شعار قسم مدونات

المواطنة في المناهج الدراسية

مدونات - مدرسة

يعد الإنسان محور العملية التعليمية التعلمية والهدف والغاية الأساسية لها لاعتباره اللبنة الأولى في بناء ورقي مجتمعه. ومع التحولات والتغيرات المتسارعة في الأفق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية فقد تطورت غايات التربية وأهدافها وأساليبها من كونها انحصرت على التلقين والتحصيل المعرفي إلى الارتقاء بالذات الإنسانية وإرادتها الحثيثة في المساهمة الفاعلة في إحداث التغيير المستدام، بما يضمن الحقوق والحريات العامة للإنسان.

 

ومع بزوغ عصر العولمة وثورة المعلومات تكونت قناعة لدى التربويين أنه لا يمكن للتربية المعاصرة أن تحقق أهدافها ما لم يلحظ النظام التعليمي إصلاحاً وتغيراً ملحوظاً، حيث يعد تطوير المناهج التربوية، وتوفير مناخ محفز ومنفتح وديمقراطي داخل الفصول الدراسية أمرين أساسيين لإقامة نظام تعليمي يدعم تربية مواطنين قادرين على العمل الجماعي التعاوني والتكيف لحل المشكلات والتعامل مع تعقيد العصر وممارسة حقهم في التفكير والمشاركة والحوار والتعبير عن آرائهم والانتخاب والتواصل مع الآخرين، لتكون بذلك المناهج رحماً يتكون داخلها ويولد منها جيلاً ونشئاً تربى على مبدأ المواطنة الفاعلة.

 

على مستوى فلسطين وتجربتها في إقرار مناهج تربية المواطنة وانطلاقا من أن المنهاج الفلسطيني لم يوجد من فراغ، بل طور استجابة للواقع الفلسطيني ومستقبله ضمن واقع الشتات الذي يعيش فيه

فشهد النظام التعليمي على المستوى العالمي والإقليمي تجارباً وممارسات في تربية المواطنة، إذ سعت كل دولة إلى بناء مناهجها وفقا لمعايير تنسجم بالضرورة مع أولوياتها وفلسفة مجتمعاتها، اجتمعت في غالبيتها على تنمية القيم والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها معايير المجلس القومي للدراسات الاجتماعية، (NCSS) National Council for Social Studies standards، ممثلة بقيم ومبادئ الديمقراطية، والتنوع والشمولية، وتقبل واحترام الآخر ومكافحة التمييز، والترابط العالمي والتعايش والتعاون بين الشعوب والبلدان في كافة أنحاء العالم.

وإن أصبحت جل مناهج دول العالم تتمحور حول المواطنة لاعتبارها هدفا استراتيجيا للتعليم، إلا أن هناك تبايناً واضحاً بين هذه التجارب على صعيد إفراد مادة منفصلة تحت أسماء مختلفة كالتعليم المدني للتعايش في إيطاليا، المدنية والتربية الأخلاقية في فرنسا، القيم الاجتماعية والمدنية في إسبانيا، التربية القومية والاشتراكية في سوريا، والتربية الوطنية والمدنية في الأردن، وتحت اسم التربية الوطنية في كل من الإمارات العربية المتحدة وعُمان والبحرين ومصر. في حين اتجهت بعض الدول إلى تضمين قيم المواطنة في المحتوى الدراسي لمنهاج اللغة العربية والأدب العربي والتربية الدينية كما هي تجربة فنلندا والجزائر.
 
وكما يبرز التباين أيضا في المرحلة التعليمية التي يُقر فيها المنهاج في كونه منهاجاً إلزامياً أو اختيارياً، فإن منهاج تربية المواطنة يُقر كمنهاج إلزامي في مختلف المراحل الدراسية في كل من فرنسا وبولندا ولبنان والأردن، بينما اتجهت إسبانيا إلى اعتباره منهاجاً اختيارياً بينه وبين مادة الدين، أما المملكة المتحدة فإنها أقرت منهاج تربية المواطنة كمنهاج اختياري في المرحلة العمرية ما بين (5-10) سنوات، وإجباري في المرحلة ما بين (11-16) سنة.
   undefined

 

أما على مستوى فلسطين وتجربتها في إقرار مناهج تربية المواطنة وانطلاقا من أن المنهاج الفلسطيني لم يوجد من فراغ، بل طور استجابة للواقع الفلسطيني ومستقبله ضمن واقع الشتات الذي يعيش فيه، ومن أجل ترسيخ مجموعة من القيم والمفاهيم التي تساعد في بناء الدولة الفلسطينية، فقد تم إقرار منهاج التربية الوطنية كمنهاج إلزامي منفصل من الصف الأول حتى الصف العاشر تحت اسم "التربية الوطنية" بواقع حصة واحدة في الأسبوع، وتم دمج المنهاج مع منهاج التربية المدنية في العام (2015) للمرحلة الأساسية الدنيا، وفي عام 2017 تم تطوير مناهج تربية المواطنة للمرحلة الأساسية الدنيا أيضاً تحت اسم التربية الوطنية والحياتية " للصفين الأول والثالث الأساسي، و"التربية الوطنية والحياتية" للصف الثاني الأساسي، و"التنشئة الوطنية والاجتماعية" للصفين الثالث والرابع الأساسي، وتحت اسم الدراسات الاجتماعية من الصف الخامس حتى العاشر .
 
وفي خضم خوض تجارب مختلفة المواطنة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي في تصميم مناهج دراسية على أرضية المواطنة، وبذل جهود حثيثة في إكساب مناهج تربية المواطنة مزيدا من العمق والواقعية في التنفيذ بعد مرحلة أساسية من التصميم مناهجها تتباين زواياه وفقا لطرائق التدريس وللأساليب والأنشطة المتبعة في تحقيق المواطنة المنشودة، حيث تجلت زوايا تربية المواطنة وفق منظور ثلاثي الأبعاد فكانت المناهج في غالبيتها تنبعث من زاوية التربية من أجل المواطنة (Education for Citizenship) تركز على تزويد المتعلمين بمجموعة من المعارف والمهارات والقيم من أجل المشاركة المنتجة والفاعلة داخل المدرسة وخارجها إلى الحياة العامة.
 
في حين كانت مناهج تربية المواطنة في كل من هولندا وفنلندا والمغرب تتمحور حول التربية من خلال المواطنة (Education Through Citizenship) حيث كانت تبنى وفق منهج النشاط والخبرة ومشاركة الطلاب في الأنشطة داخل الصف وخارجه. أما التربية عن المواطنة (Education about Citizenship) فهي المعرفة التي تتم من خلال المعلم عن موضوعات كثيرة تاريخية وسياسية واقتصادية وغيرها ويكون دور المتعلمين سلبي.
 
ومع تأرجح مناهج تربية المواطنة ما بين التعمق والتوسع في المحتوى والمضمون إلى الركود والتقهقر كمناهج إلزامية حينا واختيارية حينا أخرى، مدمجة تارة ومنفصلة تارة أخرى، إلا أنها تبقى البوتقة التي تنصهر فيها مشاعر المتعلمين وتكسبهم مفاهيم ومعارف تغذيهم بعواطف الحب والاعتزاز بالوطن لتتعدى حاجز العواطف والمشاعر إلى ممارسة سلوكية واعية تعبر عن نضج ثقافي ورقي حضاري من خلال عملية تربوية مستمرة تراكمية مستدامة خلال المراحل الدراسية المختلفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.