شعار قسم مدونات

هل يعقب الربيع العربي "صيفا عربيا"؟

blogs ثورة يناير

بدأت العشرية الثانية من الألفية الثالثة بما عرف ب "الربيع العربي"، كان مستهلها من تونس ب"ثورة الياسمين" تعبيرا عن رفض الشعب التونسي لغطرسة حكامه، وفاض الكأس بإحراق "البوعزيزي" بائع الياسمين لنفسه بعد صفعة من شرطية، فخرج الشعب إلى الشارع محتجا في تجاهل من النظام ثم قمع للثورة، فما زاد ذلك الطين إلا بلة، والأوضاع إلا سوءا، فغادر المواطنون بيوتهم وسكنوا الشوارع، ثم التقت الجموع في سيل بشري جارف جرف الحكام خارج حدود البلاد، وبدأ التأسيس لدولة تونس الحرة المتطلعة إلى الرقي والازدهار.

ثم إلى مصر حيث البيوت خالية من أهلها الذين سكنوا الخيام في ميدان التحرير، واحتشدت الحشود في جمع غفير، وسبق الترغيب الترهيب لينزل حرس القصر الجمهوري بخيلهم وركابهم ويدوسوا بها رقاب الثوار، فما كان من الجيش إلا أن أعلن الدفاع عن الشعب ضد الحكام، فتم أسر الرئيس حسني مبارك من أجل محاكمته، وتولى الجيش زمام الأمور ليعلن عن انتخابات حرة شفافة أسفرت عم صعود الإسلاميين وتنصيب الدكتور مرسي رئيسا شرعيا لمصر، لكن الأمر لم يدم طويلا حيث انقلب قائد الجيش عبد الفتاح السيسي، المعين من طرف الرئيس، على رئيسه بجمعه توقيعات من الشعب بعزل الدكتور مرسي من سدة الحكم، ولتسرق الثورة المصرية وتوأد في المهد.

وتغلي بعد ذلك ليبيا لتأتي على نظام معمر القذافي، وتغرق البلد في حمام من الدم لم يسلم منه الرئيس فغرق فيه بعدما تم القبض عليه وقتله، وأضحت الأرض الليبية حصيدا كأن لم تغن بالأمس، فبدأ الشعب بريها بالمساواة والعدل والكرامة والحرية مع ما يعترض ذلك من عقبات ومشاكل سياسية كبيرة، عسى أن يجني ثمار الرخاء والرغد غدا.

بعد هذا الحراك العربي الذي أوشك ربيعه على الانتهاء، بدأت الأجواء تسفر عن قدوم "الصيف العربي" مع ارتفاع حرارة الاحتجاجات، ونضج ثمار المطالب الاجتماعية

ولم تسلم اليمن من رياح " الربيع العربي " التي عصفت بحكم الرئيس علي عبد الله صالح، لتشمر الأكف عن سواعدها لإعمار اليمن من جديد، لعهد جديد يشهد نماء وتطورا بعد تدهور وانحطاط. ولا تزال سوريا تتخبط في الحرب الأهلية، والسبب راجع إلى تدخل القوى الأجنبية والعربية الجارة في شؤون البلد، فهذه أوربا وأمريكا من جهة، وهذا حزب الله يساند حزب البعث من جهة ثانية، وها هو الصمت العربي من جهة ثالثة يخرج الشعب السوري من أرضه باحثا عن ملاذ آمن.

وفي المغرب قامت ثورة "20 فبراير " لتعم كل أرجاء البلاد ممثلة، في فسيفساء، كل أطياف الشعب من إسلاميين ويساريين ويمين ووسط، فخرج الملك محمد السادس إلى شعبه في خطاب امتص به غضبه ولبى مطالبه في دستور جديد، يؤسس لعهد جديد، ومغرب جديد، مع ملك شاب ينصت لنبض الشعب ويسارع في تلبيه طلباته، سيما أن الشعب المغربي متعلق بملكيته التي لم يعرف غيرها منذ عهد الملوك الأمازيغ.

 

وصعد حزب "العدالة والتنمية" المغربي إلى سدة الحكم، وتشرف أمينه العام عبد الإلاه بن كيران بلقب أول "رئيس حكومة" بصلاحيات واسعة، وبدأ الحكم "الإسلامي" المنتظر طويلا من أجل مساواة وكرامة وعدالة اجتماعية، فما لبث الحلم أن تلاشى وتدهورت الأوضاع الاجتماعية، وبدأ الاحتقان والاحتجاج، ووجه بالقمع بمختلف الوسائل، غير أن الشعب المغربي، على عكس ما كان يتصور فيه، أبان عن حنكة ودهاء سياسيين عاليين، فلجأ إلى حرب باردة وثورة هادئة، وأعلن المقاطعة الاقتصادية لرؤوس الفساد والاستبداد، في حفاظ على ثوابته ومقدساته التاريخية من عربية وإسلام وملكية دستورية، وفي تعنت انتحاري للحكومة، والمغرب بذلك كل يوم هو في شأن.

بعد هذا الحراك العربي الذي أوشك ربيعه على الانتهاء، بدأت الأجواء تسفر عن قدوم "الصيف العربي" مع ارتفاع حرارة الاحتجاجات، ونضج ثمار المطالب الاجتماعية، وحلول موسم الجني والحصاد، والآتي خريف يسقط أوراق الفساد والاستبداد، يعقبه شتاء يروي العدل والمساواة والحرية، ليزهر بعد ذلك العالم العربي في " ربيع دائم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.