شعار قسم مدونات

رمضان.. بين كلما وكيف؟

blogs رمضان

كلما سألني أحد أطفالي أمرًا فعلته عن طيب خاطر ولو شقّ ذلك عليّ، أذكر أنني كنت خارجًا لأداء عمل هام، فاستوقفتني صغيرتي، وقالت: ألم تعدني أن تأخذني إلى الحديقة؟ ورمقتني بعتاب، فكرت هنيهة وقلت لنفسي: ضرر تأجيل العمل أهون من إخلاف ما وعدت به أميرتي. فقلت لها: هيا بنا إلى الحديقة. كيف يكون ديني لو أنني عندما أتذكر وأنا خارج من البيت أني لم أبارك يومي بتلاوة كتاب الله، فأعود أدراجي عن طيب خاطر فأقرأ الورد القرآني الذي عاهدت ربي عليه؟!

كلما أعلنت المدرسة عن رحلة أو احتفالية أو فعالية حرصنا مهما كلفنا الأمر على أن يشارك أطفالنا فيها ليكونوا مع أصدقائهم ويحتكوا بالمجتمع، ويستمتعوا بـأوقاتهم. كيف يمكن أن تتبدل أحوال أطفالنا إذا حرصنا على إشراكهم في بيئات المساجد وأنشطتها من مجالس علم وتلاوة لكتاب الله مهما كلفنا الأمر من الجهد والتشجيع والصبر؟

كلما عزمنا على الذهاب لرحلة استجمام سارع أكبر أبنائي المولع بتنظيم الأمور إلى الورقة والقلم ليدوّن ما نحتاجه حتى لا ننسى صغيرة ولا كبيرة، وعند بزوغ الفجر أجد الأولاد في قمة نشاطهم وكامل استعدادهم للرحلة. كيف يمكن لنا أن نجعل من بيوتنا رياضًا تتنزل عليها الملائكة وتغشاها الرحمة والسكينة! ذلك يحدث فقط إذا جعلنا لأنفسنا رحلات استجمام داخل المنزل بمجالس تجمعنا مع أطفالنا على مائدة كتاب الله وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام.

كيف يزيد إيماني، واقترب من مرضاة الله أكثر؟ إذا بذلت نصف ساعة فقط يوميًا لله تعالى في الدعوة إليه، أو الاهتمام بأمر المسلمين ونصرة قضاياهم

وكيف يمكن أن نجعل أولادنا يعظمّون قدر الصلاة ونحبّب إليهم أداءها في أوقاتها، وكيف يمكن أن نجعلهم في ذمة الله وحصنه؟ ذلك يحدث فقط إذا كنا وإياهم ممن يصلي صلاة الفجر في جماعة بهمة ونشاط. كلما ذهبنا إلى السوق اشترينا اللزوميات ولزوم ما لا يلزم. كيف يكون حال مجتمعنا لو أننا اكتفينا بما يلزم، ووفرنا ما ينفق على ما لا يلزم وجعلنا بعضه لمستقبل أبنائنا وجزءًا يسيرًا منه نرحم به الفقراء ونواسي به المساكين. كلما مسّ أحد أطفالنا بدايات زكام ذهبنا به مهرولين إلى أقرب طبيب لمحاصرة المرض في مهده قبل أن يشتد عوده. كيف تكون بيوتنا إذا سارعنا لعلاج غفلات القلوب بترك أسبابها التي نتسمّر لمشاهدتها في الفضائيات؟ وطهرنا قلوبنا بالاستغفار والتوبة والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله.

كلما كلّفني مديري في العمل بمسؤولية الإعداد لمشروع موسمي، لم أجد غضاضة في السهر حتى يتم إنجاز المطلوب، واستنفر كل قواي مضحيًا بنفيس الجهود والأوقات لتحقيق المأمول. كيف يزيد إيماني، واقترب من مرضاة الله أكثر؟ إذا بذلت نصف ساعة فقط يوميًا لله تعالى في الدعوة إليه، أو الاهتمام بأمر المسلمين ونصرة قضاياهم.

كلما دعوت ضيوفاً لوليمة وبدأ العد التنازلي لها، تصاعد التوتر في المنزل لأننا نريد أن تتم الأمور على نحو كامل، ولا يزعجنا استنزاف الأموال والأوقات ما دامت العاقبة رضا الضيوف وبياض الوجوه! كيف يكون رضا الرحمن عنا وبياض وجوهنا أمامه إذا شعرنا بالتوتر الفاعل تجاه ضيفه الكريم شهر رمضان؟! وكم سنجني من ثمار التقوى إذا أكرمنا هذا الضيف قبل أن تنفد أيام مكثه ولياليه بحسن استغلالها وقد وضعنا في اعتبارنا جدية وخطورة أن يدعو أمين السماء جبريل-عليه السلام- بدعاء فيأمّن عليه أمين الأرض محمد-صلى الله عليه وسلم-؛ ففي الحديث النبوي: قال لي جبريل: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له فقلت: آمين". كلما رأيت حياد أمة القرآن عن المقاصد الروحية الكبرى لشهر رمضان وإيثارها الإقبال على أصناف الطعام المصحوبة بأنفاس "الأرجيلة" في خيم الفسوق المنسوبة ظلما لرمضان، وآثرت السهر على الفضائيات التي تحيي رمضان ولياليه بكم هائل من السخافات والقبائح والفقرات التي تبارز فيها رب رمضان بالمعاصي وتنشر في سيد الشهور الفاحشة في الدور.

لا ننسَ أن انتصار الأمة على المغول في عين جالوت وقع في شهر رمضان. بهذا القدر من التاريخ نعرف أن السلف كانوا رمضانيين أما نحن الخلف فـ مَرْضَانيين
لا ننسَ أن انتصار الأمة على المغول في عين جالوت وقع في شهر رمضان. بهذا القدر من التاريخ نعرف أن السلف كانوا رمضانيين أما نحن الخلف فـ مَرْضَانيين
 

أتذكر كيف استلهم السلف من شهر رمضان أهمية حمل رسالة الله للبشر ونقل وحيه الأخير الذي أنزله الله في ليلة مباركة من رمضان، فانطلقوا بالقرآن مجاهدين يفتحون عيونا عُميًا وأذانا صُمّا وقلوبًا غُلفا، ويحققون الانتصار تلو الانتصار على الشرك والجهل والظلم، وإذا كنا نتعجب من انتصاراتهم فالعجب الأكثر أن نعرف أن الكثير من هذه الانتصارات كان زمانها شهر رمضان، لأنهم عرفوا أنه شهر المجاهدة والمجالدة، فأتبعوا علمهم بالعمل؛ إن غزوة بدر التي فرّق الله فيها بين الحق والباطل كانت في السابع عشر من رمضان، وفتح مكة في شهر رمضان، وفي هذا الشهر المبارك من السنة الثالثة عشرة للهجرة انتصر المسلمون على الفرس في معركة البويب، وفتح المسلمون جزيرة رودس الواقعة في البحر المتوسط في شهر رمضان من العام الثالث والخمسين للهجرة.

 

وتم فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد في شهر رمضان من العام الحادي والتسعين للهجرة، وفُتحت الإسكندرية وعمورية وبلغراد في زمن العثمانيين في شهر رمضان، ولا ننسَ أن انتصار الأمة على المغول في عين جالوت وقع في شهر رمضان. بهذا القدر من التاريخ نعرف أن السلف كانوا رمضانيين أما نحن الخلف فـ مَرْضَانيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.