شعار قسم مدونات

المريض المصري.. والمرض في رأس السلطة!

مدونات - السيسي

غريب في مصر أن تكون الثورة حاضرة والأفكار واعدة والكيانات واعدة وتنتهي الدولة وتنتهي الآمال والطموحات والأحلام إلى ما تنتهي إليه الآن من أشباه الكيانات وأشباه السياسات وأشباه الحكام وأشباه الدول. والحاصل في مصر الآن: أن مجموعة الحكم ورأس السلطة مريضة، وفي ظل مرض "مجموعة السلطة" فقد مرضت أيضا بالتبعية، مجموعات النخبة، التي هي خارج الحكم، وقد يكون ضعف المجموعات التي هي خارج السلطة وتمارس إطارا عاما لهيكل نظام سياسي وكأن السلطة مكتملة الأركان وكأن السلطة تعبر عن جمهورية طبيعية، هو سبب مرض المجموعة التي في الحكم.

 
والغريب أيضا في مصر، أن تحمل "الكيانات السياسية" أسماء لا توافق الوظيفة ولا توافق المعني والمسمى المطلق عليها: فلا البرلمان برلمانا ولا الحزب هو حزبا ولا الأهداف محددة ومرتب جدول تنفيذها. وفي ظل هذه الفوضى يدعي ويعلن كل من يرغب ما يرغب دون مسعي حقيقي لينفذ ما يدعي، فكثر مدعوا "الحرية" بدون تحديد لمعني الحرية وكأن مصر تسعي للتخلص من الاستعمار والاحتلال المباشر وكأن مصر مازالت تنشد "الجلاء" بعد أن تحقق الجلاء بسبعين سنة، كما أن رأس الدولة يدعي الوصول إلى النجوم، بينما أقدام النظام فعلا في الوحل الذي أغرقت فيه عموم الشعب المصري.

 

مصر بعد أن أصاب نظامها السياسي المرض المهلك، في حاجة الآن "بديلا عن الثورة الشعبية" إلى "أحزاب سياسية حقيقية" تعبر عن جموع من الشعب

في مصر الآن لا يوجد " كيان حزبي" فاعل أو غير فاعل، وكأن شعار "مرحلة عبد الناصر" مازال قائما: "من تحزب فقد خان". في الحياة السياسية المصرية الآن، لا يوجد إلا أشخاص "توظفوا" عند السلطة ليشكلوا ما يشبه حزب السلطة وإلي جوارهم آخرين توظفوا أيضا عند السلطة ولكنهم يقولون على أنفسهم أنهم "معارضو نظام الحكم الحالي" والحقيقة، حتي لو أنهم يدعون بأنهم يمثلون "المعارضة" لنظام الحكم، فهم يمثلون المعارضة المرباة في مراعي السلطة، ويمثلون المعارضة المستأنسة منذ تلاعب الرئيس السادات بالحياة السياسية وصنع " هيكل نظام ديمقراطي " وكأنه نظام ديمقراطي، بعد أن حول ما كان يسمي بـ "الاتحاد الاشتراكي العربي" إلى ما سمي ب "المنابر السياسية الثلاثة " ثم تم بعد ذلك في مرحلة تالية معقبة تحويل هذه المنابر إلى أحزاب سياسية سلطوية، صنعتها السلطة نفسها لتغطي على شمولية النظام الحاكم وعدم ديمقراطيته الفعلية .

الحياة السياسية في مصر كلها مريضة وأول خطوات الإصلاح والعلاج أن يعترف من يستولي على السلطة حاليا ويديرها، بوجود المرض وتشخيص حقيقته، وأن يعرف ومعه الشعب الطريق الصحيح للتداوي. هل يمكن أن يكون مثل الدكتور "علي عبد العال" رئيسا للبرلمان المصري الآن؟!.. هل يفهم "الدكتور عبد العال" المعين من رئيس الجمهورية، حقيقة مسئوليات رجل البرلمان وعليه: هل يفهم مسئوليات رئيس البرلمان؟!

  

"علي عبد العال" رئيس البرلمان المصري (الجزيرة)

 

رئيس البرلمان تائه ورئيس الدولة في متاهة منذ اليوم الأول له في السلطة بعد تنفيذه انقلابه في 3 يوليو " تموز " 2013 وبعد أن حصل على رئاسة الجمهورية بعد انتخابات صورية في 8 يونيو "حزيران" 2014 وكان من المفترض أن يكون رئيس البرلمان بعد تشكيله وبدء عمله في يناير/ كانون الثاني " 2016 كان من المفترض أن يكون رئيس البرلمان هو دليل رئيس الجمهورية للخروج من المتاهة، ولكن الحاصل أن رئيس البرلمان، لم يستطيع أن يخرج رئيس الجمهورية من المتاهة وكذلك لم يستطيع أن يوقفه عن خروقاته الدستورية وتجاوزه لسلطاته وعبثه بسلطات الدولة ومهام أصحاب الوظائف المستقلة في دولاب عمل الدولة. وهو الأمر الذي كان يحتم على رئيس البرلمان أن يتخذ الإجراءات الدستورية، لإخراج الرئيس سلميا من السلطة. ولكن رئيس البرلمان شغل نفسه عوضا عن ذلك، بأن يكون جزءا من آلة الدعاية والتبرير للسلطة التنفيذية وللحكومة، وللتغطية على سقطات الحكم وكوارثه، فمثلا: رئيس البرلمان الحالي يقول دوما للتغطية على أخطاء رئيس الجمهورية في إدارة شئون البلاد: "إن اﻷزمة في مصر اقتصادية " وهذا إما تلاعب مقصود وإما خضوع من صاحب سلطة مسائلة الرئيس عن إخفاقاته، وإما جهل واضح وعدم قدرة على الرؤية من الرقيب الأول على أداء الرئيس.

مصر بعد أن أصاب نظامها السياسي المرض المهلك، في حاجة الآن "بديلا عن الثورة الشعبية" إلى "أحزاب سياسية حقيقية" تعبر عن جموع من الشعب، وتدافع ليس عن مصالح جموعها فقط، بل عن كل مصالح الشعب وتحمي الدولة، وتردع السلطة عن التجاوز وتردع السلطة عن سوء الإدارة، وهذا العلاج الآني، إلى أن تتشكل أحزاب حقيقية تصوغ حركة الجماهير، يمكن أن تقوم به "حركة وعي جماهيري" وهي موجودة بالفعل وتعبر عن نفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي "والميديا الإلكترونية الشخصية والحرة".

 

البديل المتصور الآن أيضا، إلى جانب توظيف تنامي حركة الوعي، هو الحرص على وجود برلمان شعبي، من شخصيات نزيهة وذات خبرات وكأن هذا البرلمان الشعبي هو "فنار" اﻹسترشاد، سواء للرئيس في مدته الجديدة التي بدأت أو للحكومة أو للبرلمان القائم بقصوره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.