شعار قسم مدونات

المونديال بنكهة عربية.. دروس وعبر

مدونات - مونديال 2018 المغرب

يحتفل العالم كل أربع سنوات بالمونديال، عرس كروي تتبارى فيه أقوى المنتخبات العالمية على لقب يعتبره المتتبعون للشأن الكروي الأغلى في عالم المستديرة، يجتمع فيه العالم في بلد واحد، يتقاسم الناس الأرض والحب والفرح والسلام، يتعايش فيه شعوب العالم ويعرض كل طرف ثقافته وتاريخه للآخر، يقضي الجميع أوقاتا ممتعة قبل أن يعودوا إلى أوطانهم محملين بدروس وعبر كثيرة.

    
الملفت في النسخة الروسية لكأس العالم هو مشاركة أربعة فرق عربية، المغرب، تونس، مصر والسعودية، اعتبرت الصحافة العربية هذا الحدث إنجاز تاريخيا، لكن بعد انطلاق المنافسة وبمرور المباريات تساقط العرب تباعا في ساحة المعركة، فوارق كبيرة ظهرت بينهم وبين الآخرين، الكثير من الإخوة العرب تحدثوا عن سوء الطالع الذي لازم منتخباتهم، فرغم تقديمهم لأداء جيد في مواجهة الكبار انتهى بهم المطاف خارج المسابقة قبل أن يسدل الستار على دور المجموعات، سقط العرب مجددا مثلما اعتادوا السقوط في مختلف المحافل الرياضية والسياسية والعلمية، سقط العرب مند سقوط الأندلس على يد الإسبان منذ قرون لكنهم لم يستوعبوا الدرس، ومند ذلك الحين ظلوا أسفل الترتيب واعتبره الكثير منهم مكانه الطبيعي.

 

العرب اختاروا طريقا خاطئا للتعريف ببلدانهم وتسويق رأس مالها المادي والبشري في المحافل الدولية، لأنهم راهنوا على الكرة قبل أن يراهنوا على الوعي

هذا الواقع اعتدنا مشاهدته منذ سنوات، العرب دائما في آخر التصنيف، من كأس العالم إلى الألعاب الأولمبية مرورا بمسابقات إقليمية ودولية أخرى، يلهث العرب وراء الإنجازات لكن لا عزاء إلا في بعض الاستثناءات، مل المواطن العربي من مشاهدة إنجازات قديمة على شاشات التلفاز تعاد كل سنة لتنسي الناس فشل الدهر كله، عداء عربي فاز بميدالية في ألعاب القوى أو منتخب عربي فاز صدفة على منتخب أوروبي أو دولة عربية اجتازت دور المجموعات في مسابقة عالمية.. كل هذا حدث في سنوات الحرب الباردة أو قبلها بقليل..

   

الكثير من العرب يا أخي وببساطة فشلوا في السياسة والاقتصاد فكان من الطبيعي جدا أن يفشلوا في مجالات أخرى كالرياضة، لأن النجاح مفهوم عام يشمل مجالات الحياة المتعددة ويبنى تدريجيا على سواعد المواطنين الحقيقيين، ثم إن النجاح الرياضي لا بد أن يسبقه نجاح سياسي واقتصادي وتعليمي وصحي وتكنلوجي.. الحقيقة التي يتجاهلها جل العرب والتي كانت سببا في سقوطنا الدائم وفشلنا القديم المتجدد في جميع مناحي الحياة، هو تخبطنا في فوضى شاملة، كل هذا نتيجة طبيعية لواقع مضطرب لا يؤمن فيه الساسة بالعدل وسيادة القانون من أجل بناء الدولة القوية، ولا بضرورة العمل والمثابرة كشرط أساسي لتحقيق النجاح.. وكما قال جودت سعيد في وصفه للعمل أنه قدرة وإرادة، فالنجاح أيضا قدرة وإرادة، قدرة مستمدة من الوعي الجماعي للشعوب ومن توفر الإمكانيات المادية التي تتكفل الدولة بحفظها وصيانتها من أيادي الفساد، وإرادة يحملها كل مواطن على عاتقه مفادها ضرورة المضي قدما في مسار النمو والتغيير الاقتصادي والاجتماعي والتضحية في سبيل رؤية علم الدولة يرفرف عاليا في سماء الدول الأخرى ليعترف العالم بوجودنا على هذا الكوكب الفسيح.

   undefined

 

العرب اختاروا طريقا خاطئا للتعريف ببلدانهم وتسويق رأس مالها المادي والبشري في المحافل الدولية، لأنهم راهنوا على الكرة قبل أن يراهنوا على الوعي، وراهنوا على الموسيقى والغناء قبل أن يراهنوا على روح الشعب التي توقد حرارة في قلوب مواطن سئم الفشل وبات مستعدا للمساهمة بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق النهضة الشاملة، الساسة العرب لم يبثوا في نفوس مواطنيهم محبة أوطانهم لأن الظلم والقهر الذي يعيشه المواطن بات يحجب عنه جمال الأرض ونور الحياة، غياب إرادة التغيير في إدراك السياسي العربي جعلته إنسانا حبيس شهواته ونزواته الشخصية، فتطاول كثير منهم على مال الله وأرزاق العباد ونسي أنه محاسب أمام الله وأما الشعب الذي اختاره ليحمل راية بلده عاليا في مسلسل الديمقراطية، ديمقراطية لا تعدو كونها مسرحية مبتذلة في معظم أقطار الوطن العربي الكبير.

  
إذا كان البعض منا مثلا ينادي بمقاطعة الكرة فهو يقصد بالدرجة الأولى مقاطعة مسؤول سياسي لا يفكر أبدا في مصلحة وطنه بالقدر الذي يفكر في مصلحته الخاصة، ومقاطعة مسؤول سياسي استغل كأس العالم للسطو على ميزانية الدولة وحجز فنادق ومنتجعات سياحية ليقضي إجازته الخاصة مرفوقا بعائلاته ولائحة عريضة من أصدقائه وصديقاته، إذا كان البعض منا ينادي بالمقاطعة فقد حملته الغيرة على وطن يمنح عارضة الأزياء شرف ارتداء علم بلاده في روسيا وكأنها ترتدي فستانا في دار الأزياء، علم ضحى من أجله المواطنون الشرفاء بحياتهم وأموالهم أيام الغزو والاحتلال، يا حسرة على وطن لم يجد من يمثله في روسيا إلا عارضة أزياء..
  

على الشعوب العربية تحمل مسؤولياتها في كل ما يحصل، التغيير ليس كلمة تزين الألسن ولا وصفة سحرية تعد في لحظات وتوتي أكلها كل حين، التغيير نتاج وعي جماعي ورغبة حقيقية في المضي قدما بأوطان عانت كثيرا من ويلات الحروب والشتات ولا زالت تعاني إلى اليوم من التبعية للغرب والفشل والضياع، على الشعب أن يتحمل مسؤوليته وأن يدع العاطفة جانبا، التغيير هو تضحية وكبح لجماع العاطفة ولو بمقاطعة مباراة في كرة قدم تعبيرا عن رفض واقع مرير، لا يعترف إلا بالفاسدين. نحن العرب نعلم جيدا أن شعوبنا جبلت على حب الكرة، لأن جميع الأبواب أوصدت في وجوه مواطنيها فلم تجد في غيرها سبيلا للفرح ولو مؤقتا، لكن لما عادت منتخباتها من روسيا بخفي حنين، عاد الواقع إلى سابق عهده، أوطان حزينة وفشل وضياع، وبقي الغرب في المقدمة والعرب في المؤخرة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.