شعار قسم مدونات

كيف يمكن للتعليم أن يكون مثاليا؟

blog تعليم

لا شك أن المجتمعات لم تتطور بالمعجزات أو بالحظ ولو كانت كذلك لما كان شئ اسمه التاريخ لأنه لن يجد شيئا ذو معنى ليؤرخه لأن التاريخ سمي تاريخا كي يحفظ ما عمله الانسان عبر عصور طويلة من الزمن، كي يرينا قدرة الانسان على خلق أشياء لم تكن في الحسبان بواسطة العقل، مرحلة الانسان البدائي جعلت منا نعرف مدى قوة وأهمية تفضيل هذا الكائن عن سائر المخلوقات من خلال وسيلة العقل أو بالأحرى نعمة العقل التي خولت له أن يبتكر أشياء عن طريق مجموعة من الوسائل البدائية التي كانت متوفرة في أولى محطات البشرية.

 

ففي تلك المحاولة الأولى رأى الانسان أنه من الإمكان تغيير وضعه الذي لا يسمح له بأن يضمن بقائه لاسيما وأنه كان محاطا بشتى مظاهر الخطورة، من شساعة المحيط القاسي إلى صغر خطواته التي قد تلاقيه بما لا يحمل عقباه، لذلك مصيره الوحيد هو الهروب نحو الابتكار لأنه بكل سهولة للإنسان ما لا يمتلك غيره من سائر الكائنات، فالأمر لا يتعلق فقط ببنيته الخلقية بل بعظمة عقله، بعد أن ابتكر الإنسان الكثير من الأشياء فكان لا بد من تغيير تلك الأشياء عن حالها، وما ساعده في ذلك هو طبيعته الاجتماعية والعيش وسط تكتلات تسمح له بالمضي قدما.

 

رغم تقدم أساليب التعليم في القرن الواحد والعشرين إلا أننا ما زلنا نشهد العديد من المشاكل والحواجز التي تمنع الإنسان من إكمال مسيرة النمو

نحن نعلم بأن الكثير من المخلوقات الأخرى تعيش على منوال الجماعة لكن هذا الكائن يتميز بتلك النعمة، فالكيفية لابد لها ان تأتي عن طريق المحاولة بعدها التعليم، بيد أن التعليم لا يأتي سداً فلا بد من المعيقات كي تبرز مدى قدر تلك المحاولة في تحدي تلك الحواجز، كما يقال الإبداع يولد من رحم المعاناة فالتعليم هو من جهة أخرى نوع من الإبداع وإن كان غير ذلك لما خول للإنسان أن يعيش كل هذه القفزة، لا توجد حياة مثالية دون صعوبات، لكن للصعوبات فضل علينا لأنها هي من تعطينا الدافع لمواجهتها رغم درجاتها المتفاوتة غير ذلك فلا عزاء للضعفاء، ستمر بالأولى فتأتيك الثانية بعدها الثالثة إلى أن تجعل التاريخ يشهد لك بالتفوق، هذه هي المعادلة.

 

خلق الإنسان، ثم جعل خليفة في الأرض فكان في أول الأمر كسائر المخلوقات يميزه العقل عن الباقي، ربما لم يرضى بوضعه وأحس بأن حياته لا تسير على ما يرام وأنه مسخر إليه في آن واحد، فبدأ بالنار حتى وصل لثورة التكنولوجيا، تكتل الإنسان خلق مجموعات تميزه أكثر عن الآخرين تطور تواصل إلى أن ضبط محيطه، بدأ الإنسان ينمو في الكثير من الجوانب مما دفعه لتنمية محيطه أيضا، لكن لسوء الحظ بعد كل هذا، ظهرت نوايا وصراعات بين جنسه إلى أن تفرق مرة أخرى، البعض أراد استغلال كل ما طور سلفه في اللاشئ بشكل غير عادل والآخر استمر على الفضيلة في الإنتاج أكثر فأكثر لأنه اعتمد التعليم كوسيلة وسلاح لا منتهي لمواجهة هذا الوباء الذي جيء بالإنسان فكيف للإنسان أن تعاون وتكتل كي يؤدي بنفسه إلى نتيجة وبعدها وقع الخطأ فأصبحنا نرى الظلمات تلو الأخرى.

 

هذه الظلمات ظهرت نتيجة ظلم أفشاها فكاد الخير أن يعمى، إلى أن ظهرت شموع المعرفة والعلم الذي لطالما هو بنفسه أضاء طرقات الإنسان التي سار عليها منذ زمن بعيد، تلك الطرقات التقليدية التي انتجت لنا الكثير وحملت معها كل ما نحن عليه الآن، ورغم تقدم أساليب التعليم في القرن الواحد والعشرين إلا أننا ما زلنا نشهد العديد من المشاكل والحواجز التي تمنع الإنسان من إكمال مسيرة النمو، صحيح أنه أصبح متفرقا إلى مجتمعات وهويات وأعراق اتخذت لها حدودا في شتى مناطق الأرض لكن بالمقابل الكل له نفس المصير وكل شيء مرتبط فيما بني البشر.

 

لن يكون التعليم مثاليا إلا إذا لوحظ تأثيره في العالم بأسره، إن كان كذلك لا ريب أنه سيجعل من العالم قرية صغيرة قد تقاس بالخطوات وليس بالمسافات
لن يكون التعليم مثاليا إلا إذا لوحظ تأثيره في العالم بأسره، إن كان كذلك لا ريب أنه سيجعل من العالم قرية صغيرة قد تقاس بالخطوات وليس بالمسافات
 

شاهدنا فنلندا أين وصلت بالتعليم فوصل بها للقمة، شاهدنا أساليب أخرى في نماذج عدة بالعالم، لأنه حقا لا يزيد بالإنسان إلا الازدهار، لكن مع كل هذه التطورات في العالم لماذا ما زالت مجتمعاتنا تشهد عجزا تاما في الالتحاق بما وصل إليه الطرف الأخر من العالم؟ لماذا مازلنا نعيش تلك الظلمات؟ مشاكل تلو الأخرى لا تكاد تنقضي، فبكل وضوح وموضوعية ربما ما جعل العالم العربي يعيش هذا الركود هو عجز قادة حكوماته عن الاهتمام بالتعليم، قولوا لهم، أقنعوهم بأن اليابان لم تنهض هكذا.

 

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ما هي إلا سنين معدودات حتى عاصرنا كوكب أخر في كوكبنا البائس، اسألوهم عن سنغافورة وعن ماليزيا التي اتخذت الكعبة قبلة للصلاة وطوكيو قبلة للبناء هكذا على لسان حال بانيها، ومن نتائج التعليم التكنولوجيا هذه الأخيرة انتقلت من نتيجة الى أن أصبحت وسيلة وأسلوب أخر في التعلم، في حاضرنا الحالي يتراءى بأنها الوسيلة الأنسب لتطوير ذوات الناس المضطهدة، إن لم تملك الوسيلة لوجب التطوع، الإنسانية، التعليم، فالازدهار هذه المعادلة البسيطة حل جزئي من الحلول. لكن كيف لهذا التعليم إن نمى وازدهر أن يغير نظرة عامة عن العالم؟

قد نسمي النمو الحالي نمو بسيط مقارنة مع وضعيات بعض المناطق في العالم، فلن يكون التعليم مثاليا إلا إذا لوحظ تأثيره في العالم بأسره، إن كان كذلك لا ريب أنه سيجعل من العالم قرية صغيرة قد تقاس بالخطوات وليس بالمسافات، سيجعل من صفحات التاريخ أكثر فأكثر، ربما التعليم الذي جعل منا نتعرف على أنفسنا من نحن وماهي أهدافنا أن يدلنا على أشياء أخرى لم تكن في الحسبان في الكون بشكل عام، حضارات قد تلتقي بنا أيضا بفضل هذه المعجزة الملموسة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.