شعار قسم مدونات

الانتخابات بين تركيا والدول العربية

مدونات - أردوغان تركيا

أردوغان شخصية قيادية مؤثرة.. ذلك محل اتفاق، حتى أعدائه ومعارضيه يتفقون على ذلك، والمعارضة التركية تعارض ولكن لا تهدم اقتصاد البلاد مثلا لتصل للسلطة وليس لديهم اتحاد خراب للوصول للحكم كالذي لدينا. حتى في فترة الانقلاب الذي حدث سنة 2015، خرج ألد معارضي أردوغان للتنديد بتلك المحاولة.

  
‏أثناء حديثي مع أتراك كثيرين خلال فترة تواجدي في تركيا، وجدت أن اختيارهم دوما "عقلاني" أي لم يختاروه طوال هذه السنوات لأنه "زعيم" بل لأنه "ناجح". حتى في انتخابات الليلة الماضية، الذين صوتوا لأردوغان استندوا على إنجازات عملية ملموسة بدلا من (وعود) المعارضة، والإنسان العاقل لن يترك الواقع ليركض وراء الكلام .من المفارقات التي توضح حجم اختلاف ثقافة الشعوب هي حالة دولة "أرمينيا" المشابهة جدا لحالة تركيا، هناك حدث نفس التغيير التركي تقريبا، "بعد انتهاء الفترة الرئاسية الدستورية ينتقل الرئيس لرئاسة الوزراء -أو العكس- وينقل صلاحياته معه دستوريا" فرفض الشعب هذا الأخطبوط ونجحوا في إسقاطه!. الاختلاف الجوهري بين الحالتين (التركية والأرمنية) هي أن الحالة الأرمنية كانت تزداد سوءا، بينما في الوضع التركي كان المواطن يعايش تحسنا ملحوظا في جميع الأصعدة عكس تراجع الوضع لمستويات مخيفة في أرمينيا.. لذلك كان معيار كل شعب هو (النجاح) وليس (الشخص).

  

نذهب الآن لمقارنة الانتخابات التركية بالعربية، فلسان حال بعض العرب يقول، ما كمية هذا التخلف والغش الانتخابي في تركيا؟ هل يعقل انتخابات رئاسية وبرلمانية في يوم واحد؟ هل يعقل، لا توجد دبابة ولا مدرعة واحدة أمام اللجان الانتخابية؟ ألا يوجد مواطنين شرفاء ليرقصوا أمام اللجان على أنغام تسلم الأيادي التركية او بشرة خير العثمانية بأحذيتهم وألبستهم المهترئة؟ هل يعقل لا يوجد في تركيا مرشح رئاسي محترم يقول: "سأعطي صوتي للسيد الرئيس كي يكمل إنجازاته"؟ هل يعقل بعد كل ذلك، النتيجة تظهر في نفس اليوم؟ 

  

نرجو أن تكون ⁧الانتخابات التركية⁩ بمثابة صعقة كهربائية توقظ العرب من غيبوبتهم الطويلة، في طريقة تنظيم انتخاباتهم هذا إن وجدت

لم أسمع يوما بتركي حتى وإن كان من ألد معارضي أردوغان الذين يشتمونه ليلا نهارا، يتحدث عنن تزوير انتخابي! ثم يخرج عليك بعض من إعلامي الدول العربية التي تحتاج لعشرات السنوات لتصل الى ما وصلت اليه تركيا بفضل أردوغان، كأكبر المطارات والمستشفيات في العالم، تصنيع السلاح والغذاء والدواء إلخ، لتتهمه بتزوير الانتخابات! من المستحيل أن يحدث ذلك بتركيا. هنا يوجد شيء اسمه قانون، اطلب مثلا من موظف تركي بسيط يقف على باب دائرة الهجرة والإقامات رقم هاتفه، سيصيح عليك بكلمة واحدة "ممنوع قانونيا"، سيصر عليك العقل العربي الذي لم يعهد النظام والقانون لتعيد الإلحاح وتقول له "لا بأس دبرها بمعرفتك" سينظر إليك باندهاش أكبر وكأنه يقول لك، ألا تفهم ماذا يعني قانون؟! فعن أي تزوير انتخابات يتحدث قومنا! 

   
الغرب أيضا يعاني من شيزوفرينا سياسية، هو الذي يناصر ويبارك لبوتفليقة عهدة خامسة ويفترش للسيسي السجاد الأحمر وساكت عن مهزلة انتخابية أجراها بشار الأسد في وضع إنساني مدمر، فاز فيها بنسبة 99،99 بالمئة، ليطل علينا منتقدا أردوغان. شخصيا إن عاينت مثل تلك الانتقادات له، فإنني أفكر فورا عن أسباب تلم الشيزوفرانيا ولماذا أردوغان بالذات؟ منذ مدة انتشر مقطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسيدة جزائرية قابلت بالصدفة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فما كان منها إلا أن بكت وأمطرته بوابل من الدعاء وأشادت بما قام به لبلده. كانت في حالة دهشة وفخر عارم، قالت له بالحرف الواحد "لا أصدق بأنك تقف أمامي، هذا كان حلمي وتحقق، فأنت حمايتنا نحن كمسلمين". دعونا من كلامها فهو يمثلها لوحدها في النهاية، لكن ما يجب أن نقف عنده ونعترف به جميعا ونتفق عليه، هو أنها لو لم تشعر بفراغ رئيس بلادها الذي لم تر منه ما رأت من أردوغان، لما عاملت الرئيس التركي بكل ذلك الاعتزاز وكأنها لا تمتلك رئيسا، ولأنه فعلا، يعد في قائمة الأحياء الأموات وحالها كحال العديد من العرب الأخرين الذين يعتبرون تركيا في عهد اردوغان ملاذا آمنا لهم وتعويضا لهم عن روؤسائهم الفاشلين.

  

نرجو أن تكون ⁧الانتخابات التركية⁩ بمثابة صعقة كهربائية توقظ العرب من غيبوبتهم الطويلة، في طريقة تنظيم انتخاباتهم هذا إن وجدت. نسبة المشاركة، الشفافية، النتائج التي تعكس إرادة الناخب الحقيقة، النزاهة حتى بين ألد معارضي أردوغان. التجربة التركية نموذج يجب أن يحتذي به العرب لصناعة مستقبلهم. كفى مكابرة فارغة، قد أصبحتم في ذيل قائمة أمم الأرض ومازلتم تخونون وتنتقدون أردوغان فقط لأنه يجاهر بتلاوة القرآن في بلد علماني!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.