شعار قسم مدونات

الأمم "المرتبكة" ومجلس "عقوق" الإنسان!

BLOGS الأمم المتحدة و حقوق الإنسان

عزيزي القارئ، سأطرح عليك بعض الأسئلة وأتمنى عليك أن تأخذ وقتك في التفكير أولاً، وأود الإجابة منك بعد ذلك، بينك وبين نفسك، وبشكل دقيق وصريح ومباشر، ولو على سؤال واحد فقط منها. ما هو ميثاق الأمم المتحدة؟ ماذا يعمل مجلس حقوق الإنسان وما الذي يقدمه للإنسان؟ كيف تصون الأمم المتحدة السلم والأمن الدوليين؟ كيف يعزز مجلس حقوق الإنسان حقوق الإنسان ويحميها؟ كيف تحقّق الأمم المتحدة التعاون على حل المشاكل الدولية؟

ماذا فعل مجلس حقوق الإنسان بعد توثيق حالات انتهاك حقوق الإنسان في العالم؟ كيف استطاع مجلس حقوق الإنسان مكافحة إفلات الأنظمة المستبدة والجماعات المتطرفة من العقاب، ودعّم المساءلة وسيادة القانون؟ ماذا يفعل أعضاء حقوق الإنسان بعد جلساتهم واستعراضاتهم الدورية، لا سيما بعد ثورات الربيع العربي؟ كيف يدمج مجلس حقوق الإنسان حقوق الإنسان في التنمية العالمية والمجالات الاقتصادية؟ ما الذي فعلته الأمم المتحدة من أجل تحقيق السلام العالمي؟

لا الإصلاحات في مجلس حقوق الإنسان ولا انسحاب الدول منه أو بقاؤها فيه هو ما يعيد الحقوق الإنسانية للمظلومين في كل أنحاء العالم

عزيزي القارئ، إن لم تستطع الإجابة عن أي سؤال مما سبق فأنت لا تختلف عني وعن مئات الملايين من البشر المعتدلين في هذا العالم، بل ولا حتى عن معظم العاملين في تلك الهيئات. فالإجابة على هذه الأسئلة تتطلب قدرة كبيرة على الحفظ أو التذكر أو التكرار أو الكذب. لكننا نتفق جميعا باختلاف لغاتنا وألواننا وأعراقنا وثقافاتنا أن هذا العصر هو عصر انتهاك حقوق الإنسان والتفظيع بها بأشكال وأساليب مباشرة وغير مباشرة، عصر الإقطاع الحديث والعبودية المقنّعة، عصر الشعارات اللماعة الفارغة والفصاحة المُضَلِلة، ونتّفق أيضاً على أنّ انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت وما زالت تحصل في العالم، لا سيما في فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا واليمن وبورما وغيرها من البلدان قد تضاعفت منذ تأسيس مجلس حقوق الإنسان عام 2006 ومن قبله تأسيس الأمم المتحدة عام 1945.

وهذا ما يجعل "الإنسان" يضع إما علامات استفهام حول فعالية وأهلية وقدرة هذه الهيئات على تحقيق سلام عالمي حقيقي، لا سيّما أنها فشلت في تحقيق سلام داخلي وتفاهم حضاري داخل مقرها وبين كبار أعضائها أنفسهم، أو يضع علامات تشكيك حول أهدافها وطبيعة العلاقة بينها وبين النظام العالمي الذي يستخدمها كغطاء دبلوماسي للإرهاب الدولي المصنَّع والمُصدّر، والصراعات الباردة والحروب بالوكالة بين الدول الكبرى التي تتخذ من دول العالم الثالث ساحة غبية وغنية لها، فتمثّل أمامها دور الأم الحنون لتمتص شيئاً من غضبها، وتقيس حرارتها وبرودتها ووعيها، وتختبر تماسكها ومدى قابليتها لتحمل المزيد من الانتهاكات والصراعات، وتتوقع توقيت انفجارها بوجه هذا النظام العالمي وهيئاته، ليتم تدارك الأمر، ويُعدّل النظام أو يُستبدل بنظام أذكى وأعقد وأفك رقبة وأكثر تناسباً مع خصائص العصر والبشر.

منذ أيام أعلنت الولايات المتحدة انسحابها رسمياً من مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المتحدة، والسبب كما جاء على لسان المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة هو "انحياز المجلس ضد إسرائيل، ومنع المفاوضات بشأن إصلاح مجلس حقوق الإنسان وإزالة البند الثابت المخصص لممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية من جداول أعمال المجلس"، نعم إسرائيل!، الكيان المغتصب لحقوق الإنسان الفلسطيني منذ 51 عاماً، الكيان الذي يمارس أجرم أنواع الانتهاكات الإنسانية ضد الفلسطينيين كالحصار الجوي والبري والبحري المتواصل، والقتل غير المشروع وجرائم الحرب والتهجير القسري والاعتقالات التعسفية.

مطلب إنسان هذا العصر هو
مطلب إنسان هذا العصر هو "نظام" عالمي أخلاقي وإنساني جديد، لا "مجلساً" إنسانياً معطلاً ومسيّساً ومشكوكاً فيه
 

لكن وبالرغم من أن انسحاب الولايات المتحدة من المجلس لن يقدم ولن يؤخر في قضية حقوق الإنسان الضائعة بين أقدام المتاجرين والممثلين الدوليين، الى أن ذلك الانسحاب يمثل تحّولا خطيراً في السلوك الأخلاقي السياسي، وصراحة فجّة وعلنيّة وقحة في ركل حقوق الإنسان والضرب بها عرض الحائط و "حجزها داخل قفص وقضبان حديدية"، ويهدد بخطر انتقال العدوى الى دول كبرى من داخل المجلس، تحمل في جيناتها نفس الخصائص والترسبات التاريخية المخيفة. فتعود لتشكل معاً مجلساً جديداً، لكن هذه المرة، مجلساً لحقوق المستبدين والمغتصبين والشياطين والدجالين والقتلة والظلمة.

مختصر القول، لا الإصلاحات في مجلس حقوق الإنسان ولا انسحاب الدول منه أو بقاؤها فيه هو ما يعيد الحقوق الإنسانية للمظلومين في كل أنحاء العالم، فوجود هذه الهيئات أو عدمها أصبح واحداً، إن لم يكن عدمها أفضل، إنما مطلوب إنسان هذا العصر هو "نظام" عالمي أخلاقي وإنساني جديد، لا "مجلساً" إنسانياً معطلاً ومسيّساً ومشكوكاً فيه، فالنظام العالمي السائد، لا سيّما شقّه المالي، لا يأبه لا للإنسان ولا للحيوان ولا للجماد ولا للحضارة البشرية، نظام تغذيه العولمة على حساب الشعوب المستضعفة فيقتات على هوائها ومائها ولحمها وعظمها ورفاتها، ويمكّن الديموقراطيات "المنفصمة" ويضاعف رخاء الدول القوية عبر خداع الدول الضعيفة والهيمنة عليها اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً. فإلى أين يتجه نظامنا العالمي يا هل ترى؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.