شعار قسم مدونات

لعبة كرة القدم.. وربط الفرح بها

دونات - مشجعين منتخب مصر كرة القدم
لقد كان المدرج الروماني الشهير مسرحا للعديد من المقابلات التي جرت في صحنه، منها مكان له صبغة القساوة وذلك في حضور جماهيري كبير وأحيانا بحضور قيصر روما وكل ما يجري من مبارياته تكون حقيقية لكنها مأساوية. ذلك لأن العرض يكون من خلال إلقاء بعض العبيد في ميدان المدرج الكبير وقتال إما وحوش ضارية حتى الموت، أو قتال مع عبيد آخرين وكل ذلك من أجل امتاع الجمهور الذي يشاهد مناظر القتل بشكل مباشر حتى قست قلوبهم لتلك المشاهد ومنها ما هو حقيقي مدون في أرشيف التاريخ، ومنها ما نقلته السينما العالمية في مشاهد هوليوود معروفة. لكن المغزى من كل ذلك هو جعل الشعب يلهو ويستمتع، حتى يكون بعيدا عن مجريات الأحداث السياسية التي يعيشها، وحتى يبقى كذلك مفرغا لكل ما من شأنه أن يكون ضد النظام الذي يحكمه بقوة وطغيان.

     

واليوم نعيش تقريبا نفس الأمور، إلا أن الأشكال المتبعة في جعل الشعوب تستمتع ويتم صرف وتوجيه اهتماماتها اختلفت وتعددت في زمننا هذا، لكن أهم شيء يشد الشعوب وخاصة شعوبنا العربية هو لعبة أضحت مسكنا للشعوب إما بالفرح أو الحزن، وقد يؤدي في بعض الأحيان لبعض من يعشق هذه اللعبة إلى الإدمان عليها والتعصب إلى من يحب كثيرا، إنها ملهمة الجماهير كرة مملوءة بالهواء إنها كرة القدم.

 

نفرح عندما نتساوى في الحقوق والواجبات. ويكون فرحنا كبيرا بعودة حقيقية لأصول ديننا الحنيف، أما الفرح من أجل الكرة ونحن نعيش هوانا وظلما هذا مجانب الصواب، فأي فرح يمكن للشعوب أن تختاره؟

كرة القدم أصبح لها باع وشهرة وأضحت لها ميادين عديدة وتظاهرة عالمية تقام وتجتمع لها شعوب الأرض متلهفة في فرجة وفرح ومتعة، نعم أصبحت هذه الكرة الهوائية مصدرا مهما يتم من خلاله جعل الشعوب وخاصة التي تشارك في هذه التظاهرة العالمية تعيش إما فرحا أو حزنا إن لم أقل تعاسة. لكن المشكل يكمن أن هذه الشعوب المقهورة والتي تعيش تحت الظلم والطغيان والحرمان من الحقوق وكذلك كل تنمية حقيقية تدخل على الشعوب الفرح والسعادة، تجد في كرة القدم ذلك المتنفس في إخراج ما بالنفوس تلكم الطاقة الكامنة داخلها لأنها ربطت الفرح والسعادة بانتصار فريقها الوطني في مقابلة أمام فريق آخر، فترى الميادين ملأت بالجماهير فرحا وسعادة لانتصار فريقها، عندها لا تتدخل سلطات البلاد في خروج الشعب للتنفيس والتفريغ عما يعانيه من مشاكل، فيجد ضالته في الخروج إلى الشوارع والابتهاج بفوز فريقه. فتكون تلك الفرحة لا تشكل أي ضغط أو خطر على تلك الأنظمة، ذلك لأنها تعلم أن الأمر يعدو شكلا من أشكال ترك الشعوب تخرج ما بداخلها وتنسى المشاكل التي تعيشها لبعض الوقت.

 
أما الأمر الآخر الذي يجعل الأمور تتغير هو خسارة فريق ما في هذه التظاهرة العالمية، وهنا أيضا يجعل الأمور تنحو منحى آخر، ففي حالة الخسارة ينقلب الفرح حزنا ويتحول الأمر لتعاسة، ذلك لأن هذه الشعوب المسكينة المقهورة تم ربط فرحها بهذه الكرة الهوائية في انتصار فريقها لأنها أصلا تعيش في عدم استقرار سياسي أو اجتماعي أو غير ذلك. وهذا ما لوحظ مؤخرا من تصريح انفعالي لشاب عربي تحدث فيه عن الكبت الأمني والمشاكل التي يعيشها بلده فكان ينتظر أي يبدل ذلك الإحساس بالقمع والظلم وغيرهما من الأحاسيس بفرح انتصار فريقه يفرغ به ما يعانيه من تلكم المشاكل. وهذا أنموذج واحد مما يعانيه ذلك الشعب من مشاكل جمة في جل نواحي الحياة. والأمر يقاس على باقي الدول العربية وخاصة المشاركة في هذه التظاهرة.

 
لكن إذا ما قارنا بلداننا العربية أو بلدان العالم الثالث التي تعيش فقرا وظلما وتسلط من يحكمهم بقوة وجبر، مع البلدان المتقدمة نجد أن هذه البلدان من النواحي المادية أحسن حالا وبكثير من حال البلدان الفقيرة. فهذه البلدان هي أكثر قوة من حيث الحقوق والحريات وتقسيم الثروات واحترام لشعوبها، لذلك فهي في الأصل تعيش في بحبوحة مادية وفرح وسرور فهي تعيش في وسط تتوفر فيه على جميع متطلبات حياتها تقريبا. إذا هي في غير حاجة إلى التنفيس وإخراج المكبوتات التي يعاني منها بقية الشعوب الفقيرة. لذلك نجدها تعتبر الأمر مجرد استمتاع بوقت ومناسبة وجب استغلالها. فالفرق كبير بين شعوب تجعل فرحها مرتبطا لانتصار فريقها وقد يتم صرف الملايين على الفريق أكثر مما يتم صرفه في مجالات أخرى تعاني من مشاكل عدة، سواء في الصحة أو التعليم أو الاقتصاد أو غيرها من الأمور التي فيها نقص وحاجة مادية تنتفع بها هذه الشعوب.

 
أخير أنا لست ضد الكرة ولكن أعيش في بلد يعاني من مشاكل جمة تحتاج لإعطائها الأولوية من أجل تنمية حقيقة ونفرح بوجود صناعات قوية تشغل العديد من العاطلين عن العمل بحقوق وحريات تحفظ لهم. نفرح بوجود جامعات تخرج لنا علماء ومخترعين يسايرون تطور العالم، نفرح عندما يكون لنا قوة ووحدة، نفرح عندما يتم العمل على تحرير أقصانا وأرض فلسطين من الاحتلال واستعادة إرادة أمة تم إجهاضها منذ زمن. نفرح عندما نتساوى في الحقوق والواجبات. ويكون فرحنا كبيرا بعودة حقيقية لأصول ديننا الحنيف الذي كفل للناس اختيار من يحكمهم بكل حرية من أجل رفعة الأمة وسيادتها. أما الفرح من أجل الكرة ونحن نعيش هوانا وظلما هذا مجانب الصواب، فأي فرح يمكن للشعوب أن تختاره؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.