شعار قسم مدونات

ماذا يلهمنا إضراب الشيخ حازم وكيف نوظفه واقعيا؟

مدونات - حازم أبو إسماعيل

حازم صلاح أبو إسماعيل ذلك الشيخ الثائر الذي ملأ المشهد في ثورة يناير بداية بخطابه التاريخي في ميدان التحرير والذي أحيا فيه الجموع من موات السكون داخل حيز الميدان واستنهض به عزائمهم داعيا إياهم للانسياب في الشوارع وحصار مفاصل دولة مبارك، ومرورا بمواقفه المتتالية وداعوته المستمرة للضغط على العكس عبر محطات ثورية مهمة كجمعة المطلب الواحد في 18 نوفمبر لتسليم السلطة، وصولا لاعتصامه ضد الإعلان الدستوري المكبل وامتدادا لمساندة شجاعة للرئيس مرسي بمدينة الإنتاج الإعلامي والذي كان تحركا مربكا لأذناب الدولة العسكرية إلى غير ذلك من وقفات يطول ذكرها حتى جاءت لحظة اعتقاله مع بداية الانقلاب سعيا من العسكر لشل تفكير الجموع عن أي تحرك مفاجئ اعتادوا قيام الشيخ به. لكن هذا النجم لم يأفل حتى بعد اعتقاله من قبل العسكر فها هو من غيابة زنازينهم لا يزال يسعى لصناعة الحدث وإرشاد الناس إلى المنهج الذي دعا له وإلى الشعار الذي ارتضاه سنحيا كراما.
 

ما هي رسائل الشيخ وبماذا يلهمنا إضرابه على وجه التحديد؟

هذا سؤال مركزي ينبغي التوقف معه كثيرا ففي الوقت الذي استيأست فيه النفوس فأُقعدت وأحيط بالمظلومين إحاطة السوار بالمعصم وتوقفت العقول وأُلجمت، إذا بحازم يظهر من جديد كالكوكب الدري وسط ظلام الطغيان معلنا إضرابه اعتراضا على سوء معاملة الأحرار خلف الأسوار لتستنهضنا هبته الجديدة نحن القابعين خارج الأسوار المأسورين في ساحات الحياة. تستنهضنا من هذا الموات نحو تحرك ربما خمد بريقه من قبل غير أن نفوسا كثيرة مازالت تراودها آمال عودة جديدة بثوب مختلف، وبأدوات أخرى تناسب بطش العدوان العسكري الغاشم .
 

لا بد أن نعي أن الوقت وقت عمل دؤوب لا وقت ركون وغفلة عن المقصود، فلا ينبغي أن نلتفت لجنبات الطريق أو ننزلق لمناقشات عبثية مع أولئك الذين فاتهم قطار العقل والشرف

إن إضراب الشيخ حازم دعوة إحياء للمدافعة المنهجية المنظمة وللنفير ثُبات وجماعات كل في مجاله الذي يحسن، وإني لألمح خلالها إشارة لعدد من القيم والأهداف الغائبة، لعل من أبرزها حث الأحرار الطلقاء بصورة عامة ليفعلوا ما في استطاعتهم ولا يستصغروا جهدا فوهج النضال لابد أن يظل في النفوس مشتعلا. إنه موقف يحمل في طياته دعوة للتصعيد داخليا وخارجيا إذ الأغلال لم تمنع الشيخ من أن يُصعد الموقف في محبسه ولا ينبغي أن تمنعنا نحن أيضا أغلالنا النفسية أو تثنينا قلة السالكين لهذا الدرب عن استكماله.. فالتصعيد داخليا ينبغي أن يستهدف العمل على إيجاد حالة من توازن القوى وليعلم النظام الانقلابي أن الجروح قصاص وألا مصالحة ولا دية ولا نقاش .

   
وخارجيا تتمحور الأهداف فيما يلقيه الوضع الحالي من مسؤوليات جسام على الطيور المهاجرة في رفع وعي الناس وصبغ خطابهم بالتمرد والممانعة لإحياء فكرة النضال من جديد والمقاومة من أجل حياة حرة كريمة فالمسلم يأبى عليه دينه الركون للاستضعاف والعيش في قبضة الظلم مستسلما بحجة الصبر على البلاء بل هو مطالب وجوبا ليس فقط بالإعداد لدفع الظلم الواقع عليه وإنما إنهاؤه ومطاردته حيث كان والمهج والأروح فداء لهذا السبيل. إن خطوة الشيخ تعد أيضا صيحة نذير لمن ظل يحمل بقايا من نخوة داخل أوساط الشرائح المجتمعية المتجمدة من أصحاب فكرة لا يخصنا دفع الظلم "مالناش دعوة ممن اكتووا بنار الغلاء وقلة الدخول وبئيس العيش" لعلها تجذب فئة منهم من لجج الفرار إلى مرافئ الكرامة والشرف.

 
لذلك لا بد أن نعي أن الوقت وقت عمل دؤوب لا وقت ركون وغفلة عن المقصود، فلا ينبغي أن نلتفت لجنبات الطريق أو ننزلق لمناقشات عبثية مع أولئك الذين فاتهم قطار العقل والشرف، فحداء القائل فينا متجه للعامل منا لا للبطالين والمتسكعين.. ولا عزاء أيضا لأعوان الظالمين الذين أيدوهم ولو بشق كلمة، مالم يؤبوا.

  

 حازم أبو اسماعيل (الجزيرة)
 حازم أبو اسماعيل (الجزيرة)

 

كيف نوظف خطوة الشيخ حازم واقعيا؟

أولا: بالعزم الصادق الذي لا يلين فهو أساس التغيير الذي يثمر أفكارا بناءة تمهد الأرض لدحض سطوة الهيمنة والطغيان الجاثم على صدور الأمة منذ عقود ومن ثم يعقبه استخلاف المصلحين وتمكينهم كما وعد رب العزة جل وعلا . والمسلم كيس فطن، عليه اغتنام الفرص التي تتصاعد فيها مظالم العسكر ليصنع منها نقلة نوعية حقيقية تربك النظام وتنهك قواه لتجتمع جهود المقاومة بكل أشكالها ومن ثم يخر الظلم عن عرشه، فتهوي به الريح في مكان سحيق. وعلى ذلك فلا بد على الأفراد المُلِهمين المتناثرين في ضواحي الأرض أن يعزموا على ترتيب وتنسيق جهودهم في عِقد ناظم متين واسطته منهجية الشيخ المقاومة، فأولئك الأفراد تحديدا يعلمون يقينا مشاق الطريق وتحدياته ووعورة مساراته وأنه طريق يؤتي أكله بعد حين بإذن ربه لا بين عشية وضحاها.

 

ثانيا: على المستوى العملي من خلال تفعيل الجهد الإعلامي لاسيما عبر مواقع التواصل وكل المنابر التي عليها أن تعي دورها في بث روح المقاومة للتذكير المستمر بذلك النهج فكثرة البيان تورث في الجنان عمل الأركان.

   

وأخيرا فإن مجموعات صغيرة كاللؤلؤ المنثور بين الجموع يمكنها أن تبذر الوعي وتكسر أغلال الواقع داخل النفوس حتى إذا ما لاح الموعد واقتربت ساعة المواجهة والصدام وانطلقت دعوات مواكبة لها بالعصيان الشعبي التف حولها مئات الآلاف بل ملايين الصادقين .إن إضراب الشيخ حازم هو تحرك يلفت الأنظار ويحفز العقول خاصة بعد أن أقر القاصي والداني ببصيرة الشيخ، ولا بد أن يتدارسه المبادرون من ذوي الألباب والبصائر ويحولوا ما يحمله تحركه من مدافعة إلى واقع مشهود وإن هذه السطور هي فقط محاولة أولى ينبغي أن تتبعها محاولات أخرى لمزيد بحث وتطوير وتفعيل لدور كل من يروم أن يحيا كريما بدينه عزيزا بنصرته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.