شعار قسم مدونات

كتاب الدولة المستحيلة.. نظرة نقدية لطرح استشراقي (1)

غلاف كتاب الدولة المستحيلة

على كثرة الكتب والدراسات التي تناولت التراث السياسي الإسلامي وعلاقته بالدولة وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، فإن الكتاب الذي صدر سنة 2014 تحت عنوان "الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي" يعتبر توجها جديدا في نقد الطرح الإسلامي المنادي بعودة الإسلام فكرة وطريقة واستئناف الحياة الإسلامية من خلال دولة تؤمن به وتطبقه.

 

وتدور فكرة الكتاب حول نقطة محورية وهي أن الدولة المستحيلة والمقصودة بها هنا هي ذلك النموذج الإسلامي للحكم وأن أخلاقياته التشريعية تتنافى مع واقع الدولة الحديثة والتي وصفها بانها تعيش تعاسة أخلاقية. فهما على طرفي النقيض ولا يمكن للمشروع الإسلامي أن ينصهر في بنية الدولة الحديثة. ويقدم تحليلا لذلك من خلال عقد مقارنات بين النموذجين تركزت في إبراز البعد التاريخي والأيديولوجي لكل من السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية.

 

وبناءا على ذلك فإن الكاتب يصل إلى فكرة مفادها أن المسلمين والقول هنا موجه إلى أصحاب المشروع الإسلامي جماعات وأفراد ملزمين بتبني تصور جديد للحكم يضع ضمن رهاناته المنظومة الأخلاقية وإن كان في الأمر استحالة خاصة في ظل تفشي النموذج الغربي وسطوته الفكرية والسياسة وحتى العسكرية. فالكاتب يريد أن يقنع القارئ أن مثالية الإسلام وتشريعاته هي عقبة في سبيل إيجاده في واقع مليء بمفاهيم الحداثة وبطريقة مبطنة فهو يريد القول أن الدعوة إلى الدولة الإسلامية والتي يحاول تجنب استخدام مصطلحها هي تشتيت للجهود في فكر مثالي وأن الواقع أمر أخر تستحيل المثالية الإسلامية أن تصلحه أو أن تجد له مخرجا.

في ظل الحملات الفكرية المتتالية على الإسلام ومنهجه فإنه يحتم علينا إبراز خبث وزيف هاته الادعاءات ورسم الخط المستقيم بجانب الخط المعوج حتى يتضح نقاء الطرح الإسلامي

ولأجل إثبات دعوته فقد اتخذ منهجا ذكيا في طرحه اعتمد على نقد المنتوج الحضاري الغربي وإبراز انحطاطه وفي المقابل تطرق إلى ما يسميه نظام الحكم الإسلامي بشكله العام وأنه أفكار وأحكام وجدت في الماضي ولكن فكرة استجلابها قد لا تتكرر لاختلاف السياقات الحضارية. فهو يرى أن الدولة الحديثة بما لها وعليها أمرا واقعا ومحتما ولا يمكن القفز عليه أو تجاهله وبالتالي فإن الهدف العملي المثمر هو توجيه النقد البناء للفكر الحداثي من أجل إصلاحه من خلال الاستعانة ببعض التشكيلات الأخلاقية التي يتميز بها النموذج الإسلامي.

 

وهكذا نجد أنفسنا أمام مقاربة ترمي إلى نسف المشروع الإسلامي وتقزيمه وإضفاء الصفة المثالية حوله تجعل من دعاته في قفص الاتهام وأن دعوتهم غير واقعية بل خيالية. وهي دعوة قديمة في ثوب جديد تتبدل كلما اضطرت إلى ذلك وهي معركة فكرية وجودية سارع في إبرازها وجود تيار كبير في الأمة ينادي بعودة الإسلام إلى الحكم والدولة والمجتمع والتصارع الدائم بين المبادئ ومحاولة فرض منطق الغالب على المغلوب.

 

وفي ظل الحملات الفكرية المتتالية على الإسلام ومنهجه فإنه يحتم علينا إبراز خبث وزيف هاته الادعاءات ورسم الخط المستقيم بجانب الخط المعوج حتى يتضح نقاء الطرح الإسلامي وتبيان تكامله وواقعيته. ومن أجل ذلك فان هذا المقال يهدف إلى مناقشة للكتاب الأنف الذكر. تعرف الدولة على أنها ذلك الكيان التنفيذي لمفاهيم وقناعات الناس وبما أنها تنفيذية فهي تحتاج إلى فكر لأن التنفيذ دون فكر هو عبث والدولة غير السلطة. فالأخيرة وإن كانت داخلة ضمن إطار الدولة فإنه يمكن حصرها فيما يسميه الباحثون بقوة القانون المستمدة من الشرعية الإلهية كالإسلام أو العقلية كما في غيره. وتختلف الدول باختلاف الأفكار الأساسية المتبناة في النظر إلى حقيقة الكون والإنسان والتي تنعكس في شكل المؤسسات التي تجسدها الفكرة وتنبثق منها أحكام سيرها.

 

فالدولة في الإسلام نشأت مع أول خطوة خطاها الرسول الكريم باتجاه استلامه الحكم وتوقيعه لميثاق المدنية وتأسيسه لمفهوم الأمة. وتعتبر الدولة في الإسلام أمرا واجب الوجود لارتباطها الوثيق بوجود الإسلام حيا في المجتمع وإن كان الفقهاء لم يستخدموا مصطلح الدولة ولكنهم عبروا عن ذلك الكيان السياسي بالخلافة ولم يدخروا جهدا في توضيح معالمها حتى يتسنى للأمة ممارسة صلاحياتها على الوجه الصحيح. واستمر الحكم الإسلامي "الخلافة" على مدى 14 انتهى بسقوط الدولة العثمانية سنة 1924 وإقامة الدولة التركية العلمانية "الحديثة " على أنقاضها والأمر نفسه حصل مع بقية المناطق التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية فقد تم تفتيتها إلى مزق من قبل الدول الأوروبية الحديثة.

فكرة التنظيم في شكل مؤسسات لم يتم قبولها في البداية ولكن مع الزمن نضجت الفكرة وأصبحت الدولة كما يصفها روسو بأنها ذات سلطة غير محدودة واستبدادية
فكرة التنظيم في شكل مؤسسات لم يتم قبولها في البداية ولكن مع الزمن نضجت الفكرة وأصبحت الدولة كما يصفها روسو بأنها ذات سلطة غير محدودة واستبدادية
 

إن الفكر الغربي لم يعرف الدولة بمفهومها الذي عرفه الإسلام إلا بعد أن حسم صراعه الدامي بين الكنيسة والمفكرين وانهيار النظام الإقطاعي وبذلك برز تيار في المجتمع يتصدره المفكرون والأدباء ينادون بفصل الدين عن الدولة وقد توج ذلك بإنشاء الجمهورية الفرنسية التي ما لبثت ان بدأت بثورة فكرية أسست لما أطلق عليه فيما بعد بالدولة الحديثة.

 

وكان إن بدأ البحث الجدي في شكل وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم واعتبر جون جاك روسو أن "الدولة شر لا بد منه" فهم قد اعتادوا على منطق الغاب ولهذا فان فكرة التنظيم في شكل مؤسسات لم يتم قبولها في البداية ولكن مع الزمن نضجت الفكرة وأصبحت الدولة كما يصفها الكاتب بأنها ذات سلطة غير محدودة واستبدادية. وعليه فالسياق التاريخي يمكن الاحتجاج به في إثبات أن المقصود بالدول الحديثة هي وجهة النظر الغربية للدولة وقاعدتها الفكرية فيها هي فصل الدين عن الدولة والحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.