شعار قسم مدونات

صفقة القرن.. كيف غيُّرت سياسية العرب تجاه إسرائيل؟

مدونات - ترمب وبن سلمان

طالما كانت القدس قضية أمّة وخطا أحمراً لا يمكنُ تجاوزهُ، كان هذا قبل أن يأتي ترامب. ولما جاءَ الماردُ ابن العام سام تمرّدت سياسة العرب كذلك، فأصبح لإسرائيل حقُ دولةٍ على أنقاض فلسطين الأبية. بعضهم يرى في حلّ الدولتين مخرجاً للصراع الأبدي على أرض مغتضبة؟ وآخرُ يعتقد أن لإسرائيل حقُ العيش كما لفسطين حق الحياة؟ فما الذي غيّر سياسية العرب تجاه إسرائيل؟ أهو سحرُ ترامب أم هو رضوخ لأمرٍ واقعٍ لا مفر لهم منه؟ ثمّ ما معنى أن ينخرط العربُ في صفقة القرن؟ وأي مستقبل للقدس في ظل الواقع الراهن؟ وما مصير الإرادة الشعبية الفلسطينية وحقهم في العودة؟ أم هي الصرخة المحبطة قبل المعركة الأخيرة؟

 
لعلّنا لن نستطيع أن نسبر أغوار السياسة وما يدور في رفوفها المغلقة وغرفها المظلمة التي تكون غالبا محاطة بالأسرار والمكائد والخُدع، لكننا يقينا نستطيعُ أن نجمع قطعَ النرد المترامية في لعبةٍ قديمة جديدة وصراعٍ لا يغلب على طاولته الحظ بقدر ما تغلب عليه القوة وموازين العسكر والسياسة. لقد كانت القدس منذ عهد الدول العربية بالاستقلال حلبة صراع، جرّت على العرب ويلات الحروب ونكساتها ونكباتها. غير أن لا أحد تجرأ أن يقول إن لإسرائيل حق العيش بسلام، على الأقل ليس علناً، قبل أن يأتي دونالد ترامب. القطعة الأساسية في لعبة الشرق الأوسط الجديد. حلفاء القضية الفلسطينية أصبحوا أكثر ميلاً إلى الرضوخ لرغبة المارد ترامب، الذي زعزع العالم خلال فترة الانتخابات ثم جعله لا يستقر على قرار بعد أن خلق مفاجآت كثيرة في السياسة الدولية. لعلّ أهمها كسب ولاء السعودية لأمريكا بشكل أعمى وبلا شروط. ثم إعلانه بيع القدس في صفقة أطلق عليها صفقة القرن.

 

الوضع الراهن الذي تمر به المنطقة، شجع ترامب الحليف الأول للدول الوصية على الأراضي المقدسة وحليف إسرائيل وراعي مصالحها، على التوغل عميقا في الشرق الأوسط

في قرار لا يبدو مفاجئا كان ترامب قد أعلن نقل سفارته في إسرائيل إلى القدس. تكون بذلك الخطوة الأولى في التصعيد، اعتبرها البعض جصا لنبض الشارع العربي الذي لا تتماشى إرادة شعوبه مع مبتغى حكامه في الغالب. كانت الخطوة قد استفزت بلا شك مشاعر العرب جميعا، فخرجت في جل العواصم مظاهرات احتجاج. رُفعت شعارات وتعالت أصواتٌ وكثر الشجب والتنديد، لينتهي كلّ الصراخ بارداً كبقية اجتماعات العرب. انتهى الزحام وتشتت الجمع ونقل المارد ترامب سفارته إلى القدس تحت احتفال رسمي إسرائيلي بهيج. 

 
لقد بات الحاكم العربي أكثر مرونة في ما يتعلق بالسياسة والآراء تجاه القضية الفلسطينية، إذ أنتجت سياسة ترامب في المنطقة آراءً جديدة من قبيل مبدأ حل الدولتين، أو الحق في العيش بسلام لإسرائيل. تصاريح تخدم قيام الدولة الصهيونية، أمراً كان غير ممكن الخوض فيه منذ مدة، على الأقل ليس في حكم ترامب. فهل صارت الدول العربية تحت رحمة سياسة تفرض عليها القبول بالأمر الواقع؟ لقد صار تواجد إسرائيل أمراً محسوماً ولا غبار عليه، باعتبارها رابع قوة عسكرية عالميا، واستحواذها على القوة النويية في الشرق الأوسط دون الخضوع لرقابة دولية، ثم في غياب تام لجيش عربي يمكنه أن يزعز ثقة الصهاينة، اللهم رباطة جأش الفلسطينيين الذين لا يملكون إلا أجسادهم وأرواحهم سلاحا أمام الآلة الغاشمة والعدوان الظالم الذي يطالهم كل يوم وهم في طريق العودة المباركة. نفسها حكاية ترامب التي وقعت صفقة القرن بمباركة صمتِ العرب، هي نفسها التي منعت قرار مجلس الأمن تقدم به العرب لحماية الفلسطينيين دون طائل.

  
إن الوضع الراهن الذي تمر به المنطقة، شجع ترامب الحليف الأول للدول الوصية على الأراضي المقدسة وحليف إسرائيل وراعي مصالحها، على التوغل عميقا في الشرق الأوسط في حرب كسب الولاءات التي تخوضها دول الشرق من أجل عيون ترامب وكسب رضاه ومباركة إدارته. وضعٌ يضعُ كل خطط الدفاع عن القدس الشريف خارج حسابات الحلفاء التقليديين لفلسطين المكافحة. ونحن نتابع على شاشات الجزيرة والقنوات الدولية التي ما تزال تملك درة إنسانية، مجازر الصهاينة وغزواتهم التي تباركها الإدارة الأمريكية وصراعا غير متوازن ولا متكافئ يكافح في حربه الشبان الفلسطينيون الذين لم يجدوا غير أجسادهم اليافعة، وأيدي شاباتٍ ناعمة يقاتلن برغبة ملحة بسلاح العزم والإصرار تواجههم فيها آلةٌ عسكرية قاتلة وعدوان جسور لا يفرق بين طفل ومسن، وبين امرأة وطفلة صغيرة حالمة. بينما يتصارع العربُ على نقطة نفوذ ليدمروا ما تبقى من خريطة ممزقة وجسد قومية نخرتها الصراعات الجانبية، صارت إسرائيل على درب تأكيد سيطرتها إداريا وعسكريا على القدس الشريف، بمباركة ترامب الذي يكيل بمكاييل متعددة ويضرب ظهر حلفائه وهم لا يشعرون، أن على الأقل لا رغبة لهم في أن يشعروا.

     undefined

  

إذا كان لكل صفقةٍ طرفٌ يبيع وآخر يشتري، فمن كانَ يبيع القدس بثمن وهمٍ يقدّر بنفوذ وتحالف غير موثوق؟، ومن الذي اشترى مقابل مصالحَ ترفع الجار وتضعف الجار وتتآمر ضد أخ وتقتل أخاً ؟، وأين تمت الصفقة؟ ألا يمكن أن تتم في ظلمات القصور وتحت طاولات قمارٍ أعدها المارد ترامب ليقامر على ساحتها العرب من أجل واقع جديد؟ ألا يزكي انفتاح السياسات الخارجية لبعض الدول العربية هذا البيع والشراء ؟، ألا يمكن أن تكون القدس موضوع صفقات بمليارات الدولارات تؤديها دول بعينها للسيد ترامب رغبة وتقربا إليه؟ هذا، وتظل الأسئلة غيظا من فيضٍ تضع أمام هذا الواقع علامات استفهام كثيرة وكبيرة كبر المعضلة التي تواجه القدس.

  

القدس الأبية بشعبها وتاريخها والتي كانت على مر تاريخ العرب أرض احتلال ومؤامرات وتدافع وقتال، قتال الأخ أخاه، وحرب الجار ضد الجار نائية بإسرائيل عن كل صراع، في حين ترك الفلسطيني الذي ما زال يملك من النفس والروح ما يجعله يقف طالبا الشهادة على أقل تقدير وتحرير بيت المقدس هدفا لا محيد عنه، في مواجهة العدوان الغاصب كما تتركَ الشياه في يدِ الجزار، يخيفها الذئب ويذبحها حاميها بيده وبسكينه. يقول المثل القديم صديقُ صديقي صديقي، بهذا المنطق يصبح حليف حليفي حليفي، فيقف بعض العرب إلى صف أمريكا التي تصطف إلى جانب إسرائيل وتدافع عن مصالحها، تصبح الصفقة هنا واضحةً.

 

وتتضح بشكل جلي أطراف عملية بيع وشراءٍ، يشتري خلالها الحليف حصانةً وولاءً ويبيع فيها حليف الحليف كل شيء من أجل لا شيء. فكلما عهد الراعي إلى الذئب حراسة القطيع، انقض الذئب عليها وخلف مجازر لا يرعى فيها حق الحليف الضعيف. سيظل الجزارُ يلعبُ دور الحامي والحصن والحليف الموثوق بينما تخشى الشياهُ أنياب الذئب، سيستمر الجزار في مجازره وسلخه أكباش الفداء يوما بعد يوم، إلى أن ينفردَ بالأمر وحده، حينها لن يكون أمام الفلسطيني إلا الوقوف بنفسه أمام دولةٍ تقوت على أنقاض العرب، وتأسست على جرح الخذلان والمؤامرة وسيجد نفسه دائما جنديا في الصف الأول بلا سلاح جرّدته العروبة من كل شيء إلا من روح الإنسان وحب الأرض ودعم شقيقٍ ولدته أمه وأنجبته أرضه، يغمره الشعور بالخذلان من أشقاء لم تلدهم أمه عاشوا في القصور وتآمروا على الأحياء على الأرض وفي القبور. حينها يصبحُ جليا من يبيع من ومن يشتري الضلالة بالهدى ويبيع الحق من أجل الباطل، وطالما كان الباطل زهوقاً يمحقُ صفقةً ويمحق معها وجوداً ونضالاً، وهم لا يشعرون.

  
فبأي حديثٍ بعده تومنون.. ألا ساء ما يحكمون…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.