شعار قسم مدونات

البلور الهش.. لماذا يعجز الإنسان عن مسايرة واقعه؟

blogs المجتمع
إن كمية الشكوى العاطفية التي نعيشها يوميًا ونرها في كل مطلع جريدة أو صفحة شخصية ناهيك عن الدراما التي نشاهدها كل يوم، شيء ما يأخذنا إلى التساؤل لماذا كل هذه الشكوى وإذا كان كل هؤلاء الناس يشكون من الظلم فمن الظالم إذن. في الواقع إننا كلنا ظالمون بلا استثناء ولكننا لا نرى ظلمنا بطبيعة حالنا التي تميل إلى تبرير أنفسنا وأننا لسنا مخطئون بل إن الخطأ الأكبر الذي نراه دائما هو الطرف الآخر الظالم القاسي الذي دمر كل حياتنا وتركنا ورحل.

كمية الضغوط على أنفسنا يوميًا جعلتنا كالبلور الهش يحطمه أتفه الأسباب جعلتنا لا نستطيع أن نقاوم ما في هذه الحياة بعيدين تماماً عن أي مواجهة أو مشكلة نتعرض لها، اللامبالاة التي نعيشها أصبحت منهج حياة، أصبحنا حتى لا نستطيع أن نطالب بأبسط حقوقنا حتى ولو كانت حياة أو موت لنا، تجدنا نخشى أن نتصدى لشخص يعتدي على امرأة في الشارع أو نخشى مواجهته، نخشى أن نطلب من جارنا المسيء لنا أن يراعي حقوقنا وأن يخفض صوت تلفازه وأن يشترك في نظافة المسكن الذي يأوينا جميعًا، نخشى أن نواجه أزواجنا وزوجاتنا من حقوقنا المهدرة خشيت أن نصل إلى منطقة فراق وما أسرعها هذه الأيام، نخشى أن نطلب من زميلنا في العمل أن يكف عن التعنت وأكل الحقوق، نخشى أن نطلب من يأذوننا أن يكفوا عن أذانا كل يوم فيزاد الجرح ويزداد الألم.

فقدنا التواصل كبشر من الضغوط علينا أصبحنا محطمين من الداخل نسعي إلى جبرة قلوبنا نسعي خلف الكلمة الطيبة حتى ولو كانت من منافق ونعلم أنه منافق ولكن نرتاح لكلمة تطيب بها جروحنا

أعصابنا احترقت من كثرة الضغوط علينا أصبحنا لا نتحمل أي كلمة أو أي شكوى فعندما يأتي إلينا أصدقائنا للبوح بأحزانهم نشعر بأننا لا نستطيع التحمل فلدينا ما يكفي فلا تصغى أذاننا لهم بما يكفي لمشاركة أحزانهم، إننا كالبلور الهش ما إن يصطدم بشيء بسيط حتى يصبح كالقطع المقسمة، ونحن ممزقون جداً من الداخل وحتى لو تظاهرنا بشيء غير ذلك إلا أن حصوننا مهددة من داخلنا فضعفت الثقة في أنفسنا وضعفت الثقة في الناس وأصبحت الحياة لنا روتينًا يوميًا نعيشه دون حياة حقيقة
إننا نحمل مثل حمل البعير الذي حمّله صاحبه أخر قشة فقصمت ظهره فخر على الارض لا يستطيع أن يقاوم ولا يتحرك بل أصبحنا كهشيم أزارته أول رياح بعد كل هذا الكم الهائل من التحمل فأصبحنا في مهب الريح لا يتبقى منّا شيء.

أصبحنا نفقد التواصل مع بعضنا البعض بصورة سليمة بل حتى أصبحنا نخشى أن نقول رأينا بصدق لأننا نعلم ماذا سيحدث بعد ذلك من مشاكل نحن في غنى عنها، حتى وصلنا إلى دور العبادة فقدنا فيها الحب والاحترام بيننا. أغلقنا علاقات كثيرة كانت عبء على قلوبنا فأصبحنا نبتعد عن الأشخاص الحساسين ذو النفس المرهقة الذين لا يتحملون كلمة ولا يفهمون المقاصد على حقيقتها أصحاب النفوس الضعيفة، أصبحنا نبتعد عن كل الطرق التي تؤدي إليهم تاركين لهم حسن وسوء الظن حتى لا نقع فريسة في ظنونهم الغريبة وأوهامهم المريضة.

إننا فقدنا التواصل كبشر من الضغوط علينا أصبحنا محطمين من الداخل نسعي إلى جبرة قلوبنا نسعي خلف الكلمة الطيبة حتى ولو كانت من منافق ونعلم أنه منافق ولكن نرتاح لكلمة تطيب بها جروحنا التي مازال الدم ينزف منها، كنت من قبل أقول أن اختلاط الناس والصبر على أذاهم أفضل من اعتزلهم والابتعاد عنهم، ولكن إذا زاد الأمر عن الحد وأصبح القرب من الناس تقليل شأن وتثبيط عزيمة وإرهاق نفس فوجب عليك البعد عنهم كما دعنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (اعتزل ما يؤذيك وعليك بالخليل الصالح وقلما تجده وشاور في أمرك الذين يخافون الله عز وجل). في هذه الأيام العصيبة التي نحياها وجب علينا الفرار من كل ما يؤذينا ومن كل ما يثبط عزائمنا ويرهق نفوسنا، فلتسعنا بيوتنا ولنبكي على أخطائنا ولنصلح من حالنا ونعالج من نفوسنا وننشغل بها ولنترك كل الطرق التي تؤدي إلى إرهاق نفوسنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.