شعار قسم مدونات

كيف تؤثر ترجمة الروايات على فهمنا لها؟

blogs كتب
نشأت الرّواية كشكلٍ من أشكال الأدب في مطلع القرن الثّامن عشر في انجلترا، عن طريق ثلاثة كُتّاب وضعوا أساسًا لهذا النّوع من الأدب الذّي يُعالج النّفس البشّريّة، تقلّباتها، حالها، رغباتها، مميّزاتها وهم: دانييل ديفو، صامويل ريتشاردتسون، هنري ميلنغ)، وقد لعبت نساء الطّبقة الوسطى في انجلترا دورًا مهمًّا في نشر واستحواذ فنّ الرّواية بسرعة كبيرة، وذلك لما وجدنه فيها من قربٍ للروح وتسلية للعقل.

وقد تأخر العالم العربيّ في اللّحاق بهذا النّوع من الأدب، فقد بدأ الكتّاب في أواخر القرن التاسع عشر بكتابة الرّواية العربيّة، متأثرين بشكلٍ كبيرٍ جدًا بالرّواية الغربيّة والكلاسيكيّة الطّاغية فيها، وقد كان رفاعة الطهطاوي أول من أصدر روايةً في العالم العربيّ تحت عنوان (تلخيص الإبريز) وبعدهُ فرح انطوان برواية (المويلحي)، ليأتي جيلٌ لاحقٌ في بداية القرن العشرين ليثّبت أقدام الكتّاب العرب في هذا الفن وهم طه حسين، جورجي زيدان، محمود تيمور، توفيق الحكيم، ومحمد حسن هيكل، ونلاحظ أنّ معظم الرائدين في كتابة الرّوية خرجوا من مصر، ويعود السبب في ذلك تواجد فرنسا وانجلترا في تلك الحقبة في بلادِ النّيلِ والشّام، لينقلوا باستقرارهم هنا بعضًا من ثقافتهم إلى الشّعوب العربيّة وبذلك انتقلت معهم الرّواية.

أهم شيء قبل البدء بعمليّة التّرجمة هو فهم النّصّ، والتمكن من سرد النّص في اللّغة العربيّة والبحث عن أساليب ممتعة في اللّغة العربيّة تُسهّل عمليّة نقل النّصّ إليها

أمّا عن ترجمة الرّوايات من اللّغات الأجنبيّة إلى اللّغةِ العربيّة فقد تأخر أيضًا، فخطا طه حسين أولى الخطوات في التّرجمة، عندما أسّس دارًا للنشر تترجم الروايات الفرنسيّة بالتزامن مع صدورها في فرنسا، وقد كانت هذه الخطوة في الخطوة الأمثل في عالم التّرجمة في العالم العربيّ. وعلى الرغم من السّنوات الطّويلة التّي مرّت على نشوء الرّواية، تواجد المترجمين والأعداد الكبيرة التّي تُرجمت إلى العربيّة، إلّا أنّ هناك أزمة ثقة بين القارئ والمترجم في العالم العربي، وتنبع هذه المشكلة من كون معظم التّرجمات تكون مختلفة عن الرّواية الأصليّة، غير شيّقة، لا تحقّق ذات المبيعات التّي حققتها في العالم الغربيّ.

في الفترةِ الأخيرة بدأت بقراءة ترجمات معاوية عبد المجيد عن الاسبانيّة والإيطاليّة في رباعية مقبرة الكتب المنسيّة ورباعيّة نابولي صديقتي المذهلة، تشعر عندما تقرأ ترجمات معاوية بأنّك تقرأ روايةً لهُ، هو كاتبها، وهو من عاش في أزقّة نابّولي وبرشلونة، كانت تجربتي هذه هي الدافع الحقيقيّ وراء بحثي عن مترجمين بمستوى معاوية في التّرجمة.

إضافةً إلى معاوية فإنّ صالح علماني متفوّق بجدارة في ترجمة أدب إيزابيل الليندي، رواياتها التّي تستمتع بقراءتها في العربيّة كما في اللاتينيّة، ولا يمكن ذكر التّرجمة بدون التّطرق إلى دور سامي الدّروبي في ترجمته لروايات دويستويفسكي والتّي هوّنت كثيرًا على القارئ العربي في تلقّي أدب الأديب الرّوسي الأهم على الإطلاق. شخصيًا كنت قد قرأت في بداية قراءاتي عملًا لدوستويفسكي بترجمة مختلفة عن ترجمة الدّروبي، لم أتمكن من الاستمتاع بها ولا تقبّلها بأيّ شكلٍ كان، تركت الرّواية في منتصفها، ثمّ عدت في بداية هذا العام للقراءة لكن رفقة التّرجمات الصّحيحة والأكثر تشويقًا من غيرها.

من المهم اختيار ترجمة جيدة أثناء اقتناء الكتب، ذلك لضمان الاستمتاع بالقراءة والاستمراريّة أيضًا، فالكتاب المملّ والتّرجمة السّيئة تُنفّر النّفس من الاستمرار بعمليّة القراءة
من المهم اختيار ترجمة جيدة أثناء اقتناء الكتب، ذلك لضمان الاستمتاع بالقراءة والاستمراريّة أيضًا، فالكتاب المملّ والتّرجمة السّيئة تُنفّر النّفس من الاستمرار بعمليّة القراءة
 
لماذا من المهم اختيار ترجمة جيّدة للقراءة؟

إحدى المشاكل التّي تواجه القارئ أثناء القراءة، هي عدم الرغبة في اتمام الكتاب الذّي بدأ به، يكون السّبب أحيانًا عدم الاهتمام في موضوع الكتاب، عدم الرغبة في القراءة، نفسيّة غير جيدة لتقبّل الكتاب، وأغلب الأحيان يكون السبب عدم وجود سرد شيّق وملفت يدعو إلى الانتهاء من الكتاب. نواجه هذه المشكلة من خلال الأدب المترجم بشكلٍ خاصّ، حيث يقول معاوية عبد المجيد إنّ أهم شيء قبل البدء بعمليّة التّرجمة هو فهم النّصّ، وأضاف من المهم التمكن من سرد النّص في اللّغة العربيّة والبحث عن أساليب ممتعة في اللّغة العربيّة تُسهّل عمليّة نقل النّصّ إليها.

لذا من المهم اختيار ترجمة جيدة أثناء اقتناء الكتب، ذلك لضمان الاستمتاع بالقراءة والاستمراريّة أيضًا، فالكتاب المملّ والتّرجمة السّيئة تُنفّر النّفس من الاستمرار بعمليّة القراءة، لذلك نجدُ بُعدًا بين الجيل الحالي وبين الكتاب، اللغة، ويفضّل كثيرٌ من القرّاء المتمرّسين في بقيّة اللّغات من قراءة العمل بلغتهِ الأصليّة، لكن ماذا عن القارئ العربيّ البسيط المحتاج لترجمة شيّقة تضمن لهُ قراءة ممتعة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.