شعار قسم مدونات

لا تجعلوا أبنائكم نسخة منكم

BLOGS أب وابنه
لا يجب علينا أن نكون نسخة طبق الأصل من آبائنا وأمهاتنا مع عظم مكانتهم في قلوبنا.. كما هم خاضوا تجارب نجحوا في بعضها وفشلوا في آخرى.. تعثروا وتأثروا.. حلموا وأرادوا.. ثم أصبحوا على ما هم عليه الأن من حقنا نحن أيضا أن نخوض معاركنا الخاصة ونجرب حظنا في هذه الحياة.. سنخطئ ونصيب.. سنتعب ونرتاح.. سنعلو كثيرا لنصل سابع سماء وسنسقط كذلك حتى نصل سابع أرض.. سنحلم ونحلم وربما تتحطم آمالنا وكل أحلامنا..المهم أن تبقى قلوبنا على حلم أو أكثر تحيا في الأصل يجب أن نحلم في هذه الدنيا ونكافح لأجل أحلامنا.. وإن تعبنا واستسلمنا فلنفسك عليك حق.. دعها ترتاح قليلا ثم قم وقاتل فالساحة لك والخيار لك.

والدونا يخافون علينا من الفشل والخطأ والسوء وقد يتجاوز الأمر إلى ما هو أكثر من الخوف حتى يبلغ درجة الهلع والرعب يصابون به فيصيبوا أبنائهم بالرفض والكبت أحيانا.. فربما تجد بعضهم يكسر آلة ابنته الموسيقية خوفا من كلام الناس الذي لا يتوقف على أية حال. ولا يسمحون لابنهم بالخروج مع أصدقائه في رحلة بعيدة قليلا. ويمنعون ابنتهم من الدراسة في الخارج كما أنهم يفهمون أبنائهم وبناتهم أنهم يختارون لهم الأفضل في كل قرار مصيري يخصهم، يضيقون العيش في شتى أمور على أبنائهم وكأنهم نسوا أنهم شباب وهذا هو يومهم وزمانهم الذي خلق ليعيشوه هم لأن بعد ذلك هذا الشاب سيكبر ويصبح رجلا فلا مجال للعودة لأيام المراهقة وتلك الفتاة ستنضج وتصبح مسؤولة عن أسرة وأطفال فلا عودة للماضي. فلم نحرمهم من أيام بعد ذلك سيكتشفون أنه كان من المفترض أن تكون أجمل أيامهم وأحلى أوقاتهم؟!

أنا أدرك تماما أن ما يقوم به الآباء نابع من خوفهم علينا من قسوة الدنيا ووحاشة الأيام لكن الحياة قاسية على الجميع وقد قست على آبائنا قبلنا لكنها علمتهم كثيرا ودليل ذلك حصاد ما وصلوا إليه الآن وما هم عليه في هذه اللحظة إنهم قاسوا وعانوا كثيرا وكذلك فرحوا وعاشوا أياما جميلة لذلك أتمنى أن يتركوا الخيار لأبنائهم في طريقة الحياة التي يريدونها ويدعوهم يجربوا كل شيء في حدود المعقول فلا يبالغوا في مواجهتهم ومحاولة تغيير قراراتهم. الحياة ستعلمهم وتجعلهم أكثر قوة ونضجا مع وجود نصائح الآباء وطيفهم لكنهم بالتأكيد إن هم أصبحوا يختارون لأنفسهم سيتحملون نتيجة خياراتهم ويتعلمون كثيرا.. هنا بالتحديد ستتشكل شخصيتهم بآثار مختلفة فليس هناك داع أن تكون كل آثارهم وأفكارهم وعلاقاتهم وأسلوب حياتهم مقتبس بالنص والكلمة من آبائهم وأوليائهم.

لا تخافوا على أبنائكم لأن الحياة قصيرة والأيام تمر بسرعة كبيرة والكل راحل فلا ترحلوا وفي نفوس أبنائكم مشاعر مكبوتة وأحلام تحطمت بسببكم وفي أرواحهم حسرة وغصة

الحياة والخوض في غمارها يجعل الإنسان مسؤولا وعنده خبرة كبيرة إن أحسن هو ذلك فلا بأس بأن نسافر ونتعلم ونكون علاقات جديدة ومختلفة ونقرأ كتب بعيدة عن أفكار أهالينا فذلك ليس عيبا ولا حراما لا بأس في أن نكتب ونستمع إلى الموسيقى بل ونعزفها أيضا لا ضرر من بعض الحماقات والمغامرات اللطيفة لا بأس في أن نختار لأنفسنا ما نريده ونميل إليه إن لم يكن بهذه الدرجة من السوء والخطورة. أن نختار ألوان ملابسنا ونوع الأغاني والأحلام التي نريد تحقيقها. أن نختار هواياتنا ودراستنا.. طبيعة عملنا.. طريقة حياتنا.. أصدقائنا وشركاء حياتنا.. دعونا نختار ونتحمل نتيجة اختيارنا دعونا نتعلم من كل تجربة بسيطة قمنا بها ونتأثر بكل معركة نخوضها.

 

رسالتي أوجهها إلى كل الآباء ومن بمكانهم اتركوا حرية الاختيار لأبنائكم امنحوهم مجالا من الثقة لا تضيقوا عليهم فهم بشر ولديهم قلوب ومشاعر تميل نحو عوالم ربما لا ترغبون بها سواء كانت هوايات أو أفكار أو أشخاص في النهاية هذا قلب لا نملك التحكم به وبميوله هكذا خلق فليس بأيديكم ولا بأيدي أبنائكم السيطرة الشاملة عليه.. ارضوا بأولادكم وبناتكم واقبلوهم بكل ما فيهم وعدلوا عليهم بقدر المعقول ادعموهم وصاحبوهم حتى لا يبحثوا عن الدفء والحنان في الخارج شاركوهم هواياتهم صفقوا لنجاحاتهم اتركوا لهم الاختيار فليجربوا ويختاروا ويتعلموا ويصلوا بإذن الله.

لا داعي للقلق الكبير من تغيرهم وتغير أفكارهم فالكل يتغير ولا ترتعبوا من اختلافهم عنكم وسلكهم نهجا غير نهجكم فلكل إمرئ فيما يحاول مذهب وإن كنتم لأبنائكم قدوة حسنة في أقوالكم وأفعالكم فلن يكونوا هم عكس ذلك تماما كما إن ما غرستموه فيهم صغارا لن يدمروه تماما وهم شباب وناضجون عدا عن كرم الله فالله لن يضيع قلبا أصله طيب ومن كانت نيته حسنة مهما مال عن الطريق سيسخر الله له من يدله على الصراط المستقيم.

لا تخافوا على أبنائكم لأن الحياة قصيرة والأيام تمر بسرعة كبيرة والكل راحل فلا ترحلوا وفي نفوس أبنائكم مشاعر مكبوتة وأحلام تحطمت بسببكم وفي أرواحهم حسرة وغصة لا يمكن محوها ارحلوا بسلام حتى عندما يحين رحيل أبنائكم يكونوا قد رحلوا وقد اختاروا من هذه الدنيا ما كان لهم نصيب في اختياره عن قناعة ورضا. لا تحاولوا رفض أحلامهم وتدميرها بل شاركوهم أحلامهم وصاحبوهم وعدلوا عليها معهم وبهم …لا تجتهدوا في جعل أبنائكم نسخ منكم في كل شيء دعوهم في هذه الدنيا يقاتلون وادعوا لهم والخالق يحفظهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.