شعار قسم مدونات

مقاصد الصيام.. ما هو حظك من رمضان هذا العام؟

مدونات - رمضان مسلمون مسجد صلاة يصلون

من المعلوم أن العبادات شرعت لأغراض ومقاصد نبيلة وأهداف سامية تنفع الفرد والمجتمع والمسلمين كافة في معاشهم ومعادهم وفي دنياهم وأخراهم.. وبمناسبة هذا الشهر المبارك سيكون من الجيد لو نتدبر في مقاصد الصيام تدبرا عميقا والحديث عن مقاصده إنما هو حديث عن الصيام الحقيقي كما أراده الله، فالمتأمل في صيام أغلب المسلمين في عصرنا هذا يجده بعيدا كل البعد عن هذه المقاصد، والهدف من كلامنا هذا هو التذكير لأخذ العبرة لا الاستهزاء والسخرية من حالنا ومن مجتمعنا. قال رسول الله صل الله عليه وسلم "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر" أسأل الله ألا نكون ممن ينطبق عليهم هذا الحديث ولنبدأ بتعديد بعض مقاصد وأهداف الصوم الحقيقي.

  

شهر الرحمة والمغفرة

جعل الله رمضان شهرا للرحمة والمغفرة وتجديد التوبة مع الخالق لكن قبل طلب المغفرة ونزول الرحمة من الغفور الرحيم على المسلم التحلي بهذه الصفات أولا إذ يجب أن يكون الصائم ذو أخلاق عالية وهي أخلاق التقوى من كظم الغيظ وضبط اللسان والإحسان إلى الناس ورحمتهم، فكيف لعبد قاس متحجر القلب يدفن في قلبه شتى أنواع البغضاء والحقد أن يطلب المغفرة من الله؟ كيف لرب عمل ينهر عماله ويعاملهم بلا رأفة ولا رحمة أن يلتمس عفو الله ورحمته؟ فليكن رمضان فرصة لتليين قلوبنا ولننشر الرحمة في محيطنا أولا، أطعم قطا، ساعد مريضا، ابتسم في وجه أطفالك وخاصة زوجتك أو زوجك، عامل زملائك في العمل بلين ورفق لا بعصبية بحجة أنك "مرمضن" لأن تلك العصبية ستجعل من صومك صوما غير حقيقي، كن صبورا حليما متسامحا.. وللأسف نجد أن كثيرا من الناس تفسد أخلاقهم في رمضان فتراهم يصيحون ويشتمون لأتفه الأسباب، إن هؤلاء لم يفقهوا حقيقة رمضان ولم ولن ينتفعوا به ما داموا على هذا الحال.

 

الشعور بألم الفقراء ومآزرتهم
اكتشف العلم الحديث فوائد لا تحصى ولا تعد للصوم بل وأصبح الأطباء ينصحون به كدواء لأمراض عديدة فالصوم يمنح راحة للمعدة مما يجدد نشاطها ويساعدها على تنقية نفسها من السموم

من المؤكد أن المقصد من الصوم ليس التجويع والحرمان من الأكل والشرب بل الهدف منه أسمى بكثير ألا وهو استشعار معاناة المحتاجين للذين يعيشون الجوع والحرمان كامل أيام السنة حتى تتولد في نفوسنا الرغبة في الإحسان إليهم والرفق بهم ومراعاتهم دائما لا لشهر واحد، كما أن الإمساك عن الطعام يجعلنا ندرك قيمة النعم المنزلة إلينا من الله الكريم وبالتالي تجنب التبذير في الأكل والشرب.. لكن ما يحدث في غالبية العائلات المسلمة مخالف لهذه العبرة إذ نجد على موائدنا كميات هائلة من الطعام وأصناف مختلفة تذهب جلها إلى القمامة ويذهب معها الثواب الذي كنا سنكسبه إذا ما تجنبنا النهم والإسراف.

   

الابتعاد عن الشهوات والعادات السيئة

قال الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" صدق الله العظيم. من أعظم العبادات التي تسمو بها النفس ويتدرب بها العبد على ممارسة التقوى هي عبادة الصيام ولا تكون التقوى إلا بقمع الشهوات وترك العادات السلبية فالصيام لجام المتقين وجنة المحاربين وهو فرصة يرتقي فيها الإنسان لمسالك العبودية ويترك أحب الأشياء إليه لإرضاء الخالق عز وجل. فلنغتنم هذه الفرصة لنزكي أنفسنا وننقيها من الأخلاق الرذيلة ومن العادات السيئة نذكر على سبيل المثال التدخين حيث يمثل رمضان فرصة ذهبية للمدخنين كي يقلعوا عنه لكن أغلبهم لا يستغلون هذه الفرصة ولا يقبلون أن يتركوا هذه العادة إرضاء لوجه الله جل جلاله بل الأسوأ من ذلك نجد أغلبهم يسارعون بالتدخين مباشرة بعد آذان المغرب متجاهلين مقصدا يعتبر الأهم في مقاصد الصوم.

   

حمية طبيعية

قال تعالى  "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" لقد اكتشف العلم الحديث فوائد لا تحصى ولا تعد للصوم بل وأصبح الأطباء ينصحون به كدواء لأمراض عديدة فالصوم يمنح راحة للمعدة مما يجدد نشاطها ويساعدها على تنقية نفسها من السموم، كما أنه يقي الجسم من الأورام ويعمل على خفض نسبة السكر في الدم بالإضافة إلى حماية القلب من الجلطات بسبب انخفاض الدهون.. من المهم أن نعرج هنا عن أهمية تجنب الدهون والأكلات الدسمة في رمضان كي لا نفسد ما عالجه الصوم في أجسامنا طوال اليوم، إذ يجب أن نأكل باعتدال وأن نتحكم في شهوات النفس التي لا تنتهي لنرأف بمعدتنا وجهازنا الهضمي.. كما ويعتبر الصوم أيضا علاجا نفسيا ناجعا لما يمنحه من راحة وسكينة ولما يعطيه من طاقة روحية هائلة نتيجة التعبد والدعاء والتقرب من الله.

  
أخيرا أذكر أن المقاصد من الصوم كثيرة وفوائدها عديدة إذ لا تكفي بضعة سطور للحديث عن جميعها والإلمام بها.. قبل أن أختم أريد أن أتقدم لك عزيزي القارئ ببعض النصائح وأرجو أن يتم تقبلها بصدر رحب: حاول أن تستغل هذه الأيام المعدودات المباركة لتغسل روحك وقلبك ولتصلح علاقتك مع الناس ومع الله قبل كل شيء كما أنصحك بتجنب إضاعة سهرتك في مشاهدة المسلسلات الغير هادفة وفي اللهو وتبذير وقتك في المقاهي واغتنامها في صلة الرحم والتقرب من خالقك بصلاة أو دعاء أو قيام ليل.. وأحثك على الاجتهاد في الطاعات وسر في طريق الله بهمة عالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.