شعار قسم مدونات

الحوت الأزرق.. القاتل الجديد!

BLOGS لعبة الحوت الأزرق

حيوانٌ ضخم مُهدد بالانقراض، لا يفترس البشر ويُعرف بطبيعته المُسالمة، هو الحوت الأزرق. تحت اسم هذا الحيوان اللطيف هُناك من ابتكر لعبةً إلكترونية تسببت إلى الآن بوفاة العديد من المُراهقين حول العالم. هذه اللعبة تستهدف الأطفال بين 12 و16 عاماً، وخصوصاً أولئك الذين يَعيشون ظروفاً عائلية ونفسية صعبة.

 

خمسون تحدياً؛ بينَ ايذاءً مُتعمداً للذات كنقش رموز وأشكال على الجسد، وأفعال تتسم بالتحدي كالاستيقاظ في ساعةٍ مُبكرة وسماع مقطع موسيقي كئيب يختاره القائمون على اللعبة يبثُّ الكآبة في نفس المُتحدي والصعود لأعلى المبنى أو البيت والجلوس أو الوقوف على الحافة، وكذلك "تحدي الصمت" ليوم كامل الذي يكون بعد اختيار المُتسابق كـ "حوتٌ أزرق" من قبل المُشرفين على اللعبة ومن ثم يصل المُتسابق أخيراً للتحدي الأخير وهو: الانتحار إما بطعن السكين في الجسد أو إلقاء المُتسابق نفسهُ من أعلى بناية.

انتقلت عدوى "الحوت الأزرق" إلى الكثير من البلدان وتزايدت أعداد الضحايا، ويتم الترويج إليها من خلال صبغها بالغموض والإثارة

مَن يُحاول الانسحاب يتم ابتزازه بالصور والفيديوهات المُوثقة لدى القائمين على اللعبة او بالتهديد بقتل عائلة المُتحدي من قِبل عصابات إجرامية، فلا يجد المُتسابق "المُراهق" الذي تمّ إخضاعهُ نفسياً وذهنياً بُداً من الاستمرار وحتى الإقدام على الانتحار في آخر المطاف.. قد يجد البعض أن الأمر لا يعدو تهويلاً وتضخيماً إعلامياً ولكن في حقيقة الأمر وحسب احصائيات عدة هُناك أعداد تتزايد مع مرور الوقت لحالات انتحار مراهقين ترتبط بشكل مُباشر بـ "تحدي الحوت الأزرق" أو ما بات يُعرف بلعبة الحوت الأزرق. 130 ضحية حول العالم، مراهقون دخلوا إلى هذا التحدي وخرجوا منه ميّتون، تمّ الضغط عليهم وابتزازهم من ما يُعرف بـ "مدير التحدي" للاستمرار في خوض التحديات، مُعظمهم ينتمون لدول العالم الثالث.

لماذا الحوت الأزرق؟

يعتقد البعض أن ظاهرة الانتحار موجودة لدى الحيتان الزرقاء، التي تتوافد عادةً إلى شواطئ البحار والمُحيطات وتبقى هُناك إلى أن تموت أو يتم ارجاعها إلى عُمق البحر، من هذا الأمر نشئت فكرة التحدي الذي لا رجعة عنه، أول من ابتكر هذه اللعبة شابٌ روسي في العام 2013 تمّ اعتقاله فيما بعد بتهمة الترويج لإيذاء النفس والتسبب في انتحار ستة عشر فتاة في روسيا جميعهن لم يتجاوزن السادسة عشر من العمر.

انتقلت عدوى "الحوت الأزرق" إلى الكثير من البلدان وتزايدت أعداد الضحايا، ويتم الترويج إليها من خلال صبغها بالغموض والإثارة ليقع مَن يقع من هؤلاء الاطفال المُغرر بهم في شِرك التجربة وخوض غمار التحديات. ينتمي من يشترك في التحدي لمجموعة مُترابطة من المُتسابقين، يقوم الفريق بالعمل جنباً إلى جنب لتجاوز التحديات والاستمرار في اللعب، وبالتالي يدخل عُنصر "المُنافسة" حيّز اللعبة مما يشحذ الطاقات ويزيد اللاعبين حماساً ورغبةً في الانتصار عند كل مرحلة.

ضحايا هذه اللعبة هُم الاطفال الذين ترزح عائلاتهم تحت وطأة البؤس والحرمان، في مُجتمعاتٍ تُعاني الامريّن من حياة تنعدم فيها أساليب الوقاية والتثقيف الصحيّ/النفسي وتعاملٌ سلبي مع وسائل التكنولوجيا الحديثة. الانتحار ظاهرة لها الكثير من الأسباب التي ترتبط غالباً مع الاضطرابات العقلية والضغوطات النفسية والاجتماعية، ظاهرة تستدعي إجراءات وقائية عاجلة وحَملات توعية وتثقيف على نطاق واسع، لا بدّ من دراسات وابحاث تؤدي لعلاج الاسباب بدلاً من حصد النتائج.

يتوجب على الحكومات حظر هذه الألعاب التي أثبتت خطرها والتصدي ومُواجهة ظاهرة الانتحار من خلال دراسات وأبحاث ينتج عنها فهماً دقيقاً لمكمن الخلل
يتوجب على الحكومات حظر هذه الألعاب التي أثبتت خطرها والتصدي ومُواجهة ظاهرة الانتحار من خلال دراسات وأبحاث ينتج عنها فهماً دقيقاً لمكمن الخلل
 

هُناك سؤالٌ يتبادر إلى الذهن في غمرة التفكير والبحث، سؤالُ بسيط لكنهُ في صُلب الموضوع، إذ كيف للُعبةٍ الكترونية أن تؤدي إلى موت أولئك الأطفال انتحاراً، أولئك الذين لم يَخبروا إلّا القليل من ضغوطات الحياة وتحدياتها؟ وكذلك؛ كيف وصل "أولئك" الضحايا لإنهاء حياتهم كي لا يخسروا في تحدي قائمٌ على إيذاء الذات وقتلها بالتدريج؟

قد يُقلل البعض من خَطر هكذا ألعاب أو يعزو حالات الانتحار لبيئة المُنتحر، نعم قد يكون الحال أسوأ في بيئاتٍ اجتماعية ينعدم فيها حسُّ المسؤولية والتكافل الاجتماعي، ولكن الخطر يكمن في الابتزاز والتهديد وقبل ذلك فيما قد يُشبه إلى حدٍ بعيد "تنويماً مغناطيسياً" للمُراهق والتُحكم بهِ عن طريق شاشة هاتفٍ ذكيّ.

يتوجب على الحكومات حظر هذه الألعاب التي أثبتت خطرها والتصدي ومُواجهة ظاهرة الانتحار من خلال دراسات وأبحاث ينتج عنها فهماً دقيقاً لمكمن الخلل مثلما أسلفت، وكذلك الدعم النفسي للمراهقين وحمايتهم من أسباب اللجوء لهكذا تحديات خطيرة من خلال التوعية سواء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعية أو المدرسة والعائلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.