شعار قسم مدونات

رسائل في العصيان المدني

BLOGS عصيان مدني
إن الساحة في مصر اليوم جاهزة من جهة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للاستجابة للعصيان المدني، لكنها مثل عربات القطار التي ليس لها قاطرة أو محرك. ودورنا أن نوجد الخطة والقيادة والقاطرة التي يتوافق عليها الغالبية، لتتحرك معها باقي عربات القطار. الثورات عامة تحتاج لأشكال مختلفة من مستويات المقاومة. ولا تنجح الثورات بالعمل السياسي والحقوقي والقانوني وحده، أو بالمظاهرات والاعتصامات وحدها، أو بالعصيان المدني وحده، أو حتى بالمقاومة الشعبية الواسعة. بل تسقط الأنظمة الشمولية باجتماع كل ما سبق من أشكال المقاومة الشعبية مع الحاجة إلى تفعيل فلسفة (تفكيك أدوات السلطة والسيطرة) وطرح البدائل المختلفة للنظام وأدواته.

 

وقد قلنا سابقا إن من أفضل ما نعمل عليه اليوم وفق الظروف والمعطيات، التخطيط الجاد لفعاليات (العصيان المدني) وهو في أبسط تعريفاته (رفض الخضوع لقانون أو إجراء أو سلطة تعد في عين رافضيها ظالمة) وهو أحد الطرق السلمية والآمنة التي تقاوم بها الشعوب الأنظمة الشمولية المستبدة. إن الوعي بالفقر والعمل على تغييره هو الذي يفجر الثورة، أما مجرد وجود الفقر فليس إلا علامة على تمكن الأنظمة من رقاب الشعوب. وهذا (الوعي الثوري بالفقر) هو أن يدرك الشعب أنه قادر على الخلاص من فقره وأزماته ومظلوميته بيديه. ونحتاج اليوم في ظل نجاح الدعوات المبدئية لحملة العصيان المدني أن نضيف رسائل قصيرة هامة: 

المشاركة الشعبية الضمان الوحيد لنجاح العصيان المدني

أهداف العصيان المدني في أي زمان ومكان تحمل أبعاداً وطنية وسياسية واجتماعية لمصلحة الشعب كله، لكن الأقلية الحاكمة بأدواتها ستظل تدعي أن مصلحة الأقلية هي مصلحة الوطن. ودور القيادة الثورية أن تظهر الفرق بين مصلحة الوطن ككل ومصلحة الأقلية الحاكمة، وهذا يتطلب مشاركة غالب فئات المجتمع، بل ومن داخل المؤسسات والنقابات والتجمعات، ووقوفهم وقفة رجل واحد وفق خطة وقيادة، خاصة في مرحلة التنفيذ والانتقال من التوعية إلى العمل الميداني، وعندها لا يستطيع النظام أن يقمع حركة الأغلبية الشعبية.

إسقاط الأنظمة العربية واجب شرعي وعقلي، ولن تسقط هذه الأنظمة إلا بالعمل الجماعي وليس الفردي أو العشوائي، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

ويجب أن ننتبه أن الجماهير لن تنحاز إلى خطاب إعلامي يكيل لها السباب والنقائص طوال الوقت ويكرر أن الشعب سلبى خانع ويعبد الفرعون ولا يقوى على الفعل، وغيرها من الأوصاف التي تلجأ إليها القوى السياسية الفاشلة، عندما يعجز خطابها السياسي عن تحريك الشارع والتأثير فيه. والقائد الثوري الناجح هو من يحرص على أن يتخذ الخطوة التصعيدية تلو الأخرى بالجماهير المقهورة ومعها، ويرشدها للخطوات التالية الضرورية لتتقدم للأمام وصولا إلى تحقيق أهدافها.

العصيان المدني ووجوب العمل التنظيمي الجماعي

إسقاط الأنظمة العربية واجب شرعي وعقلي، ولن تسقط هذه الأنظمة إلا بالعمل الجماعي وليس الفردي أو العشوائي، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وعلى هذا فإن العمل من خلال جماعة أو تيار واجب شرعي وعقلي، وكذلك كل الدعوات الميدانية مثل العصيان المدني يجب أن تكون دعوات منظمة، وكل من يزعم تغييرا بدون هذا الطريق فهو واهم وآثم.

هل ينجح (العصيان المدني) بلا خطة توافقية ولجان تخصصية؟!

كثيرون اليوم يتحدثون عن العصيان المدني بدعوات عامة وتحميسية، وهذا مهم في رفع الوعي العام بالطبع، لكن المسألة ليست فقط أن تتحدث عن فعاليات وتجارب وأشكال للعصيان المدني، بل يجب العمل وفق خطة تدريجية ولجان متخصصة، يجتمع فيها الثوار في حملة وفق خطة وقيادة لتجد استجابة شعبية في الشارع. لم يتفوق علينا العسكر والمتحالفون معه إلا لأنهم منظمون واصطفوا خلف قيادة واحدة مهما كان بينهم من خلافات وتضارب مصالح، ولن ننتصر عليهم مالم ننتقل من الحالة العشوائية إلى حالة تنظيمية جادة. فبدون خطة تفصيلية ومراحل تدريجية ولجان عمل متخصصة لن تنجح دعوات فعاليات العصيان المدني العشوائية.

إن من ينتظر تغييرا من الجماهير بدون مشروع وقيادة، كمن ينتظر من ذرات برادة الحديد أن تنتظم بدون مغناطيس . ولهذا نحرص في كل دعواتنا السابقة أو حملة (العصيان المدني) الحالية على التأكيد على العمل من خلال حالة تنظيمية، لا فردية أو عشوائية. فالفعل الثوري الجاد هو الذي يوحد الجماهير وينظم صفوفها خلال مراحل النضال. وكلما كان الخطاب الثوري كالسهم مدببا ومحدد الوجهة والمسار كانت فرص حشده للجماهير وإصابته للهدف أعلى وأكبر.

ن رفع الأسعار بهذه الطريقة الجنونية استجابة لشروط صندوق النقد الدولي ينبغي استثماره من الثورة وقيادتها في حشد الشعب المصري المقهور في حملات العصيان المدني
ن رفع الأسعار بهذه الطريقة الجنونية استجابة لشروط صندوق النقد الدولي ينبغي استثماره من الثورة وقيادتها في حشد الشعب المصري المقهور في حملات العصيان المدني
 
التسويق الشبكي للعصيان المدني

في ظل نجاح دعوات العصيان المدني الجزئي في المغرب والأردن ندعو الشعب المصري في حملة (العصيان المدني) أن يلتزم كل عضو بدعوة (3 أفراد) من الثقات، ويلتزم كل فرد منهم بدعوة (3 أفراد آخرين) وهكذا حتى تنتشر الحملة سريعا. ووفقا لحسابات (نظرية) بسيطة ممكن أن تصل فكرة العصيان إلى (5 مليون شخص) خلال 3 أسابيع فقط.. مع انتظار شرارة الانطلاق عند التأكد من القبول الشعبي للفكرة لنعلن معا تحديد نوعية فعاليات العصيان التدريجية وتوقيتاتها.

الثورة ليست معركة من جولة واحدة

لا يمكن تحقيق النصر في المعارك المختلفة مع نظام (الأقلية والفساد والاستبداد والتبعية) إلا بوحدة الجماهير، لكن الطلب من الجماهير، التحرك بدون بوصلة، أو الصمود بدون خطة أو الصبر بلا مسار؛ يعد ضربا من تضييع الأوقات والجهود والتضحيات بلا طائل، ويؤدي إلى الإحباط والفشل . فالثورة ليست معركة بين خصمين متصارعين يحرز أحدهما نصراً على الآخر من جولة واحدة، بل عملية قد تطول من الصراع بين معسكر (الغالبية المقهورة) ومعسكر (الأقلية الحاكمة) التي تقاتل هي الأخرى من أجل الحفاظ على مكتسباتها.

من أراد نصرة القدس فلينصر الثورة في مصر

في ظل مسيرات العودة الكبرى لنصرة القدس والأقصى، وتركيا تحاصر اقتصاديا من صهاينة العرب واليهود، ويتم تصفية ثورة الشام وليبيا، ولكي لا تتوه منا البوصلة . فالطريق إلى نصرة الجميع يبدأ من تحرير (القاهرة) من الاحتلال العسكري بالوكالة؛ فمن أراد نصرة الأمة فلينصر الثورة في مصر أولا. فإن ساحات الثورة لم تتراجع إلا حين تراجعت مصر، وسوف لن تتقدم ثانية حتى تتقدم مصر.

السيسي يدرك اللحظة الفارقة فهل ندركها؟!
الخذلان عن نصرة الحق والوقوف أمام الظالم يجعل وصول الظلم إليك مسألة وقت ليس أكثر، والأخطر أن الله عز وجل يعاقب الجميع بسبب الخذلان عقابا عاما

لقد استغل السيسي اللحظة الفارقة سواء أجازة العيد أو انشغال الناس بمباريات تخدير الشعوب ورفع أسعار الوقود بأنواعه، وبالتالي كل الأسعار سترتفع، الأخطر أن السيسي قال في رمضان ستجدون مفاجآت تسركم بعد العيد، وهذا امتدادا لساديته واستمتاعه بالسخرية من الشعب المصري وتعذيبه، وفي المقابل فإن رفع الأسعار بهذه الطريقة الجنونية استجابة لشروط صندوق النقد الدولي ينبغي استثماره من الثورة وقيادتها في حشد الشعب المصري المقهور في حملات العصيان المدني.

قرارات اقتصادية خاطئة أم تعمد استعباد للشعب المصري؟!

لقد كان إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914 هو الاسم (الشيك) للاحتلال البريطاني. وكذلك اليوم قرض صندوق النقد الدولي وشروطه هو الاسم (الشيك) للاحتلال الاقتصادي والاستعباد الشعبي. وعلى هذا لا يصح التعامل مع هذه القروض وشروطها أنها أزمات اقتصادية أو قرارات خاطئة، فهذا تبسيط مخل جدا، بل إن هذه الإجراءات (إعلان حرب) على الشعب المصري، واحتلال اقتصادي لتركيع مصر وتحويل شعبها إلى (عبيد) في المنظومة الرأسمالية الجديدة. وهذا ما يجب أن نقاومه جميعا في حملة (العصيان المدني).

المتخاذل سيحترق بنار الظلم عاجلا أو آجلا

إن الخذلان عن نصرة الحق والوقوف أمام الظالم يجعل وصول الظلم إليك مسألة وقت ليس أكثر، والأخطر أن الله عز وجل يعاقب الجميع بسبب الخذلان عقابا عاما، فعن أبي بكر الصديق قال يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وإنكم تضعونها في غير موضعها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإني سمعت رسول الله يقول (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) أبو داود. فلا شك أن كل ما يعانيه الشعب من أزمات مختلفة على يد حكم العسكر ليس إلا عقوبة الله لهم لأنهم لم يقفوا أمام الظالم، فهل فاتت اللحظة الفارقة، أم بقي أمام الشعب فرصة آمنة تدريجية يأخذون بها على يد الظالم؛ من خلال فعاليات (العصيان المدني) قبل أن يعمهم الله بالعقاب وتسوء أمورهم أكثر؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.