شعار قسم مدونات

هناك ما يستحق صعود الجبل!

blogs سفر

من يملك القدرة على السفر ولم يسافر، فقد فاته الكثير جداً! كل الرحلات الصغيرة التي حظيت بها في حياتي علمتني شيئاً، إننا نكتشف أنفسنا هناك، نتعرف على قدراتنا وندرك ماهية الحياة.. تنظر إلى العالم بطريقة مختلفة، تجعلك أكثر اندماجا وتقبلا للآخر. يوماً قررت أنا والأصدقاء خوض مغامرة جديدة، تطلبت منا قطع مسافة طويلة، ما يقرب من نصف يوم سفر ما بين الضحك والنوم وأحياناً الملل حتى وصلنا أخيراً الى المحطة الأولى، التي منها نبدأ رحلتنا الأصعب والأكثر تشويقاً -صعود جبل موسى- قبيل الفجر بساعات تجهزنا حيث ارتدينا طبقات من الملابس والقفازات وأخذنا جميع الاحتياطات التي ربما نحتاجها بالأعلى، وصلنا إلى نقطة البداية.

هنا تبدأ الرحلة بقوة وحماس، كنا أفواجاً كثيرة جئنا من كل حدب وصوب يبدوا أن هناك الكثير من المجانين، بعد نصف ساعة من الصعود بدأت القوى تتراخى، والنفس ينقطع لا نشعر بأرجلنا من برودة الطقس ويجب علينا ألا نتوقف في الاستراحات أكثر من ثوان، فلا بد أن نشاهد بزوغ الشمس من القمة. في وسط الطريق تماماً تركنا كثيرين خلفنا، لم يكمل الجميع فبعضهم فقد حماسه إثر التعب والأخر رأى أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء.

ها نحن نكمل طريقنا مع القليل من الأصدقاء، الحقيقة الصعود شاق جداً خاصة أنني لم أكن أرتدي حذاء رياضي فكنت أشعر بوخز الصخور في قدمي وأكثر من مرة راودتني فكرة، لماذا أكمل.. ما المبهر في نهاية هذا، هل يستحق؟! بعد ساعات من الصعود، بدت القمة أكثر وضوحاً عاد لنا الحماس من جديد، ولكن بلغ التعب مداه فقد كنت أمسك بقدمي لأحركها للأعلى، ثم قررت انا ورفيقتي أننا لن نكمل.. نعم قبل القمة بخطوات.

اختر الصديق قبل الطريق، ذاك الذي لا يهزم سريعا. إياك ومصاحبة الذي يعيقه التفكير السيء من البدء في أمر ودائما ما يخبرك أن الظروف لا تساعده

جلسنا على إحدى الصخور، بعد دقائق وجدنا الأصدقاء مستمرين في الصعود، فتشجعنا مره آخري وأمسكنا ببعضنا، يتعكز كل منا على الآخر حتى وصلنا، يا إلهي لقد وصلنا يا لها من لحظة.. مشاعر مختلطة كل الارهاق والتعب كأنه لم يكن؛ نحن هنا على القمة أكاد أجزم أن الدوبامين يتسابق في جسدي.. المنظر من هنا رائع.. نعم يستحق يا ليت جميع أصدقائنا معنا الآن. بعد دقائق بدا المنظر عادياً وبدأت الشمس في إشارتها بالصعود، وأنه يجب علينا النزول قبل أن نحترق.. نعم مشوار الساعات كان غرضه دقائق معدودات، ربما دقائق لا تنسى ولكن حقاً "الكنز في الرحلة".

رأيت في الرحلة الدنيا والآخرة 
الأحلام وطريق تحقيقها 
الشهيق والزفير، المد والجزر، الطاقة ونهايتها

عندما تحلم بشيء ما تبدأ في تحقيقه بحماس وشغف، وسط الطريق أنت لا ترى البداية ولا النهاية لا تقدر على العودة أو المشي قدماً ما بين خيارين كلاهما أصعب، والقانون السائد أن كل الذين يسيرون على الدرب الصحيح يصلون يوماً، تخطيت الصعاب تخطيت كل الأفكار السوداء، إذا بك تقترب من النهاية تلهث من التعب، تستجمع قواك ها قد وصلت.. أخيراً. كانت لحظة، يُفقد الكلام حلاوتها وبريق العيون يفضح نشوتها وكل أعضائك تشهد أنه لم يكن سهلاً ولكنه يستحق، الآن تنفس الصعداء واحكي لهم ألف كلمه عن طريقك الصعبة، ثم أخبرهم أنك وصلت.

الحكاية تحتاج لطريق طويل فالانتصار لحظة والمتعة في تخطي الصعاب، الحكايات الصعبة دائماً ملهمة، ربما أنت على الطريق لتصبح "ملهماً" يا صديقي! ولا تنسى اختر الصديق قبل الطريق، ذاك الذي لا يهزم سريعا. إياك ومصاحبة الذي يعيقه التفكير السيء من البدء في أمر ودائما ما يخبرك أن الظروف لا تساعده. نعم من الطبيعي أن ننهزم فترات من حياتنا، ولكن من غير الطبيعي أن تكون هذه صفة ملازمة، صدقني سيأخذك معه إلى بحار من اليأس ولن تشعر بالذنب لأنك ببساطة ستلعن الظروف دائما، لن يحقق حلمك إلا أنت.. ولكن هناك من يدعم وآخر يثبط وللأسف نحن مهما كنا أقوياء، نستمع أحيانا لأصوات من حولنا، ربما كنت في أرض الحروب، وتكالبت عليك الظروف ربما أنفاسك محسوبة ويداك مربوطتان.. ولكنك تعلم أن هناك ما يستحق صعود الجبل. صدقني، الكنز في الرحلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.