شعار قسم مدونات

لا تقولي إنك خائفة.. كيف كشفت الرواية مشكلة التابع؟

blogs لا تقولي أنك خائفة

"طيري يا سامية طيري، كما يطير الجواد المجنح في الهواء، احلمي يا سامية، احلمي، كما لو كنت ريحا، تعبث بين اوراق الأشجار، اركضي يا سامية، اركضي، كما لو كنت لا ترغبين في الوصول إلى أي مكان"

– رواية لا تقولي إنك خائفة

كل إنسان له الحق في الحلم أما سامية فلم تكتفي بالحلم وحسب، بل سعت إلى تحقيقه، لكن أرض سامية لا يجعل الأحلام تتحقق بل يموت الحالم قبل الحلم. قصة سامية تجسيد حقيقي لمعاناة الإنسان البسيط الذي أمن قدراته وسعى وراء حلمه، إنها حكاية كل طفل ولد في أصقاع الحروب وبين مستنقعات الكراهية والتعصب، فهذه الظروف لا تسمح للبشر أن يحلموا بقدر ما يسمح لهم أن يجدوا فرصة للحياة. فإن ثقافة الموت التي صارت عنوانا لتلك السنوات التي عاشتها سامية وعاش فيها جيل كامل انتمى إليه، لم يسمح لهم القدر أن يحلموا أو يكتشفوا مواهبهم، فواقعهم الأليم واعتيادهم الخطير للقتل والحروب والكراهية نزعت عنهم القدرة على الحلم.

في الجانب الأخر هناك أعمال أدبية روايات وقصص قصيرة وأعمال درامية تجسد معاناة المجتمعات الفقيرة، حيث تسعى هذه الأعمال إلى صناعة جسر يربط المجتمعات البشرية مع بعضها البعض، وقد يكون لها غاية أخرى، مثل المتاجرة بالقيم ومعاناة الأخرين، والسعي الى رأسملة الأعمال الإنسانية وتحويلها إلى اقتصاد مربح.

إن حضور الاستعمار الإيطالي في الرواية تشير إلى فرض الذات الناطقة تاريخها على الذوات الأخرى التي لا تنطق، ولذلك يقحم الكاتب أمثلة إيطالية وعبارات إيطالية

من أهم الاعمال الأدبية والإنسانية، رواية لا تقولي إنك خائفة لكاتبها الإيطالي جوزية كاتو تسيلا، والتي تضع أمامنا قصة شابة تجاوزت إكراهات الواقع ومعضلة الاعتياد، حيث أمنت نفسها وقدرتها على صناعة تاريخ يحرر وطنها وجنسها من الحروب. وهذه الراوية تمثل قصص الآلاف من المواهب الشبابية التي تموت يوميا بحثا عن فرص أو واقعا يسمح لهم تحقيق أحلامهم، وجريمتهم الوحيدة أنهم يحلمون.

الرواية عمل درامي جيد وجزء من الأدب العالمي الذي يكشف معاناة الأخر التابع، وهذا النوع من الأدب الإنساني الذي يصور مشاكل التابع أصبحت تعاني خللا في عدة مستويات سنناقشها في نص رواية لا تقولي إنك خائفة. يحاول الراوي بسرد الواقع الاجتماعي والسياسي التي عاشتها سامية، ومن خلال هذا السرد يقع الكاتب أخطاء متعلقة بتفاصيل الواقع، وأعتقد أن كاتب الرواية اعتمد المعلومات الشفهية ولم يكلف نفسه بحث الحقائق الاجتماعية والسياسية في الصومال أو أن يقوم باستشارة المتخصصين بالدراسات الصومالية عموما، حتى لا يقع ضحية التضليل كما عند هذه الرواية.

 

وتلاحظ في نص الرواية وجود ارتباك في شان الاجتماع والتاريخ السياسي، وبالتالي فإن أحداث الرواية تدور ما بين ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٢ وهذه الفترة بالفعل لم يكن هناك ميلشيات قبلية بل كان هناك الحكومة الصومالية الضعيفة آنذاك في مواجهة الحركات الإسلامية المسلحة، ولكن الراوي لم يتحدث عن الحكومة الصومالية مطلقا، حيث تجد فجأة ظهور لجنة الأولمبياد وكأنها نزلت من السماء. ويكرر الراوي على لسان سامية وجود ميلشيات تابعة للقبائل، وهذه إشارة إلى أنه يجهل الفرق بين حقبة التسعينيات التي كانت الميليشيات القبلية تسيطر مدينة مقديشو حتى تقريبا عام ٢٠٠٦، وحينها استطاعت المحاكم الإسلامية والتي انبثق منها حزب الإسلام وحركة الشباب، الاستيلاء على معظم مناطق الجنوب.

في نهاية صفحة ٢٦ يقول الراوي على لسان سامية "ثم أن عليا كان من أبناء عشيرة دارود إحدى أكثر القبائل التي يكرهها الأصوليون، حيث كانوا يعدونها أقل شأنا، فهي قبيلة من الزنوج- كما كان يطلقون عليها- بينما نحن الأبجال كنا نتمتع بلون بشرة فاتحة، يشبه لون العنبر، وملامحنا تقترب من ملامح العرب، وجماعة الشباب تتوهم أنها تتحدر من أصول عربية" ص ٢٦-٢٧.

هنا من الواضح أن الراوي وقع ضحية التضليل وتلقى معلومات خاطئة عليه أن يصححها في الطبعات الأخرى، دارود ليست قبيلة من الزنوج، باعتبار أن الزنوج تطلق على تلك القبائل التي تتميز بالجلد الأسود والشعر الجعد والشفة الغليظة. وبالتالي فإن ملامح معظم الصوماليون متقاربة ولا أعرف ماذا يقصد بالملامح العربية!، هنا يتضح إشكالية المعرفية التي يعانيه الباحثون والصحفيون الذي يكتبون عن المجتمعات الأخرى وهم في غرف مكيفة أو فنادق في العواصم الأوروبية، وبالتالي يحاولون أن يجسدوا في أعمالهم معاناة مجتمعات أخرى ولا يقدمون جهدا لمعرفة الحقائق الاجتماعية والتاريخية لهذه المجتمعات.

أعتقد أن سامية وأمثالها الأن لا يحتاجون إلى أعمال أدبية أو سنيمائية ترفيهية وحسب، بل تكوين وتأسيس مشاريع إنسانية تنقذ المواهب الشبابية أمثال سامية
أعتقد أن سامية وأمثالها الأن لا يحتاجون إلى أعمال أدبية أو سنيمائية ترفيهية وحسب، بل تكوين وتأسيس مشاريع إنسانية تنقذ المواهب الشبابية أمثال سامية
 

ويظهر أيضا في النص الرواية الحضور المتكرر للاستعمار الإيطالي، ويجعل تاريخ مجتمع كامل رهينة للاستعمار، فتجد مرة يقول.. تركها الاستعمار الإيطالي، … بناها الاستعمار الإيطالي، وليس هذا نكران وجود معالم بناها الاستعمار الإيطالي، بل السؤال يكمن في وجود هذه المعالم في قصة توثق مأساة جميلة تموت أمام أبواب إيطاليا، ما قيمة هذه المعالم إذا؟

إن حضور الاستعمار الإيطالي في الرواية تشير إلى فرض الذات الناطقة تاريخها على الذوات الأخرى التي لا تنطق، ولذلك يقحم الكاتب أمثلة إيطالية وعبارات إيطالية يقول أنها يستخدمها الأجيال التي عاشت مع الاستعمار، ولا أعرف حقيقة وجود هذه الأمثال، رغم أن جيل الذي عاشر مع الاستعمار كان يجيد اللغة الإيطالية، وهي من تجليات الاستعمار وتجريد الإنسان من ثقافته المحلية.

الترجمة أيضا كانت لها حضورا أخر، إذ تفرض بشكل ما سطوتها على السرد ويظهر ذلك جليا، عندما يتم سرد أسماء المدن أو الأمثلة الشعبية، وبالأخص عندما ينقل الراوي صوت هدن التي تغني ذات مرة باللغة الصومالية، وبدوره يحاول المترجم نقلها إلى العربية، وكان الصومالي محكوم بالخرس حتى عما يهمه.

في النهاية أعتقد أن سامية وأمثالها الأن لا يحتاجون إلى أعمال أدبية أو سنيمائية ترفيهية وحسب، بل تكوين وتأسيس مشاريع إنسانية تنقذ المواهب الشبابية أمثال سامية، فأنا أؤمن أن هناك الأن في الصومال ألاف من الشباب أمثال سامية، يعانون بالضياع والإهمال، فهم أمام خيارين خيار الموت بحثا عن فرص أفضل مثل سامية، أو أن تموت مواهبهم وينخرطوا في واقع بئيس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.