شعار قسم مدونات

النساء بدأن يقدن الدراجات الهوائية

blogs ركوب الدراجات

النساء لا يقودن الدراجة الهوائية في بنغلاديش، هذا يعد من الأمور غير المعتادة، ولكني أعرف فتاة تسكن في الطابق الثاني من البناء الذي أسكن فيه، تدرس في مدرسة حكومية بعيدة عن منزلها، تكلمت معها مرة، فعرفت من خلال كلامها أنها قررت تعلم قيادة الدراجة الهوائية التي تذهب بها إلى المدرسة، حتى يقل مصروف الطريق. تعجبت أولا من كلامها، كيف يمكن للمرأة أن تقود الدراجة؟ ولكني خرجت مرة مع زوجي إلى سوق قريب من منزلي لشراء احتياجاتي، وكنا في الركشا (مركب في بنغلاديش)، فجأة رأيت شابة تقود دراجة هوائية بجانب مركبنا، تتقدم مرة وتتخلف مرة أخرى، يبدوا من قيادتها أنها قد تمهرت فيها. هناك سؤال، أتسمح الشريعة الإسلامية قيادة الدراجات للنساء أم لا؟ ولكن بلا شك أنها منافية للعادات والتقاليد البنغلاديشية.

في هذه الأيام يترك كثير من الأغنياء سياراتهم الخاصة، ويأخذون الدارجة النارية أو الهوائية اجتنابا من الازدحام المروري كل يوم، وحفاظا على الأوقات التي تهدر في الطريق، لأن السيارات تأخذ كثيرا من أوقاتهم الغالية. يعتقدون أن الوصول إلى المنزل أو إلى المكتب بالدراجة خير من الجلوس في ازدحام الطريق. كنت يوما في سفر مع زوجي، وكانت سيارتنا في طريق إلى القرية، تسير بسرعة فائقة، وبالمناسبة كان هذا الطريق رائعا جدا. طبيعته جميلة، أشجاره كثيرة، أراضيه خصبة، تمر سيارتنا ببحيرة كبيرة. رأيت كثيرا مراكب الصيادين بأشرعتها العالية، ويقابلنا الصيادون بأوانيهم التي ملئت بأنواع من الأسماك، يعرضون علينا كي نشتري، فكنت نزلت من السيارة، لأملأ عيني بهذا المنظر الجميل.

 

ولكن تعجبت أن كثيرا من الفتيات البالغات إلى العشرين أو أكثر من عمرهن أتين لشراء الأسماك بالدراجات الهوائية، كل منهن يقدن الدراجات، ويرتدين ملابس غير المناسبة للذوق العام والمجتمع البنغلاديشي المحافظ. وتذكرت أنني ذهبت مرة إلى أترا، بداكا لشراء بعض احتياجاتي مع زوجي، فرأيت هناك أيضا فتيات يرتدين ملابس غريبة لا تليق بمجتمع بنغلاديش، قصيرة وشفافة وضيقة تظهر أكثر مما تخفي. أذكر لكم أيها القراء الكرام! حادثة حدثت في اليوم الثاني من رمضان، كنا في رحلة طويلة من تنغي إلى نراين غنج، وكان للوصول إليها طريقان، أحدهما أثناء داكا، عاصمة بنغلاديش، ولكن السفر بهذا الطريق يأخذ أوقات طويلة بسبب الازدحام الشديد. اخترنا طريقا بديلا أثناء القرية، في الطريق تعطلت سيارتنا. حاول سائقها إصلاحها، فلم يستطع، استعان ببعض المارة أيضا فلم يستطع.

 

بنغلاديش بلد مسلم، رغم ذلك الفتيات لا يطعن أوامر الشريعة ونواهيها في حياتهن الشخصية، بل يحببن أن يعشن كفتيات أمريكا وأوروبا. ويحاولن تغيير المجتمع إلى المجتمع الأوروبي

كان زوجي والسائق مشغولان بإصلاح السيارة، وكانت فرصتي أن أرى القرية التي أحبها، فكل بيوتها وشوارعها وأزقتها رائعة جدا، فأخذت جولة في القرية وظللت أبحث فيها عن روح الحياة التي نفقد في حياتنا المدنية بين الحصاة والأحجار، سرت فيها وكأنني أسير بين قريتي التي كنت أسير في صغري، وكنت أتمتع بمناظر الطبيعة القروية، ولكن فؤجئت أن بعضا من الفتيات يعدن إلى بيوتهن بالدراجات الهوائية. ويبدو من قيادتهن أنهن ماهرات.

إصلاح السيارة يأخذ وقتا كثيرا، فذهب بي زوجي إلى بيت قريب منه للمكث هنا حتى يتم إصلاح السيارة، فأجلستني صاحبة البيت، واستضافتني، غاب زوجي ساعتين وأنا مع صاحبة البيت أحدثها وتحدثني حتى إنها حكت لي عن بعض المشكلات بينها وبين زوجها، سمعتها ونصحت لها بصدق، فقد كانت طيبة وعلى الفطرة، وكأنها وجدت فى ما تبحث عنه، صوت تطمئن له وتسترشد بنصحه، عاد زوجي ولم تنصلح السيارة وتم نقلها إلى ورشة قريبة من هناك.

قررنا أن نكتري سيارة أخرى وأصل إلى الغاية، فاكترى لنا زوجي سيارة أخرى، وجاء وقت المغادرة، فوقفت أودعها، فأخذتني في صدرها وظلت تبكي طويلا وكأنني عشت معها سنوات، أهدئها وأحاول أن أسحب نفسي من صدرها، لكنها متشبثة بي، قال لها زوجها كفى يا أم فلان، دعي السيدة، فقد أتعبتها. وعدتها أن أراها مرة ثانية وأني سأكلمها عند وصولي إلى غياتي، ونزعت نفسي من بين صدرها بصعوبة، خرجت وعيونها حزينة لفراقي، أخيرا وصلنا إلى الغاية، وظلت تلك المرأة الطيبة تتصل بي وفي الأعياد تهنئني وأهنئها، يأتي إلى بيتنا وأذهب إلى بيتها.

ابتعدت عن الموضوع كثيرا، كنت أتكلم عن قيادة النساء في بنغلاديش، تكثر قيادة النساء للدراجات الهوائية في هذه الأيام، كثير من مناظر قيادة النساء للدارجات يأتي لنا في المدينة والقرية، بنغلاديش بلد مسلم، رغم ذلك الفتيات لا يطعن أوامر الشريعة ونواهيها في حياتهن الشخصية، بل يحببن أن يعشن كفتيات أمريكا وأوروبا. ويحاولن تغيير المجتمع إلى المجتمع الأوروبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.