شعار قسم مدونات

الصراع العربي الكردي.. قضية منطقة وأزمة تاريخ

blogs الأكراد
تعاني المنطقة العربية ومنذ تفكك الدولة العثمانية نزاعات وصراعات دينية وقومية وحتى قبلية تنشب بين الحين والأخر، مما جعلها منطقة ملتهبة، ويعتبر "الصراع العربي الكردي" إحدى هذه النزاعات التي تعاني منها المنطقة خصوصا في شمال العراق حيث يعيش خمسة ملايين كردي – حسب حكومة إقليم كردستان العراق- يتركزون في محافظة السليمانية ودهوك وأربيل التي تعتبر أكبر المحافظات الكردية وعاصمة للإقليم، كما يوجد عدد منهم يعيشون في نينوى وصلاح الدين وغيرها من المناطق، يمتلك الأكراد جذور تاريخية تمتد لقرون عديدة كما تشير بقايا الآثار التاريخية وأشهرها منطقة القلعة التي يبلغ عمرها حوالي خمس آلاف سنة حسب بعض المصادر.

كما أن سوريا تحتوي تجمع للأكراد يتركز في مناطق شمال شرق البلاد، يسميها الأكراد كردستان سوريا، وهي تعيش ظروف صعبة واضطرابات بليغة ومعاناة متعددة كحال بقية الشعب السوري، إلا أن قادة القوى الكردية السورية المتمثلة بوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني غردوا خارج سرب الشعب السوري وحاولوا النئي بأنفسهم عن المواجهة المسلحة مع النظام السوري أو بقية الفصائل ثم عزلوا أنفسهم بإدارة شبه مستقلة يرى الكثيرون أنها إدارة انفصالية تهدد وحدة سوريا.

 

بعض القوى الكردية اعتبرت أن العرب أو الترك هم أعداؤها الحقيقيين وأعلنت ضدهم الكفاح المسلح واستهدفت مصالح تلك الدول بعدد من العمليات الإرهابية المسلحة والصدامات والنزاعات

بالإضافة إلى سوريا فتركيا هي الأخرى تحتوي أكبر تجمع كردي حيث يبلغ خمسة عشر مليون نسمة وهم يعيشون أوضاع غير مستقرة في ظل خلافات نشبت منذ تولي أتاتورك زمام أمور الحكم في تركيا ونشب على أثر تلك الخلافات مواجهات دامية استمرت لنحو قرن من الزمن. وفي إيران الدولة الأولى في معدل أعداد الإعدامات في العالم تكمن معاناة الشعب الكردي، حيث تواصل السلطات الإيرانية عملية القمع الممنهج ضد الأكراد في شمال غرب البلاد، ويعتبر أكراد إيران المتضرر الأكثر كونهم يختلفون مع بقية الشعب الإيراني قوميا ودينيا. إن كافة المناطق أعلاه تمثل ما يسمى بكردستان الكبرى، وهي الدولة التي يريد الأكراد تشكيلها ويعتبر بمثابة الحلم الأسطوري والأمنية الحتمية لتلك الأمة.

إن الأمة الكردية أمه عظيمة وعنيدة لا تنكسر، حيث يمتلك الأكراد من الإصرار ما يستطيعون به إزاحة جبل من مكانه، وكان لهذه الأمة البصمة العتيدة في نشر الدين الإسلامي، ولعظمة هذه الأمة أنجبت صنديد من صناديد الأمة الإسلامية وجبل من جبالها العتية ألا وهو القائد الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي، الذي قام بفتح بيت المقدس وتحريره من الصليبيين بجيش جرار كان غالبيته من مسلمي إفريقيا المغاربة أو الأمازيغ الشرسين والأكراد العنيدين والعرب الميامين، في صورة تجسد مدى جمال الأمة الموحدة وتعطي جوابا للكثير من الأسئلة التي تتبادر للأذهان عن سبب تهاوي وتقاعس الأمة.

واليوم يعيش الأكراد في ظروف غير مستقرة لأنهم يعيشون حياة وطموح يختلف عن واقعهم، حيث أن توزيع الدول والحدود التي خُطّت على الرمال شتت الأمة الكردية وجعلتها متجزئة في أقليات عرقية في دول عديدة وهو ما جعلها قضية معقدة كونها تتداخل مع سيادة وطموحات دول مهمة كتركيا والعراق وإيران وسوريا. ولهذا دخل الأكراد في صراعات دموية مع حكومات تلك الدول منذ اتفاق سايكس بيكو حتى اليوم. حيث أن تلك الحدود التي خطت على الرمال استثنت الأمة الكردية وجعلت المنطقة تعيش على الهاوية كأنها قنبلة موقوتة.

حتى ان بعض القوى الكردية اعتبرت أن العرب أو الترك هم أعداؤها الحقيقيين وأعلنت ضدهم الكفاح المسلح واستهدفت مصالح تلك الدول بعدد من العمليات الإرهابية المسلحة والصدامات والنزاعات حيث قتل مسلحو حزب العمال الكردستاني في تركيا وحدها أربعين ألف شخص غالبيتهم من المدنيين. واليوم يحاول الأكراد أن يجدوا لأنفسهم متنفسا في خضم الأحداث المتسارعة والمتغيرات التي عصفت بالمنطقة مؤخرا، فالقضية الكردية باتت قضية مساومات أكثر من قضية شعب أو قضية أمة، فالقادة الكرد يحاولون توجيه فكر الأمة الكردية نحو أمور مغايرة للواقع، فهم يخوضون في مخاض لا يقرب للقضية الكردية بشيء، وغالبا ما ينظرون للقضية الكردية من منظور الاضطهاد العربي بل بعضهم يطلق تسمية الاحتلال العربي للأراضي الكردية في سوريا والعراق، وغالبا ما يحمّل القادة الكرد العرب مسؤولية سلب حريتهم ويعتبرون العرب حجرة العثرة التي تقف في طريقهم نحو إعلان الدولة الكردية المستقلة أو كردستان الكبرى كما يسمونها.

 

ومن هنا يجب أن نلفت انتباه الكرد والعرب والأتراك والعالم إلى قضية مهمة وهي أن الأمة الكردية تمتلك من مقومات التاريخ والحضارة والجغرافيا ما يؤهلها لتكون دولة في طليعة دول العالم وهذا أمر لا يقبل الشك، ولكن القادة الأكراد لا يستحقون قيادة أمة عظيمة كتلك الأمة، فهم يضعون أيديهم في أيدي جهات تزعم مساندتها للقضية الكردية وهي في كل مرة تتخلى عن القضية الكردية وتضع الأكراد في فوهة المدفع، وهذا ما رأيناه حينما تخلت أمريكا وفرنسا عن أكراد العراق إبان الخلافات الأخيرة التي نشبت بينها وبين الحكومة المركزية، وأيضا تخلت أمريكا عن أكراد عفرين وتركتهم في مواجهة آلة الحرب التركية بعد أن دعمتهم وسلّحتهم، وقبلها تخلت عنهم أيضا في عملية درع الفرات.

 

أعدى أعداء الشعب الكردي هم قادته الذين شتتوا رؤاه وصبوا طاقاته في جانب مصلحة الدول لا مصلحة الشعب
أعدى أعداء الشعب الكردي هم قادته الذين شتتوا رؤاه وصبوا طاقاته في جانب مصلحة الدول لا مصلحة الشعب
 

مما أصاب الأمة الكردية بالكثير من خيبات الأمل كما قال القيادي الكردي ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني "لقد تخلى عنا الجميع ولم يبقى معنا سوى جبالنا" وليس بالأمر الجديد تخييب ظن الأكراد من قبل الدول العظمى فهو شيء مستوحى من التاريخ، بل أن العرب والأتراك بريؤون من دماء الحرية الكردية وعلى الأكراد أن يعوا ذلك لأنهم والعرب ضحية جريمة واحد قطعت أوصالهم ونهبت حريتهم تحت مسمى سايكس بيكو.

 

وعلى الأكراد أن يعوا أن تلك الحدود التي خطت على الرمال ليست من صنع العرب ولا الأتراك، وتلك الحكومات والقيادات ليست من صنع العرب، وكما قطع المستعمرون أوصال الأمة الكردية إلى أربع مناطق قاموا بتقطيع أوصال الوطن العربي إلى واحد وعشرون جزء، واقتطعوا من الدولة العثمانية الكثير ما يندى له الجبين، ولذلك لا يمكن أن يُنظر للقضية الكردية إلا من منظور العدو الواحد والضحايا المتعددون. لأن العرب والأتراك هم ضحية حالهم كحال الأكراد، والجلاد الذي بطش بسوطه عليهم وعلى الأكراد هو من خط تلك الحدود على الرمال وأزّم المنطقة بمشاكله اللاإنسانية.

والقضية الكردية اليوم تعاني من المد والجزر المتواصل بالدعم سواء من أطراف محلية أو دولية، فالدول العربية في المحور الإماراتي السعودي المصري تدعم تطلعات الشعب الكردي على حدود تركيا التي تربطهم بها علاقات دبلوماسية متأزمة، وتتخلى عنهم في منطقة أخرى، وحتى الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا فهي تدعم الأكراد في قضايا محددة وتتخلى عنهم في قضايا أخرى والرابط الوحيد لذلك الدعم سواء كان محليا أو دولي هو المصلحة التي تخدم تلك الدول دون أدنى تفكير بتطلعات الشعب الكردي ومصالحه. لذلك نلخص أن أعدى أعداء الشعب الكردي هم قادته الذين شتتوا رؤاه وصبوا طاقاته في جانب مصلحة الدول لا مصلحة الشعب وكذلك الداعمين حسب المصالح ومخططي الحدود على الرمال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.