شعار قسم مدونات

جذور الترابط بين الصومال والسودان

BLOGS السودان و الصومال

تربط الصومال بالسودان علاقات ثقافية واجتماعية وتاريخية تمتد إلى آلاف السنين وإلى قرون ماضية وتجمعهما قواسم ثقافية وجغرافية مشتركة، حيث يقع البلدان في أهم المواقع الجغرافية في العالم ويطلان على المحيط الهندي والبحر الأحمر، ويسيطر الصومال خصوصا على خليج عدن أهم معبر مائي في عالم اليوم، مما يجعل موقع البلدين ذو أهمية عالية في الخريطة العالمية، ويعتبر الدين الإسلامي أهم رابط يجمع بين الشعبين الشقيقين.

وقد كانت للبلدين علاقات نضالية وبطولية مشتركة إبان سعي القارة الأفريقية الاستقلال ودحر الاستعمار الغربي الغاشم والذي سيطر على خيرات القارة الأفريقية ومارس أنواع القهر والظلم ضد أبنائها، حيث استبسل رواد حركات التحرير في البلدين في إخراج الاحتلال الظالم لأبناء القارة الأفريقية، وقد زار قائد ثورة الدراويش في الصومال السيد محمد عبد الله حسن السودان والتقى بالمهدي السودان الذي كان يخوض معارك شرسة مع الاحتلال الأوروبي، فكانت هذه الزيارة بمثابة شعلة اضاءت للسيد محمد عبد الله حسن طريق الجهاد وتجربة ناجحة بكل المقاييس واستفاد من الثورة المهدية السودانية أمورا مهمة منها التكتيك العسكري والقيادة الميدانية وإدارة المعارك والانضباط الحركي والتنظيمي.

كان السودان سندا قويا للصومال طوال سنوات الأزمة بعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية ومحاولة الصومال استعادة دوره وكرامته

ولقد كان السودان دائما من الدول السبَاقة في تكوين علاقات متينة مع الشعب الصومالي، حيث كان للسودان علاقات قوية إبان الحكم المدني والعسكري في الصومال، وخاصة إبان الحكم العسكري في الصومال بقيادة الرئيس الصومالي الأسبق الراحل محمد سياد بري، وكان يقود السودان أنذاك الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري، حيث تمكن القائدان من تمتين أواصر العلاقة ورفع مستوى التعاون بين البلدين حتى أصبحا توأمين حقيقيين، رحمها الله رحمة واسعة فقد كان لهما الدور الكبير في إرساء وتعميق العلاقات الصومالية السودانية والتي شهدت إبان حكمهما ازدهارا ورواجا وتقاربا إلى حد كبير.

وشهدت علاقات الفن والثقافة رواجا كبيرا في عهد الرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد بري، حيث زار الفنانون الصوماليون الخرطوم وشاركوا في معارض فنية وثقافية في المسرح الوطني السوداني، ومن جانبهم زار الفنانون السودانيون الصومال، وشارك فنانوا كلا البلدين في أغنيات مشتركة ساهمت في إثراء علاقة الفن بين البلدين.

وكان السودان سندا قويا للصومال طوال سنوات الأزمة بعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية ومحاولة الصومال استعادة دوره وكرامته، ولعب دورا متميزا في إيجاد حل للازمة الصومالية من خلال تنظيم مؤتمرات مصالحة بين أطراف الأزمة الصومالية، وطرح المباردات لحلحلة الأزمة الصومالية، وفتح ابواب مدارسه ومعاهده وجامعاته للشباب الصومالي في وقت قلما وُجِد من يرحب بالشباب الصومالي ويعطيه أمل الحياة من جديد والذي ضاع بانهيار حكومته عام 1991م التي كانت تعد من أقوى الحكومات في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي ولعبت دورا كبيرا في محو الأمية في الصومال ورفع مكانة وشرف الصومال.

وكان الصومال إبان الحكم المدني والعسكري ما بين 1960-1991م رائدا للأمة الإفريقية، ولعب دورا كبيرا في تحرير القارة الإفريقية حيث وقف الصومال إلى جانب ابناء القارة لكي يحصلوا على حريتهم واستقلالهم من الاستعمار الغاشم، ووقف الصومال جنبا إلى جنب مع شعب جنوب إفريقيا والذي ناله الاضطهاد والفصل العنصري والاستعباد وتذوق الويلات والعقاب الجماعي، فكان الصومال سندا قويا من أجل أن ينال هذا الشعب حقوقه وينتهي زمن الفصل العنصري ضد شعوب القارة عموما وبالأخص شعب جنوب أفريقيا.

لكن الصومال وبعد انهيار حكومته ودخوله في أتون حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس لم يجد الدعم الحقيقي الذي كان يتوقع ممن أحسن إليهم في السابق ووقف إلى جانبهم زمن المحن والويلات، إلا أن السودان الشقيق كان له رأي آخر حيث انبرى وبصورة واضحة في الوقوف إلى جانب الأمة الصومالية خاصة زمن الفتن والضياع، ولكي يستعيد الصومال مكانته وشرفه من جديد.

أصبح السودان قبلة التعليم للصوماليين، وتخرج الآلاف من الشباب الصومالي من الجامعات السودانية وأصبحوا روادا لاستعادة الصومال أمنها واستقرارها
أصبح السودان قبلة التعليم للصوماليين، وتخرج الآلاف من الشباب الصومالي من الجامعات السودانية وأصبحوا روادا لاستعادة الصومال أمنها واستقرارها
 

بعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م ودخول الصومال في صراعات وحروب أهلية ونزوح مئات الآلاف من الصوماليين إلى الدول المجاورة والعالم فتحت دول الجوار والعالم أبوابها للصوماليين من أجل استقبالهم كلاجئين وتم افتتاح مخيمات للاجئين الصوماليين كأكبر مخيم للاجئين الصوماليين في كينيا، إلا أنه لم تقدم هذه الدول للصوماليين شيئا آخر غير ترحيبهم كلاجئين، إلا أن السودان وبعلمائه ومفكريه وبقيادة رئيسه السيد عمر حسن أحمد البشير اتخذ رأيا آخر وهو فتح أبواب المدارس والمعاهد والجامعات السودانية للصوماليين وبناء مستقبل أجيال الصومال وتعليمهم وتثقيفهم لأن زمن اللجوء سينتهي وما سينفع الأمة هو التعليم والتثقيف، وكان هذا أهم قرار حكيم ومدورس من القيادة والمجتمع السوداني تجاه الأمة الصومالية، التي ما زالت تشكر وتقدر دور السودان الحميد تجاه الأمة الصومالية.

أصبح السودان قبلة التعليم للصوماليين، وتخرج الآلاف من الشباب الصومالي من الجامعات السودانية وأصبحوا روادا لاستعادة الصومال أمنها واستقرارها، وأصبحوا قادة لجميع المناحي الأساسية في الصومال سواء كانت تعليمية أو تربوية أو فكرية أو اجتماعية أو سياسية. وشخصيا كنت من الطلاب الذين انهالوا العلم والمعرفة من الجامعات السودانية العريقة، حيث سمحت لي الظروف أن التحق بركب الطلاب الصوماليين المتوجهين إلى السودان الحبيب عام 2008م، انضممت إلى جامعة إفريقيا العالمية قلعة العلم الشامخة ومنبع إرسال سفراء السودان إلى العالم، تخرجت من كلية الشريعة والقانون، وواصلت درب مسيرتي التعليمية حيث نلت درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الأزهري عام 2015م، فللسودان الفضل الجزيل في الوقوف إلى جانب الأمة الصومالية، فقد فتحت للصوماليين أبوابها على مصراعيها في وقت سدت أمامهم أبواب من كانوا يعتبرونهم أشقاء وأصدقاء، كما سخرت كل طاقاتها وإمكانيات بلادها من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة الصومالية. لذا الشعب السوداني والصومالي شعب واحد من حيث الدين والثقافة والعرق والتقاليد، وما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما فهما وجهان لجسد واحد، دم واحد، لون واحد ودين واحد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.