شعار قسم مدونات

أين التعليم طيلة الستة عشر عام؟

مدونات- تخرج

 قرب انتهاء امتحانات نهاية العام الدراسي، وتخرج الكثير من طلبة الجامعة في دائرة معارفي، وانتشار "خلصت تعليم"، "اتخرجت فين الشغل؟" مما جعلني أتذكر كم مرة شعرنا بقيمة ما تعلمناه سواء في المرحلة الابتدائية، أو الإعدادية، أو الثانوية، أو حتى الجامعية؟ أين التعلم في أن تحفظ مائة أو مائتي صفحة، وتتنافس مع زملائك أيكم يحفظها أفضل ثم تدخل امتحانات نهاية الفصل الدراسي فتسترجع أو لا تسترجع ما حفظت حتى تفرغ رأسك فتخرج، وكأنك لم تتعلم قط ثم يأت الفصل الدراسي التالي فتفعل كما فعلت من قبل، وتعيد الكرة! فالسؤال الأولى أن يُسأل "أين التعليم طيلة الستة عشر عام؟".

  
وهنا ننظر إلى تقرير أعدَّه مركز التدريس في جامعة فاندربيلت يشرح فيه عملية التَعَلُّم، وممّ تتكون، وأهم خطوات التَعَلُّم، وهذا ما يمكن اختصاره في تصنيف بلوم ‹‹Bloom taxonomy›› والذي يُقَسِّم التَعَلُّم إلى 6 مراحل:
التذكر أو المعرفة: وهنا حيث قرأت المعلومة، أو تم تلقينها بواسطة معلم، أو وسائط متعددة فتصل لمجرد المعرفة بالمعلومة وتستطيع تذكرها.

الفهم: وهي مرحلة تلي مرحلة المعرفة، والتي تبدأ في الفهم الجيد للمعلومات التي تلقيتها؛ فتعرف من أين أتت، وكيفية استنتاج المعلومة، والخطوات المنطقية التي أدت بنا إلى معرفتها.

  

عليك أن تدرك أن ما فات من عمرك قد فات، وأن تبدأ حياتك الجديدة مؤمنًا أن التعلم هو السبيل الوحيد لتحقيق مرادك. فبعد التخرج يبدأ التعلم وفي طريق التعلم يأتي ما تبغ الأنفس

التطبيق: مرحلة التطبيق، والتي تعتمد على المرحلتين السابقتين. فمثلًا إن كنت تعلمت في الفيزياء طريقة توصيل الدوائر الكهربية، وفهمت جيدًا طرق التوصيل، ووصلت لمرحلة الفهم الجيد؛ فتبدأ في التطبيق العملي لتلك المعلومة حيث تستخدم الأسلاك، وعناصر الدائرة الكهربية؛ لتصنع نموذج ملموسًا حتى تستطيع أن تتقن المعلومات التي فهمتها جيدًا.

  

• التحليل: وهذه مرحلة ما بعد الفهم، والتطبيق، وهي أن تبدأ في تحليل كل خطوة تعلمتها، وفهمتها جيدًا أثناء تعلم توصيل الدوائر الكهربية، وتبدأ تحليل كل عنصر على حدة، وتتفهم جيدًا وظيفته، وإذا حدث غيابه ما الذي يترتب عليه.

التقييم: أن تصل بقدراتك إلى التأكد من اكتمال عناصر المعلومة، وتقييمها جيدًا، والوصول بقدراتك التحليلية إلى الانتقاد الذي يفيدك فيما بعد في تقييم أي تطبيقات خاصة بالمعلومة التي تعلمتها من قبل.

 

الإبداع أو الابتكار: وهذه هي مرحلة متقدمة جدًا من عملية التعلم في تصنيف بلوم، وهنا تبدأ في عملية ابتكار، وتطبيق ما تعلمته في نموذج، أو منتج جديد قابل للاستخدام الواقعي مثل صنع دائرة كهربية في لعب أطفال بنفسك، أو التطوير في دوائر كهربية لأجهزة في محيطك فتحسن من كفاءتها. وهنا يغمرنا الصمت لفترة مع توارد أسئلة بداخل كل منّا "ماذا ستكون النتيجة عندما نمر بكل تلك المراحل في مرحلة التعلم؟"، "تعليمنا الحالي يقف عند أي مرحلة من تلك المراحل؟".

 

undefined

  
والحق كل الحق أن تعليمنا يقف عند مرحلة المعرفة فقط، ونكتفي بهذا في مناهجنا التعليمية، ومن يجتهد من الطلبة قد يقطع جزءًا من الطريق في مرحلة الفهم ولا يكمل بعد ذلك حتى في الكليات العملية التي تستدعي التطبيق. كثيرًا من المناهج يكون التطبيق بعيدًا كل البعد عن المناهج النظرية فيصبح التعلم النظري في وادٍ، والعملي في وادٍ آخر، وهكذا يدور الطالب بين هذا وذاك مشتت الذهن لا يعرف كيف يكون التعلم، ولا كيفية تحصيل المعلومة، وهو موضوع تحت ضغط الإحساس بالفشل لأنه لا يُحَصِّل المعلومة جيدًا، والحقيقة أنه ليس لديه شأن في هذا؛ فمنظومة التعليم لم تُبْنَى على أساس تربوي وعلمي سليم.

   
لم أتحدث إطلاقًا عن عدم كفاءة المعلم أو الدكتور الجامعي في توصيل المعلومة للطالب. فإن تحدثنا عن هذا فلن يَسَعَنَا مقال واحد في شرح تلك المشكلة وتأثيرها على وعي وفهم الطلبة بالمواد التي يدرسونها. والآن بعد دراية كافية لخطوات عملية التعلم فيجب أن نعلم جيدًا أنك قضيت ستة عشر عامًا من التلقين فقط، والآن بدأت مرحلة التعليم فالمرحلة القادمة يا عزيزي هي مرحلة المعرفة، والفهم، والتطبيق، والتحليل، وأن تُبْدِع فيما تعلمتَهُ لأن أفضل التَعَلُّم هو التجربة، والواقع العملي هو سلسال التجارب الذي يجب أن تخوضها، ولا تنس أن تحلل كل ما تمر به جيدًا؛ حتى تُكَلِّلَ ما تعلمته بالإدراك الكافي الذي يساعدك مستقبلًا في حياتك. وعليك ألا تتعجب أن العمل الذي تَطْمَح إليه لم تصل إليه سريعًا فالأعمال الفريدة التي تطمح إليها لن تبلغها بالتلقين الذي لم تخرج منه بمعلومة حياتية تستطيع تطبيقها.

  
فيا عزيزي عليك أن تدرك أن ما فات من عمرك قد فات، وأن تبدأ حياتك الجديدة مؤمنًا أن التعلم هو السبيل الوحيد لتحقيق مرادك. فبعد التخرج يبدأ التعلم وفي طريق التعلم يأتي ما تبغ الأنفس. فتعلَّم ثم تعلَّم ثم تعلَّم ولا تيأس إن لم تجد نتائج سريعة فالصبر زادك والعزيمة محرك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.