شعار قسم مدونات

اثنان ضرب واحد يساوي ثلاثة!

blogs العنف المدرسي

من الشائعِ كثيراً وفي مجتمعاتِنا العربيةِ هو استخدامُ العنفِ مع التلامذةِ في المدارسِ سواءاً أكانَ هذا العنفُ جسدياً أو نفسياً.. وإنَّ من الأسبابِ الرئيسيةِ ربما لتسرُّبِ التلميذِ منَ المدرسةِ هيَ تعرضَهُ للضَّربِ وخاصةً من عمر ِالسادسةَ حتى عمر الثانيةَ عشرةَ فهو هنا سيشعرُ بالرَّهبةِ والخوفِ.. كيفَ بإمكانِنا أن نبني جيلاً متحضراً ومسالماً إذا كان التلميذُ في أوّل مراحل حياتِه يتعرضُ لأشكالِ العنفِ في بيتِهِ الثاني الذي كانَ عليه أن يقومَ بعمليةِ التنشئةِ والتربيةِ لا إحباطَ التلميذِ وزرعَ الخوفِ وكرهِ المدرسةِ في نفسِهِ..
  
كيفَ لمعلمٍ أن يحضر عصاً بطولِهِ ليضرُبَ بها طفلاً لم يتجاوزْ ربعَ عمره حتى وذلكَ بحجّةِ أنَّه يريدُ أن يربّيهِ ويجعلُه يقومُ بواجباتِهِ رغماً عنهُ.. في أغلبِ مدارسِنا لا يحقُّ للتلميذِ الاعتراض على رأي المعلمِ ولا يحقُّ لهُ أن يعبِّرَ عن رأيهِ كما يريد وأن يفسرَ الأمورَ على المنحى الذي يراهُ هو بِها خلالَ الفترةِ العمريةِ التي يمرُّ بِها.. تخيَّل أنَّ معلماً بالغاً من العمرِ أربعونَ عاماً يقولُ أنَّ واحد ضرب اثنان يساوي اثنان فيردُّ عليهِ تلميذٌ في الصفِّ الثالثِ الابتدائي أنَّ واحداً ضربَ اثنان يساوي ثلاثة والتلميذ هذا هنا مصرٌّ على رأيهِ فيرد المعلم عليه: "ولا انتا مجنون أكيد في بعقلك شي مية بالمية" بدلَ من أنْ يقومَ بإفهامِ التلميذِ أنَّ واحداً زائدَ اثنان هو ما يساوي ثلاثة.
 

لنحصلَ على مجتمعٍ حضاريٍّ ومتطور علينا في أول خطواتِنا أن نقومَ بتوجيهِ أنظارنا إلى المدرسة وتأمينِ الحمايةِ للتلميذِ وحقَّه في التعلمِ بدونِ تعرُّضه للعنفِ والإساءةِ

يجبُ على المعلمِ أن يكونَ لبِقاً ولديهِ حسنُ إعطاءٍ وتعاملٍ معَ التلميذِ فالعنفُ النفسيُّ أكثر تأثيراً على التلميذِ من العنفِ الجسديِّ، حتى أنَّ التلميذ في بعض الأحيان يفضل أن يوسعه معلمه ضرباً من إهانتِه والتشكيكِ بقدراتِه أمامَ اصدقائِهِ ..وفي كثيرٍ من الأحيانِ عندما يتعرضُ التلميذُ للضربِ في المدرسةِ ويكونُ في سنِّ المراهقةِ سوفَ لن يتحملَ ذلك ويردُّ على المعلمِ إما بضربِهِ مباشرةً فورَ تلقيهِ الضربة أو أن يضربَهُ بعدَ انتهاءِ الدوامِ المدرسيِّ، ولا يمكننا لومَ التلميذِ على ذلك لأن كلَّ فعلٍ لديهِ ردةَ فعل..
 
أيُّها المعلمُ المثقفُ الحائِز على إجازةٍ في التعليمِ ألم تكن يوماً ما تلميذاً لا تتمنى أن يضربك المعلم عصى على "مقلوب أيدك" أو أن يقولَ لكَ "أنت فاشل".. أنتَ حصلتَ على هذهِ الإجازةِ من أجلِ أن تعلّمني حرفاً وليس لكي تقيمني إذا كنتُ ذكياً أو غبياً أو فاشلاً أو ناجحاً أنتَ قُمْ بواجبِكَ الذي هو التعليم وبرِّئ ذمتك أمامَ ربَّك…

صدقني أيُّها المعلم إن هذا الاحتقار لتلميذٍ ونعتَه بالفاشل والغبي سوف يجعلك يوماً ما نادماً جداً، فهذا التلميذ ربما يصل إلى أكثر وأعلى مما وصلت أنت إليه فإذا أخذنا على سبيلِ المثالِ آينشتاين الذي تأخر في النطق وكان يواجه صعوبة في الكتابة ولم تعجِبْهُ دراسة العلوم الإنسانية فقالَ لهُ معلمُ اللغة الإغريقيةِ موبخاً: "ﺇﻧُّﻪ ﻟﻦ تُصبِحَ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﻲ ﺣﻴﺎتكَ"..

 

ربما لم يكن ناجحاً في هذا المجال ولكنَّه أبدعَ في مجالٍ آخر ألا وهو الفيزياء وقد حصل عام 1921 على جائزةِ نوبل ..وأيضاً أديسون الذي أرسلته إدارة المدرسة إلى أمّه نظراً لذكائِه المحدود وأرسلو معَهُ رسالة إليها أنَّ ولدها لا يصلح للدراسة مع زملائه ويجب وضعه في مدرسةٍ تتماشى مع قدراتهِ العقلية فعندما فسَّرت الأم الرسالة لولدها قالت لهُ أنَّهُ ذكي وأن قدراته أكبر من باقي التلاميذ فالكلمات الطيبة والبنّاءة تلك صنعت من توماس اديسون شخصاً عظيماً ومن منا اليوم لا يعرف أن مُخترع المِصباح الكهربائي هو توماس أديسون..

  undefined

 

المعلمُ في مجتمعاتِنا يحب التلميذ الذي يحصلُ على أكبرِ قدرٍ من العلاماتِ وإنَّ التلميذَ الذي يحصلُ على العلاماتِ التامةِ في مادتِه التي يُعطيها متفوقٌ في جميعِ الموادِ وإنَّ التلميذ الذي لا يتفوق في مادتِهِ كسولٌ ولا ينجح في جميعِ الموادِ الأخرى ..كيفَ سنقنع المعلم أنَّ التلميذ هذا ربما لا يحب الرياضيات ويحب اللغة الانكليزية أو بالعكس فليس بالضرورة أن يكونَ التلميذ متفوق في جميع مواد المنهج الدراسي وأنَّ كل شخص في هذه الحياة لديه ميول يحبُّ شيئاً ويكرهُ ويبتعد عن آخر..
 
لنحصلَ على مجتمعٍ حضاريٍّ ومتطور علينا في أول خطواتِنا أن نقومَ بتوجيهِ أنظارنا إلى المدرسة وتأمينِ الحمايةِ للتلميذِ وحقَّه في التعلمِ بدونِ تعرُّضه للعنفِ والإساءةِ.. فَكمْ منَ الفرقِ بينَ معلمٍ هادئٍ ومبتسمٍ ويشجعُ تلميذهُ بالمديحِ ومعلمٌ لا يجيدُ سوی الصراخِ والشتمِ فيحبطُ التلميذ ويأخذ بيدِهِ إلى الفشلِ.. القدوةُ أنتَ أيُّها المعلم، والتلميذ سيتمثل ويتشبّه بكَ فكُنْ كما تحبُّ أن ترى تلامذتَك..
 
ومِسكُ الختامِ العنفُ لا يولِّد سوى العنف، وأنَّ كلمةً طيبةً وتربيتةً لطيفةً على كتفِ طفلٍ تُدغدغُ فيها موضِعَ سعادتِهِ ستجعله يدعو لكَ يوماً على حُسنِ تعاملِك..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.