودة وواضحة ولكن يوجد ما هو بارز وبشدة من سلبيات ربما الان يركلها البعض بإصبعه وهو مستلق متناسيا إياها بضغطة زر ولكنها تظل محط نظر الغير وما زال تأثيرها يدوي بين الأخرين.

الكوميديا هي أحد وسائل الهروب من الواقع الأليم حيث تجدد في المرء روح الفكاهة وتنثر عنه كل حزن ولكن لم يعد للكوميديا سقف بل أصبحت مبارزة بين مصارعيها

فمما يثير اندهاشك هو بعض المقاطع المرئية التي تشدو إلى نشر المبادئ الدينية والاخلاقية بين المجتمع وتُظهر مدي حرص صاحبها على هذه المبادئ وانه كم يتمنى أن يري المجتمع في ظل تلك الأسس أو تجد من هو يريد ان يميت فكره سلبية تفشت في المجتمع فيحاضر فينا عن مدي المردود السلبي الناتج عن تلك الفكرة ومن ثم وبعد يومين من انتهاء الضجة المتمركزة حول تلك المبادئ أو الافكار التي حدثونا عنها يصبح وكأن شيء لم يكن وتجد هؤلاء هم أوائل الباحثين عن عكس ما كانوا يتغنون به.

 

وهناك نوع أخطر من ذلك وهم الذين نجدهم يتناولون مبدأ ما بطريقه سطحية بشكل يشوه المبدأ فهم ليسوا بالفقهاء أو الجديرين بطرح المبدأ من الاساس ولربما هم لا يفهمون هذا المضمون بالمرة ولكنهم يستشعرون مدي اهميته لدي العامة فيحاولون ان يتناولونه حتى تستدير انامل البشر نحوهم مصفقين لهم ولكن للأسف يتحول المبدأ إلى عبارات بلا معني فتقتل روح الفكرة كالذي خلط الماء بالملح فعكر صفوه.

الكوميديا هي أحد وسائل الهروب من الواقع الاليم حيث تجدد في المرء روح الفكاهة وتنثر عنه كل حزن ولكن لم يعد للكوميديا سقف بل اصبحت مبارزة بين مصارعيها فيمن سيتمكن من ان يرسم اكبر عدد ممكن من الضحكات دون الاكتراث إذا كان هذا الأمر سيؤذي احدهم ام لا فأصبحنا نجد ان في كل حدث وإن كان يحمل في طياته من المصائب ما يكفي إلا ونجد من يهفو لالتقاط كلمه من هذا الحدث واقتطاعها ودمجها مع إحدى الإفهات لتكن هي مصدر الإضحاك بين الناس بل وهناك الألعن من ذلك وهو أن يحول الحدث ككل إلى مصدر للكوميديا ويحول من ذلك الالم المنبعث من الحدث إلى سخافات فيصبح الامر برمته ما هو إلا نكته ناهيك عن ان يقوم البعض بتصوير شخص ربما يتعامل أو يتحدث بعفوية ما ناتجه عن عدم حصوله علي القدر الكافي من التعليم ليتحول إلى رقم واحد علي وسائل التواصل الاجتماعي من نشر مقاطعه واستخدام كلماته التي رددها اثناء التصوير والتسخيف منه ويصبح الجميع يسعي لمقابلته فقط ليس إلا لكي يلتقط معه الصور التي سيقومون بنشرها علي صفحاتهم الشخصية فيحصلون علي الكثير من الإعجابات.

"خلقت لكي أكون أنا والأنا هو الكون الذي يحاوطني لأني رسمته بوجداني هربا من هذا الكون الغريب الذي يحيطكم" وكما رأيت هذه فئه أخري يدعوا البعض صاحبها بالعميق أو هو يسعي لأن يكون هكذا هذه كلمات كتبتها محاولا الوصول لفكر هذا النوع كي تشاهد معي هذه الفئه التي قد تكون ما هي إلا أشخاص كل ما يسطرونه يدور حول فكرة واحدة وهي أنهم لا ينتمون إلينا بل انهم انقي واصفي واطهر من البقاء معانا في هذا الكوكب.

 

أصبحنا نسارع لننحني للجمل التي يتفلسف أصحابها رافعين لها القبعات بل ومتفلسفين في كومنتات بكلمات مبهمة أكثر من الجملة نفسها
أصبحنا نسارع لننحني للجمل التي يتفلسف أصحابها رافعين لها القبعات بل ومتفلسفين في كومنتات بكلمات مبهمة أكثر من الجملة نفسها
 

والعجيب أن تجد أعداد رهيبة من الإعجابات ومعظم من أعجبوا بتلك العبارات يتردد بداخلهم انهم وجدوا من عبر عما بداخلهم إذا فمن الذي فعل هذا بالكوكب أو من هم اهل الكوكب الذي نعيش فيه وهناك نوع اخر من تلك الفئة وهم من يترددون علينا بالجمل المعقدة الغير مفهومة بالمرة ولكنها من كثرة تعقيدها اثارت زر إعجاب من قرئها لكيلا يقال عنه انه أحمق هذا العصر فتجدنا نسارع لننحني لتلك الجمل رافعين لها القبعات بل ومتفلسفين في كومنتات بكلمات مبهمة أكثر من الجملة نفسها.

هذا هو الواقع ولكن لا يعني ابدا ان نحصر كل ما يدور في فلك وسائل التواصل الاجتماعي في تلك النقاط فهناك ما هو مفيد ويشدو إلى معني وفكره حقيقة ولكن هذه النقاط التي سردتها تعد الابرز والاكثر انتشارا لتجد أننا أصبح لدينا نظرية جديدة من الفلسفة وهي كيف ننزع الفلسفة من مضامينها مكتفين فقط بواجهتها متظاهرين اننا ننشر فكره ونسعى للإبداع وهل للفكرة قيمه دون برهان وإيمان حقيقي وعمل بها من قِبل ناشرها لنجد أننا نسبح في فلسفة اللافلسفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.