شعار قسم مدونات

بشارِعنا مجنون جامح.. بلا قيدٌ أو مطاردة!

مدونات - اليمن

تخيل! مجنون عنفواني جامح، في شارع المواطن اليمني، بلا قيود أو مطارد.. يضرب الناس التي تمشي على الحَدِيدة بيد من حديد، لا أحد يستطيع مقاومته، سوى المتصارعون، والمسترزقون من وراء الحرب، فأولئك امتكلوا كل وسائل الدفاع عن النفس -بطرق مباشرة أو غير مباشرة- التي كانت -تلك الوسائل- ولا زالت ملك هذا الشارع (الشعب اليمني). من هذا المجنون؟ ومن يترك مجنوناً كهذا حراً في الشوارع العامة؟ وأين هم أهله؟ هل ماتوا؟! أو غير أبهين بالأضرار التي يلحقها بالأخرين، ولا بأي شيء سيخلفه مجنونهم؟
 

الأسعار في اليمن، هو المجنون الحر الطليق، الذي تركته حكومتا مسؤولو ورعاة هذا الشعب (حُكام صنعاء وحُكام عدن)، غير آبهين البتة بما سيخلفه مجنونهم الجامح. ارتفعتِ الأسعار في اليمن ولا تزال تعلو ما بين عشيةً وضحاها، في كل متطلبات الحياة، الغذائية والغير غذائية. ارتفعت كل المتطلبات بنسبة تفوق (70 و80 بالمئه) وثمة أشياء ارتفعت بنسبة 100 في المئة خلال عامين، ومن ذلك البطاريات ومتبوعات الطاقة الشمسية، التي أصبحت مقتنى كل يمني، وقد أحلت بدلاً عن الكهرباء العمومية، وإن عادت في بعض الأماكن المحررة، فلا غنى عن الطاقة الشمسية. يعتبر اليمني إن الطاقة الشمسية هي أكبر منفعة حصل عليها من الحرب.. اقتنيتُ بطارية 150F، قبل عامين، وخرجت هذا العام عن الخدمة، فأردتُ استبدالها بأخرى، ففوجئتُ بأن سعرها قد زاد ضعف سعر ما اشتريتها سابقاً. اضطررتُ شرائها بالسعر الجديد، وهكذا يفعل أكثر من 25 مليون يمني، أثناء شرائه بطارية ليُنير داره الداجر بالظلام، أو أثناء شرائه لما يسد به رمقه!
    

الانقلاب، الحرب، توقف مصادر الإنتاج الوطني، عدم دفع الضرائب.. ولد ارتفاع في سعر صرف العملات الأجنبية، فانتشرت الأسواق السوداء مما ساهم في ازدياد عنفوان مجنون الأسعار

جنون الأسعار أقوى جنوناً من الحربِ والاقتتال، يواجه الشارع اليمني، الذي لم يبق منه سوى نبض قلبه، نتيجة الإنهاك الذي يطاله منذُ عقود وأزمنة بعيدة حتى هذه اللحظة.. ذلك المجنون الوحشي المسعور بمفرده، ولا أحد ولا أحد ممن بيدهم أمر هذا البلد، قد سأل أو درى أو سمع أو لفت نحو فتك بربري لا يرحم، ومعركة ضارية غير متكافئة القوى!!زادت الطين غمرةً من سيل. لقد ملَّ الإنهاك نفسه السير في هذا الطريق الأوحد (شارع المواطن اليمني)، أو ما مَلهُ صانعوه ومنتجوه؟
لهذا الشعب الذي طال عناءه.
 
إذا كان ارتفاع معدل الرواتب لمنتسبي الجيش الوطني في مناطق سيطرة الشرعية معالجة لهذا "الجنون الجامح" فهي بالكاد تغطي مصروفات الفرد الشهرية، فما حال بقية القطاعات والمدن، والغير موظفون، والفقراء والغلابة والمساكين؟!وهل عليهم تحمل كل لعنة الحرب وحدهم؟ وهم الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه اللعنة اللعينة يصارعون الجوع والفقر والذل والألم، وشدف العيش القاتل!
 
مصادر البلد الإرادية شبه متوقفة، ولا ندري لصالح من تعمل، الرواتب مقطوعة منذُ أكثر من عامين، واقتصاد هش، وحرب شرسة عطلت الأعمال والأشغال، أمراضٌ وأوبئة، ونزوح وتشريد.. أضف ما سبق ثورٌ وحشي هائج تُرك حراً. فالشعب الذي يعيش في حديقة هذه الملمات الجمة، يواجه هذا الثور (ارتفاع الأسعار)، وقامات المواطنين لا تستطيع تخطي سور الحديقة لعلوه، وبابها مغلقُ أيضاً. لا أحداً يهمه أم الكوارث ومعضلة المعضلات. وهنا تكمن أم المشكلة.

  undefined

 

حتى إن أغلب الإعلام اليمني يكاد أن يهملها تماماً، فنلاحظ أنه ليس لها أي حضور في منصاتهم ومنابرهم، وهذا ما جعل ذلك المجنون الأهوج يمشي حراً طليقاً في شوارعنا، يستمر ويزداد قسوةً، بلا موانع أو حدود. أيضاً تجاهل ونسيان إذا صح التعبير رعاة هذا البلد (الدوليين والإقليميين والمحليين) لهذا الأمر.. إذا لم يحمل الإعلام هم المواطن المحشور في إحدى زوايا هذا الوطن، الذي تمارس بحقه كل أنواع الجنون، فيعانق، أي المواطن، آلامه وجراحاته ومظالمه، ثم يجثوا عليها باكياً بإحراق، يخبئها في جوانحه. لا يراه أحد ولا يستطع إيصاله صوته المظلوم للناس، يبقى كل ما ينشره الإعلام ويدعيه ليس له قيمة لدى أولئك الموجوعون وغيرهم.. ويعتبر (إيصال صوت هذا الموطن) أحد وأهم الرسائل الإعلامية السامية، وهو الحق والحرية والعدل الذي ننشده.
 
لا ننسى أن الانقلاب، حالة الحرب، عدم الإستقرار الإقتصادي، توقف مصادر الإنتاج الوطني، عدم دفع الضرائب.. كل ذلك ولد ارتفاع في سعر صرف العملات الأجنبية، فانتشرت الأسواق السوداء التي تلاعبت بشكل جنوني بأسعار الصرف مما ساهم ذلك في ازدياد عنفوان مجنون الأسعار، ولكن رغم ذلك هناك إمكانيات لدى سلطة الانقلابين والسلطات الحكومة الشرعية، والتحالف العربي، قادرة على إيقاف وكبح جماح هذا المجنون بل وانتشاله من أوساط أبناء اليمن المنهكين فوق درجة الإنهاك، المكتظين على امتداد الشارع اليمني. بأيديهم، إيقاف المجنون عند حده، إن أرادوا ذلك، ولكن لا أدري لماذا -جميعهم وكل العالم-لا يهمهم أمر المواطن اليمني الذي يتلاشى يوماً بعد يوم من هذا الوجود؟!
   
على الإعلام كل الإعلام بمختلف أنواعه وأشكاله وفئاته، حتى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أن يوصل رسائله بهذا الشأن. ذلك مسؤولية الجميع، بجعل هذا الأمر قضية رأي عام، ليضع حكام هذا البلد ورعاته في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، حداً لهذا الجنون.. فإن يترك ذلك المجنون الجامح حراً طليقاً بلا قيود أو مطاردة، سيخلف ثورة "جياع" لا تبقي ولا تذر.. ومن سيوقفُ الجوعى إذا ثاروا..؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.