شعار قسم مدونات

كيف استثمر النظام في الأردن حراك الشارع؟

مدونات - الأردن

ظهر الشارع الأردني برداء المنتصر بعد تمكن إرادته من تغيير الحكومة الأردنية والإطاحة برئيسها هاني الملقي، بعد التفاعل الإيجابي الرسمي مع الحراك الشعبي، وتحقيق رغبته. ولكن، استطاعت الدولة أن تستثمر الأزمة وغضب الناس لتحول ما يجري إلى رسائل إلى الخارج، لا سيما إلى حلفاء الأردن التقليديين الذين زادوا من تضييق الخناق على المملكة.
  
ما يجري ضد الأردن يستهدف شرعيته الدينية والوصاية على القدس وتحقيق صفقة القرن، والأنكى أن ذلك يتم من حلفائها بشكل غير مسبوق بظل التغييرات التي شهدتها المنطقة، والتحالفات الجديدة، والإدارة الأمريكية الجديدة وعلاقتها بدول الخليج. ووجدت الدولة نفسها أمام خيارات مثل استثمار الاحتجاجات في الشارع لمحاولة استجلاب الدعم الاقتصادي والسياسي الذي تحتاجه الأردن بالفعل، وسط التخلي عنها وتركها وحيدة وسط محور لا تستطيع عمّان الابتعاد عنه واللجوء إلى محور آخر، فالرهان على ذلك محفوف بالمخاطر السياسية والاقتصادية.
  

الحراك في الشارع الأردني كان حقيقيا تماما، ولكن ميزته هذه المرة أنه كان مدفوعا بإرادة رسمية لإظهاره أكثر

وعاد الشارع الأردني خلال الأيام الماضية بالأذهان إلى ثورات الربيع العربي، إلا أن الحقيقة هي أن الدولة قامت وإن لم يع الشارع الغاضب ذلك، بتبني الحراك وترك المجال له ودعمه واستثماره لتبث رسائل إلى الخارج. الأردن الذي يواجه مخاطر عدة يقف أمام مفترق طرق بالفعل كما قال الملك الأردني، وأحد هذه الطرق كما قال "المجهول". هذه التصريحات الجديدة بعد إقالة الملقي هي رسائل للخارج، تذكر حلفاء الأردن بأن المملكة ما زالت تعد أحد حراس بوابة الخليج من إيران، وهي التي تستضيف اللاجين على أراضيها، وهي التي تحدها من الغرب الأراضي المحتلة، ولا يمكن لغيرها المراهنة على أمنها.
 
تعتمد الأردن بشكل أساس على مصدرين لاقتصادها: الدعم الخارجي الذي باتت الحكومة بحاجة إلى الكثير منه، لا سيما مع ملف اللاجئين، والتهديد الأمني على حدودها، آخذة بعين الاعتبار موقعها الجغرافي بالنسبة لإسرائيل حليفة أمريكا، وبالنسبة للخليج الغريم لإيران المتواجدة في سوريا. والمصدر الآخر جيب المواطن الذي ما عاد يتحمل أكثر من ذلك.
  
الأردن الفقير بموارده والمعتمد على حلفائه التقليديين لا يستطيع أن يظل طويلا لوحده، ولا يقدر أن يبقى دون مساعدات، وحجم التضييق عليه وتجاهل احتياجاته بلغ حدا لا يمكن للنظام أن يتحفظ عليه، حتى لو دفعه الأمر إلى اللجوء إلى الشارع والتلويح بغضبه واستثماره، والاضطرار للمراهنة على الميزة الأكبر لهذا البلد، وهي أمنه.
    undefined

 

لا يمكن معرفة إن كانت هذه الرسائل وصلت حقا لأصحابها، ولكن الأمر المؤكد أن النظام الأردني يعاني سياسيا واقتصاديا وشرعيا على المستوى الخارجي، ويتعرض لتحديات خطيرة. الحراك في الشارع الأردني كان حقيقيا تماما، ولكن ميزته هذه المرة أنه كان مدفوعا بإرادة رسمية لإظهاره أكثر، وخرج ولي العهد الأردني إلى الشارع بين المتظاهرين، ينقل لهم دعم العاهل الأردني لهم، ولسلمية مسعاهم وحقهم بالتظاهر.
 
السلطات التي تعاملت مع حراك ٢٤ آذار في عام 2011 بقمع وكل سحل للمواطنين، وملاحقتهم بالهراوات و"المناجل" ظهرت اليوم جنبا إلى جنب مع المواطن في الشارع، وجاءت التعليمات من وزير الداخلية ومدير الأمن العام بضبط النفس، وإعطاء المتظاهرين كامل الحرية بالتعبير عن غضبهم بالاحتشاد ورفع الشعارات التي تعكس خطورة الوضع الاقتصادي في البلد. بات الاعتماد على جيب المواطن ليس سهلا حتى على الحكومة، فحتى جيبه لم يعد كاف، والديون تتراكم أكثر على ميزانية الدولة، والتضخم يزيد والبطالة بارتفاع، والوضع الاقتصادي إلى الأسوأ، وسط ظروف سياسية صعبة في الإقليم.
  
يفضل الأردن البقاء مع حلفائه التقليديين عوضا عن إيجاد حلفاء آخرين مثل تركيا، فالأمر ليس بالسهولة التي يعتقدها الكثيرون، فالأردن يراهن على وضعه في المنطقة باعتداله بلا أعداء أو خصوم، إلا أنه بات يجد نفسه أمام خصومة غير مفهومة بسبب شرعيته الدينية أمام منافسة محمومة على وجاهة المنطقة وإرادة شابة في المنطقة لاحتكار هذه الوجاهة السياسية والدينية.
  
وخصومة أخرى مرتبطة بذلك، لها علاقة بصفقة القرن، التي تبنتها أمريكا وإسرائيل ودول عربية!
 
حمى الله الأردن وحفظ أهله

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.