شعار قسم مدونات

هل يُعقل بأن يكون الرزاز بابارفيل الحي؟!

مدونات - عمر الرزاز

منذ أن تم إشاعة الأخبار عن إقالة الحكومة الأردنية برئاسة هاني الملقي إثر احتجاجات جابت المملكة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها وكانت برعاية شعبية لا تنتمي لا لأحزاب ولا لأيقونات وطنية أو غير ذلك، عمَّ الفرح من الدوار الرابع إلى كافة مواقع التواصل واستمرت الاحتجاجات مطالبة المزيد والأهم ألا وهو سحب قانون ضريبة الدخل. امتلأت الشاشات بالمطالبات وكلَّاً يبدي رأيه ويُطالب، فذاك يطالب بإسقاط مجلس النواب، وآخر يُطالب بانتخاب حكومة إنقاذ وطني من الشارع و.. و.. وغيرهم الكثير من المطالبات والشعارات إلى أن جاء ملك المملكة ليُعلن إقالة الحكومة برئاسة الملقي وتكليف الرزار رئيساً للحكومة الجديدة!

  
الجديد، مواقع التواصل الاجتماعي والشارع الذي خرج محتجّا ضد الحكومة السابقة مطالباً بإسقاطها ينقسم الآن إلى شطرين، شطر يُطالب بوقف الاحتجاجات وإعطاء الحكومة الجديدة فترة للإصلاح وشطر علا صوته وانتشر يطالب باستمرار الاحتجاجات حتى يُسحب قانون الضريبة الجديد. وفعلاً، علا صوت الشطر الثاني واستمرت الاحتجاجات وازدادت وتيرتها ومضت ثمان ليال على الأردن لم يعشها في تاريخه قط، احتجاجات من شعب تكثر الغالبية فيه من شباب تتراوح أعمارهم في العشرين من العمر، يدافعون عن بعضهم البعض عند قبض الدرك أو الأمن على أحدهم بقول: (سيبوه، سيبوه، سيبوه)، أي اتركه، وبصيحة: (سِلميَّة، سلمية، سلمية)، مطالبة الجميع بتهدئة النفوس وعدم تحويل مسار السلمية إلى المجهول.

  

يتعالى صوت المديح بالرجل، وتتعالى النداءات إلى إعطاء الفرصة لرجل نظيف، ولكن هل جاء الرزاز من الشارع كما أراد الشارع أم أنه خرج كما خرج ثلته الأولين؟!

الوعي في الاحتجاجات ضرب ثقلاً على أركان الدولة، حكومة سقطت والدولة تهتز رأساً على عقب، ليُعلنها رئيس الوزراء المكلّف عمر الرزار في صبيحة اليوم التاسع للاحتجاجات على سحبه قانون الضريبة بعد أدائه اليمين الدستورية أمام الملك لتزداد على إثرها نسبة الشطر الأول مطالبة بوقف الاحتجاجات وإعطاء الجميع فرصة للعمل ولِكي لا يقول قائل: بأن من خرج هم ثلّة يريدون الفساد في الأرض. فرصةٌ تُعطى وآخرون يحذرون ويطالبون الشارع بالبقاء على يقظة وعلى أهبّة الاستعداد للنزول إلى الشارع من جديد، ولماذا؟! لماذا كل هذا الاستعداد والتنبيه والتحذير؟!

 
وعي الشباب في الأردن ازداد بعد ربيع عربي مرَّ على دول فجاب الخراب فيها وأخرى لم تنل مطالبها بعد. دروس تلقنها الشباب الأردني بعدم تصديق الحكومات والأقوال الزائفة لا من الشخصيات المرموقة ولا من غيرها فلقد مضى الكثير من الحكومات والحال من سيء إلى أسوأ، ولقد تجرّع الجسد الكثير من الكذب تماماً كالجسد الذي لم تعد حتى حبة (البنادول) تهدئته لكثرة تناوله إياها.

  
تتنوع الأخبار وتتناقل الكلمات على شاشات التواصل، أحدهم يُغرد عبر (تويتر) ويقول للرئيس المكلّف: "كنت تمتحن أبناءنا وتمنع الغش بكافة وسائله، وها قد جاء دورك لنمتحِنك ونسمح لك بالاطلاع على ورقة تركيا وسنغافورة وأن تبتعد عن ورقة السيسي"، تنتشر التغريدة بكثرة لتصل إلى الرزار نفسه ويرد بتغريدة: "كثير منكم غرّد: "كنت تمتحن أبناءنا واليوم دورنا لنمتحنك." أنا مستعد لهذا الامتحان الذي سيكون بالكتاب المفتوح على تجارب العالم أجمع، ولكن الأسئلة والإجابات لن تأتي إلا من رحم الأردن برؤاه الملكية وعقول وأيدي أبنائه وبناته المخلصين والمخلصات". تنتشر تغريدة الرئيس المكلّف من جديد بسرعة أكبر، وتزداد الإعجابات بالرئيس الذي كان سبباً في إعطاء نجاحاً في مسيرة التعليم إبّان كونه وزيراً للتعليم وخاصة نجاحاته في تحقيق العدالة لطلبة الثانوية العامة وفي أسلوبه غير المعتاد من شخص في مكانته أن يردّ على الطلبة وغيرهم عبر شاشة (تويتر).

  
قبل أن أكتب هذه المدونة، أقرأ تغريدة للكاتب أحمد حسن الزعبي جاء فيها: "توسيع هامش مجاملة الرزاز لقوى فاسدة وشخصيات محروقة شعبياً باتت تؤرقني!" ماذا يعني ذلك؟ منذ أن كلّف الرزار رئيساً للحكومة وإذ بي أُسارع في قراءة تاريخه وإنجازاته وإذ به رجل ذي خبرة اقتصادية لا يشوبه شبهة فساد أو خطوة سياسية فاسدة غير مُرضية، ولكن كل هذا ما منعني أبداً من أن أمدح الرجل ليلاً ونهارا، لماذا؟

   

عمر الرزاز (الجزيرة)
عمر الرزاز (الجزيرة)

 

نحن شعب ليست مشكلتنا مع الرزاز أو الملقي، نحن شعب تكمن مشكلتنا مع النهج المنتهج في الدولة الأردنية القائم على موافقة قرارات الحكومة من قِبل مجلس شعب لا يُفلح سوى بعلو الصوت و(البعبعة عالفاضي)، نهج منتهجٌ، يعارض آراء الشارع ولا يعبّر عنها، وكأن هناك فجوة كبيرة لا يمكن تجاوزها بين الدولة والشعب ولا أحد من الطرفين يرى هذه الفجوة ليتجاوزها أو كأن الدولة وأركانها في أرض والشعب في أرضٍ أخرى؟! يتعالى صوت المديح بالرجل، وتتعالى النداءات إلى إعطاء الفرصة لرجل نظيف، ولكن هل جاء الرزاز من الشارع كما أراد الشارع أم أنه خرج كما خرج ثلته الأولين؟!
   

على الرئيس المكلّف عمر الرزاز والذي سيؤدي القسم بعد أيام، أن يُبادر في الاعتراف عن خطئه إن أخطأ، وعليه أن يعلم بأن الشعب لم يعد يخجل في طلب حقه

في أحد الساعات أقلّب شاشة (الفيسبوك) وإذ بي أرى مقطع فيديو لشباب كانوا ضمن الاحتجاجات يحوم الناس حولهم بكاميرات هواتفهم، شباب يمسكون الطبل ويبدؤون، أغنية عن احتجاجات الأردن لحنها كأغنية كان نفسه الشباب العشريني الذي خرج في الاحتجاجات يعرفها، إنها أغنية المسلسل الكرتوني الشهير بابارفيل على شاشة شباب المستقبل قناة سبيستون. تبدأ التساؤلات، هل من الممكن فعلاً أن يكون الرزاز تلك الشخصية الكرتونية التي اعتدنا عليها؟! هل من الممكن حقَّاً أن نجد فيه الزيارة على الأحياء لنراه بالظرافة التي حقّاً نراها منه على (تويتر)؟! أم هل لنا أن نجد فيه الرجل النبيل الذي فعلاً قال لنا وبرفق (ليس هنالك ما يُخيف) تماماً كما قال لأحد المغردين بأن عليه أن يترك من فِكره موضوع الهجرة من الأردن والاغتراب منها؟! هل من الممكن فعلاً أن يكون الذكي النبيل الذي سيعيد لِعالم أطفال الأمس جماله وحيويته؟!

 
من أغنية المسلسل تأتي الإجابة، نحن الخير بطبعنا لا نرضى ظلم الضعيف لا يحيا بيننا إلا الإنسان الشريف، بالأخلاق الفاضلة بالمحبة بالأمل نسمو ننتصر على المصاعب بالعمل، لتُترجم تلك الكلمات واقعنا، فالشطر الأول تزداد نسبته خلف الرزار ففيها الخير بطبعها الذي نمته قناة سبيستون فيها، لا ترضى ظلماً لأحد، وإن رأت الظلم بينها أعلنتها: لا يحيا بيننا إلا الإنسان الشريف، لذلك على الرزاز والشعب أن يبادروا فعلاً بإظهار أخلاقهم ليَصدُقوا في أقوالهم، عليهم أن يعلنوا راية الحب بين الطرفين، الرزار والشعب، لينتصروا ضد ما يحاك في دول الخليج وغيرهم من المنظمات التي تحشى صحوة الشعب الأردني وغيره من الشعوب واحتجاجاته التي كانت وستكون درساً لشعوب العالم كله في سبيل نيل المطالب وتحقيق الأماني بطريقة السِلم والسّلام وفي تصحيح مسار الربيع العربي من القتل والدمار والخراب إلى ما بدأه ذاك الربيع فعلاً.
 
ولكن مهلاً، لم تنتهي الأغنية ولم تنتهي الإجابة، هناك مقطع في الأغنية: (بادروا دوماً إلى الاعتذار عن الزلل، لا ترفضوا خجلا، ضحكاً قلنا أجل). التفسير: على الرئيس المكلّف عمر الرزاز والذي سيؤدي القسم بعد أيام، أن يُبادر في الاعتراف عن خطئه إن أخطأ، وعليه أن يعلم بأن الشعب لم يعد يخجل في طلب حقه لذلك عليه ألا يخجل لا من السعودية ولا من أمريكا ولا من أمثالهم ولا حتى من مساعداتهم، كل الشعب سيقف خلفه ضاحكاً على من يريدون العبث فينا قائلاً لهم: أجل لقد انكشفت اللعبة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.