شعار قسم مدونات

إلى أين نحن نسير؟

blogs تأمل و تفكير
يرهقني ثقل السؤال إذا ما انبثق عن واقع انقلبت تحت تأثير نشاز أيامه مجمل المفاهيم، وتعثرت في ضوء آلامه أسمى القيم. يلومني وكأنني ممن دفعوا به إلى الوجود… هذا الوجود. أحيانا، أتهرب من شظايا لهبه بالتأجيل، وفي أغلب الأحوال أفشل في هذه المناورة العمياء، ولأن الكلمة بوح وترجمة للحيرة القاتلة وللوم القاهر لضمير يحتضر، سألقي ببعض مما يؤرقني وأقول: ألم تحن الساعة بعد للاعتراف بالفعل لا القول أننا لسنا على ما يرام؟ أن كل ما نمر به وكل ما يمر عبرنا قد مل حس التكرار العقيم في دواخلنا؟ 

ملت الشوارع الأكياس وما يلقيه العقلاء إذا هم انتهوا من تناول حلوى تنافق بحلاوتها مرارة الوضع العربي، هم يلقون بمخلفاتهم وبعضهم يرمي بها من نافذة سيارته الفاخرة بتعال.. نعم، بتعال. المدرسة، هي أيضا، شحبت إذ أن الفسحة ما بين الأعراض والمرض المزمن لم تسع ما احتاجه الطبيب الوهمي من زمن للاستئصال الورم… الذي أدى كما هو الحال إلى إهانة متبادلة بين المعلم والمتعلم دون تعميم، صراع كان ليبدو مستحيلا لولا تمرغ الأخلاق في ثنايا الماضي كما التراب، فقد صار من لا يسلك للغش طريقا من المستهزئ بهم، وأصبح الكلام المتداول بين المتعلمين مزيجا من توافه الأمور وسلة كلمات متدنية سلبت من التواصل جوهره وحولته من وسيلة انفتاح إلى مفتاح لولوج متاهات الانحراف من بابه الرحب. أما التمييز فبدوره بات يتمنى الرحيل، تشرد الصوت الأنثوي وسط ما ظلم من الأفكار، وعلى أساس الأعراق بنيت تركيبة المجتمعات.

سلام على زمن فقد فيه السلم والسلام، على زمن يستعبد فيه البشر، على زمن يتذرعون فيه بالسماء لتبرئة جرم الاحتلال، على زمن بات الفرج هو ما ينتظر، على زمن يحتضر، على زمن يبكي ثوانيه

وظهر في الأزقة دعاة السلم، من تطرفوا حتى بدا لهم العنف سلما لا سما، والحرية ثقلا وازنا وتهديدا مدمرا للإنسانية، مما أدى الى تسلل مرض التدخل في شؤون الآخرين، مرض التدخل في تفاصيل حيواتهم، معتقداتهم، ماضيهم، غاياتهم وحتى أحلامهم التي لم تلدها بعد أرحام الشوق، وطغى التكفير على لسان كل من أصابه هذا المرض اللعين، وليس لي إلا أن أعيد للمرة الألف ما قاله الحلاج: "مالي وللناس كم يلحونني سفها.. ديني لنفسي ودين الناس للناس."

وليس هذا فحسب، فقد سمعت وأنا مارة وسط رفوف مكتبة هجرت، همسات كتاب بدا لي شامخا وحزينا، كان يردد في يأس: "أنا مثلهم لا شيء يعجبني ولكني تعبت من السفر" لمحمود درويش، كيف لا وقد رحل الجميع عن دياره، حتى إن الناس في مجتمعنا تشابهوا في اختلافهم عن بعضهم البعض في طريقة إساءتهم للكتاب، فقالوا: هذا عصر السرعة وقالوا: هذا عصر الصورة، ثم قالوا وقالوا وقيل… وبطريقة أو بأخرى قالوا: لا حاجة لنا به، إنا مللنا ملء كؤوسنا ذهبا.

هذا وبغض النظر عن التاريخ المنسي، فثقافة دراسة التاريخ دراسة واعية وقادرة على تغيير حركة سير الشعوب نحو الأفضل تكاد تنعدم، خاصة وأن التاريخ في مخيلتنا لا يعدو عن كونه تواريخ محددة وجب تخزينها في الذاكرة، وهذا خطأ، "لأن المشكلة هنا، ليست مشكلة أقوام مضت يراد إدانتهم، ولكن المشكلة، مشكلة تخليص أقوام لا يزالون يعيشون الآن" حسب جودت سعيد.

ثم إن اللائحة أطول، والواقع أمقت، وما تراه العين أقسى مما قد يعكس التعبير.. فسلام على زمن فقد فيه السلم والسلام، على زمن يستعبد فيه البشر، على زمن يتذرعون فيه بالسماء لتبرئة جرم الاحتلال، على زمن بات الفرج هو ما ينتظر، على زمن يحتضر، على زمن يبكي ثوانيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.