شعار قسم مدونات

الاستثناء.. ليس إلا كذبة بيضاء!

blogs تأمل
تلك الكذبة التي لن يكتشفها أو يصدقها إلا الذي ينظر في عِداد الكلمات، الذي تسعفه رؤياه أن يرتقب الأفق القابع وراء الحركات والأصوات والحروف، لن يكتشفها إلا من يقرأ بنات أفكاري الآن ويرتسم في ذهنه ما يجول برأسي، فربما أنا وأنت فقط من ينظر في وقت تمارض جميع من يسكن فيه بقصر في النظر..! ولكن.. مهلاً لستُ أقصد بأني وأنت استثناء لأجل ذلك؛ فربما لدينا من الخبرات والتجارب ما لم نستطع تجاهله والتغافل عنه، فنحن هنا لا نملك إلا أن نحكي قصصنا.. أليس كذلك؟ بل هي قصصنا التي أحيانا نرتسمها من خيالنا عندما لا نملك الكلمات لتعويض ما لا نستطيع رؤيته.. أرأيت نحن أيضاً لا نملك أن نرى ما وراء الآفاق كاملا، لكن وإن كان فنحن نحاول على الأقل.. أعلمت مقصودي الآن؟

   
لا يخطر لك بأن هذا الشخص استثناءٌ أبداً، فأنت حتى وإن كانت لديك موهبة التنقيب عن ماضيه وحاضره، ولازمته مدة لا بأس بها، وحاولت أن ترفع مواطن العتمة في شخصه.. فلن تحظى إلا بمعرفة ما يودك أن تعرفه فحسب، سيبقى دائماً لدى كل منا منطقة مشمعة بالأحمر تسير إليها في مسار ضيق كلما اقتربت منها أو بدت تتراءى لك ..تجده بدأ يجول ببصره شاخصاً يحاول أن يصدك بكل ما أوتي من قوة، في نفسه رغبة شرهة بانتشالك ووضعك على أول مفترق طريق ليضيعك من جديد، فكل الذي تعرفه وكل ما تعرفه هو ما يريدك أن تعرفه، ولا يعرف الإنسان إلا نفسه وربه -كن على يقين تام بذلك وتبصر بمعنى اليقين هنا-، الأول نفسه التي هي روحه وساكنته والثاني خالقه وواضع ذلك الروح في ذلك الجسد.
  

ليس كل ما نراه استثناء على إنسان هو استثناء، فأنا لست بكاتب ولكني وإن كنت أملك القدرة على الكتابة لم أغبط كاتباً على ما هو عليه، لا ولم يخيل لي أنه أمر إيجابي حريٌّ بصاحبه أن يُغبطَ عليه

إن كنت تعتقد بأنك رفيق الروح لذاك الإنسان بعينه فاعلم أنك بدأت تصدق الإعلانات وتروج لها، وما كان اعتقادك إلا تأكيداً لبعدك عن ذلك الشخص، فأنت هنا من طائفة الـ (one direction) ذاك الباب للدخول وذاك للخروج حسناً وهنا ممر للعبور..! لا لست أقول لك لا تكن سطحياً، ولا أقول لك كن عميقاً، لا ولا أقول لك كن بديهاً متفتح الذهن.. الأمور أبسط من أن يُعبَر عنها بالبسيطة حتى، فقط كن ناظراً وحسب.. فعندما تعتقد بأنك لا تعلم الانسان كثيراً أو أن هناك ما يجلوه الغباش فأنت تعلم الكثير ولا زلت تعلم فصعبت عليك الرؤية في موضع معين .
 
فليس ذلك العازف استثناء، ولا ذلك القاصّ، ولا ذلك المغني ولا مخرج الغناء، لا ولا ذلك الكتاب.. فهي أشياء تأتي على مقاس حزنك أو فرحك أو واقعك أو حالتك الفسيولوجية أو السيكيولوجية حينها، فتجد حجم الحزن في تلك السيمفونية أو ذلك المشهد التراجيدي جاء متزامناً وقت عرضه مع حجم الحزن بداخلك فأشبع مدى الحزن في صدرك، وذلك مقياس كم أتمنى أن لو ندركه او نلمسه ونتحسسه لبرهة..!
 
أنت تقرأ مقالي الآن لأنه يعبر عن ما لا تستطيع التعبير عنه، أو ربما أن عنواني وقع أمامك صدفة كرسالة ربانية إلهية تبصرة لموقف يريد الله أن يلفت انتباهك له، فالأمور تأتي على مقاسنا فننظر لها نظرة فريدة، وليس كل ما نراه استثناء على إنسان هو استثناء، فأنا لست بكاتب ولكني وإن كنت أملك القدرة على الكتابة لم أغبط كاتباً على ما هو عليه، لا ولم يخيل لي أنه أمر إيجابي حريٌّ بصاحبه أن يُغبطَ عليه، فالكاتب لو تدري يفتت روحه بحزنه يعظم مآسيه ويقدسها بكتابته عنها، يفرح حد الهذيان إن شعر بنشوة الفرح والسرور، لديه من الدراما ما يجعله يكتب عن كل ذلك ويعظمه، فيزيد الحزن حزناً ويرتقص فرحاً ويرتسم في مخيلته أشياء ليست بالحسبان، ربما أن ما تراه استثناء منه يجده هو أمراً يدعو الله أن ينجيه منه..! 
 
ويبقى الاستثناء كذبة بيضاء نكذبها ونصدقها في ذات اللحظة، هي أشبه بأن يقول طفل في الثالثة من عمره لكل مار يعبر من جانبه سوبر دادي (super Daddy) ويهرع وراءه خائفاً أن يضيعه، لست سوداوي أنظر بعين النقص والكآبة لكل شخص، فهذا يذكرني بشخصي عندما حكمت على ديستوفسكي في البداية بما يخيل لك الآن.. ذلك أنه كان يجبرنا بطريقة ما أن نستشعر الجانب السيء في نفوسنا، ويصور أناساً فقدو الايمان وتخلت عنهم الآلهة وماتوا، وإن كان فأنت ستدرك كل ما كنت أعنيه يوما ما، ويخيل لي بأنني أرتقب ابتسامة تسترق الجلوس في قلبك عندها..!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.