شعار قسم مدونات

ظاهرة "ساتيا ناديلا" التي غيرت شكل مايكروسوفت

blogs ساتيا ناديلا

لا تزال شركة مايكروسوفت، تحت إدارة ساتيا ناديلا، تفاجئ العالم في كل مرة، بأضخم عملية تغيير تعرفها إحدى أكبر الشركات التقنية في العالم منذ 2014. فقد كشفت الشركة شهر يونيو من العام الحالي عن استحواذها لخدمة "GitHub" المنصة الشهيرة لمشاركة البرمجيات مفتوحة المصدر في صفقة بلغت 7.5 مليار دولار. 

والواضح أن "الثورة" التي قادها ناديلا في ظرف وجيز داخل مايكروسوفت، والتي بدأها بنظام ويندوز ثم صفقة الاستحواذ على لينكدين، فانضمام مايكروسوفت إلى مؤسسة لينيكس، لم تكون نتيجة خطة عمل عادية، بل خطة طارئة لإنقاذ شركة قادتها سياسة الاحتكار والتعنت إلى نتائج كارثية.

 

وقد نُقل عن ناديلا قوله إن على مايكروسوفت أن تمتلك "الشجاعة لمواجهة الواقع". وبالفعل، بعد أربع سنوات، بدأت هذه الشجاعة تؤتي ثمارها. حيث تجاوزت الأرباح المحققة توقعات المحللين، من خدمات الحوسبة السحابية ومحرك البحث الخاص بها (Bing). كما قامت بضخ 35 مليار دولار في مجال البحث والتطوير لمشاريع طموحة مثل نظارات الواقع المختلط (HoloLens).

مايكروسوفت بين "بيل غيتس" و"ساتيا ناديلا"
استطاع ساتيا ناديلا منذ تعيينه رئيساً تنفيذياً أن يعيد بوصلة الشركة إلى الاتجاه الصحيح كإحدى أكبر الشركات التقنية في العالم

يعود الفضل في دخول مايكروسوفت عصر ثورة الإنترنت بقوة منذ بداياتها، إلى مؤسس الشركة بيل غيتس الذي جنبها أن تكون جزءً من "الماضي التقني". وبالفعل، نجح متصفحها "إنترنت إكسبلورر"، منذ إطلاق نظام "ويندوز 95″، في فتح أعين أجيال عديدة من المستخدمين على عوالم الإنترنت المجهولة.

لكن مع مطلع الألفية الجديدة، تولى ستيف بالمر دفة القيادة في مايكروسوفت، في فترة بدا واضحاً فيها أن الإنترنت بدأت تأخذ منحاً آخر من حيث قدرتها على توفير خدمات رقمية أكثر تنوعاً، عززتها ثورة محركات البحث التي قادتها آنذاك شركتي غوغل وياهو. ثم أعقب ذلك المرحلة التي تُعرف بالجيل الثاني للإنترنت "ويب 2.0" التي منحت المستخدمين حضوراً أكبر من خلال إمكانية نشر المحتوى عبر الإنترنت. وهي المرحلة التي مهدت لظهور الشبكات الاجتماعية.

فخلال عهد بالمر تمكنت الشركة من إدخال الكثير من التحسينات في نظام ويندوز، لكنها لا تقارن بحجم التحديات التي فرضتها البدائل المجانية، التي أضحت تهدد مايكروسوفت في عقر دارها، مثل الخدمات السحابية والمتصفحات البديلة. أضف إلى ذلك الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها الشركة، لعل إحداها نظام التشغيل سيء الحظ "ويندوز فيستا". 


الهندي المتواضع الذي تحوّل إلى بيل غيتس "الثاني"

الشاب الهندي الخجول القادم من حيدر أباد، وخريج كلية هندسة متواضعة، ليعمل في شركة ناشئة ثم موظفاً في مايكروسوفت سنة 1992. حيث استطاع منذ تعيينه رئيساً تنفيذياً أن يعيد بوصلة الشركة إلى الاتجاه الصحيح كإحدى أكبر الشركات التقنية في العالم.

أ‌- إنهاء حالة العداء التاريخي بين مايكروسوفت والمصادر المفتوحة
قبل صفقة الاستحواذ على "GitHub"، كانت الشركة قد أعلنت منذ عامين انضمامها إلى مؤسسة لينيكس التي ترعى البرمجيات مفتوحة المصدر، لتنهي بذلك عقوداً من العدائية وصلت إلى حد إطلاق ستيف بالمر منذ سنوات وصف "السرطان" على لينيكس. وقد بدأ مطورو البرامج والشركات يتفاعلون مع الحقبة الجديدة بين مرحب ومتخوف. فيما وصف جيم زيملين، المدير التنفيذي لمؤسسة لينكس هذه الخطوة من مايكروسوفت بالجيدة لعالم المصادر المفتوحة.

لقد بات في حكم المؤكد أن المستقبل هو للمصادر المفتوحة، كبديل أمثل للبرمجيات التجارية وبوتيرة نموٍ سريعة في العديد من القطاعات كصناعة السيارات، البيانات الضخمة، الأمن الرقمي، برامج الشركات، الخدمات المالية، الرعاية الصحية، إنترنت الأشياء، التصنيع، تطبيقات الهاتف المحمولة، إلى غير ذلك.

وقد لا يكون ساتيا ناديلا أول شخص في مايكروسوفت قد انتبه إلى كل هذا، لكن المؤكد أن ناديلا هو أول شخص امتلك الشجاعة والثقة والرؤية أيضاً لأن ينقل الشركة إلى ضفة المصادر المفتوحة، من دون هزات وبخطوات تمهد لأن تلعب الشركة الأمريكية دوراً مهماً في المصادر المفتوحة مستقبلاً. 

انصب التركيز في عهد ناديلا، على تطوير نظام موحد لكافة الأجهزة المكتبية والمحمولة، كما طرحت مايكروسوفت تطبيقات خاصة بالأجهزة المحمولة الخاصة بآبل وتلك التي تعمل بنظام أندرويد
انصب التركيز في عهد ناديلا، على تطوير نظام موحد لكافة الأجهزة المكتبية والمحمولة، كما طرحت مايكروسوفت تطبيقات خاصة بالأجهزة المحمولة الخاصة بآبل وتلك التي تعمل بنظام أندرويد

ب‌- "ويندوز 10" مجاني لمحو الآثار الكارثية للنسخ السابقة
كشف ساتيا ناديلا في كتاب صدر له في 2017 أنه حاول جاهداً أن يثني سلفه عن إتمام صفقة الاستحواذ على القطاع الخاص بالهواتف الخاص بنوكيا التي أبرمها بالمر لدعم "ويندوز فون" الذي لم يقوى على منافسة نظام التشغيل الخاص بآبل أو نظام أندرويد، وهي الخطوة التي وصفها ناديلا بـمطاردة المصابيح الخلفية للمنافسين.

لينتهي المطاف بفشل الصفقة وإنهاء المشروع بعد أن كبد مايكروسوفت خسائر كبيرة وفصل آلاف الموظفين. وبينما كان العالم يترقب النسخة التاسعة لنظام التشغيل، قامت مايكروسوفت بطرح "ويندوز 10″، حيث انصب التركيز في عهد ناديلا، على تطوير نظام موحد لكافة الأجهزة المكتبية والمحمولة، كما طرحت مايكروسوفت تطبيقات خاصة بالأجهزة المحمولة الخاصة بآبل وتلك التي تعمل بنظام أندرويد. حيث يرى ناديلا أن مايكروسوفت مطالبة بالتواجد في مجال الهواتف الذكية فقط عندما يكون لديها شيء متميز لتقدمه.

شبكة لينكد إن عبارة عن موسوعة للسير الذاتية لأكثر من 530 مليون باحث عن وظيفة حول العالم
شبكة لينكد إن عبارة عن موسوعة للسير الذاتية لأكثر من 530 مليون باحث عن وظيفة حول العالم

ج- الخدمات السحابية التي نقلت ناديلا إلى أعلى
من أكبر النجاحات التي حققتها مايكروسوفت في عهد بالمر هي إطلاقها عدد من خدماتها السحابية. لكن السر يكمن في أن قسم الخدمات السحابية كانت تقع تحت إشراف ساتيا ناديلا المسؤول التنفيذي آنذاك ساتيا ناديلا. متجاوزة بذلك الكثير من الشركات المنافسة التي لم تصل بعد إلى تحقيق مكاسب كبيرة من الخدمات السحابية مثل أمازون وسالزفورس.

د- صفقة الاستحواذ على لينكد إن
ربما أكبر حدث فاجأت مايكروسوفت به العالم، هو صفقة الاستحواذ على شبكة لينكدن المتخصصة في التوظيف في 2016. إذ تُعد الأضخم في تاريخ الشركات التقنية (26.2 مليار دولار). كما أنها المرة الأولى التي تغامر فيها مايكروسوفت بدخول مجال الشبكات الاجتماعية بهذه القوة.
وقد طال مايكروسوفت سهام النقد بسبب حجم الصفقة، إلا أنه هناك من رأى فيها خطوة ذكية هدفها اللعب على المدى الطويل في صناعة البحث عن الوظائف.

فشبكة لينكد إن عبارة عن موسوعة للسير الذاتية لأكثر من 530 مليون باحث عن وظيفة حول العالم. ومن السهل الوصول إليها من طرف شركات التوظيف. ورغم مرور أكثر من سنتين على صفقة الاستحواذ لم تجر مايكروسوفت أية تعديلات تستحق أن تُذكر. إلا أن بعض التحاليل تشير إلى أن عملية الاستحواذ تتلاءم مع استراتيجية الشركة لتطوير برامج "أوفيس" والبرامج السحابية الموجهة للشركات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.